كلاهم—من كفر ومن أسلم مسؤول عما اكتسب من الفساد

المفسدون

الكاتب: فيصل برهان
تحرير: ايمان احمد برهان
تاريخ النشر: ٢٠٢٠

إن من حكمة الله تعالى في خلقه معاقبة الكافرين. وهل هنالك أسباب أو دوافع ما حملت الله تعالى أن يَعد الكافرين بالعذاب الأليم مما يمكن الإتعاظ بها؟ ومن خاصته سبحانه وتعالى، وهو الحكم العدل والرحمن الرحيم، أن يدخل الناس الجنة أو النار فقط لمسماهم مسلمين أو كافرين مثلا؟ هذه المقولة تطرح هذا الموضوع وتبحث عن الإجابة لهذه الأسئلة من خلال الإستدلال بالقرآن الكريم.

لغويا كلمة الكفر تعني الغطاء أو الستر والإخفاء. والمعنى العقائدي للكفر هو إنكار وجود الله، وجحود تعاليمه وأنبيائه. لندلي الضوء .على بعض معطيات الكفر في القرآن الكريم من أجل فهم الموضوع  والوصول إلى جواب حصيف لتساؤلاتنا

.١) وعدُ الله تعالى بالعذاب الأليم للكفار

    وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. ٣:١٣١

وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينً. ٤:٣٧

.٢) الكفار لا يضرون الله تعالى بكفرهم

14:8 وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد

.٣) الكفرُ بكونِهِ اعتقاد لم يكن وحده الأساس في وعيد الله تعالى للكافرين بجهّنم وعذاب الآخرة

53:23( الكفار) إن يتبعون إلا الظنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى)

50:24 ألقيا في جهنّم كل كفار عنيد

50:25 منّاع للخير معتد مريب

2:87  أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذّبتم وفريقا تقتلون

.٤) الجحود بالله والكفر هو مطية للفساد

27:14 وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين

فإن تساءلنا ما هو مصير الغير مسلم والذي لم تصله رسالة الإسلام بحقيقتها ثم اخذه الموت، وفي الظاهر، على غير ملة الإسلام؟يحدث المفكر الإسلامي  الدكتور عدنان إبراهيم مجيبا  لِمثل هذا التساؤل قائلا ” الإعتقاد السائد لدى بعض المسلمين أن كل كافر أو غير مسلم داخل النار لا محالة، هو إعتقاد خاطئ. والكفر الذي توعده الله تعالى بالعذاب هو لذلك الإنسان الذي جاءه الحق فعرفه وتيقن قلبيا من أحقيته و بعد المعرفة واليقين أعرض عنه و جحد به.” فمن لم تصله رسالة السماء على حقيقتها بصفائها ونقائها، فضلا على أن يرى على الشاشات التلفزيونية والقنوات الفضائية من الجرائم التي يقوم بها بعض ممن ادعوا الإسلام والذين لم يقف حد إجرامهم عند قتل غير المسلمين فقط، بل بقتل المسلمين أنفسهم، فهل في هذه المقاربة أساس يوجب الرغبة بقبول الإسلام؟

والواقع أن الله تعالى أعد للكافرين العذاب الشديد ليس فقط لأنهم كفروا بالله كمعتقد وفقط، بل لأن هذا الإيمان بالله يترتب عليه الإنصاف والرحمة والأخذ بمبادئ سامية في الحياة. ومن هنا يترتب بالحري ترك الفساد—حب الهوى، حب التسلط والتطاول إليه، حب المال والإكثار من جنيه وبأي طريقة كانت. أما الأخذ بالمبادئ السامية للإسلام—كإعانة الضعيف، العدل بين الناس، إعطاء اليتيم ماله والكف عن احتكار الثروات الطبيعية التابعة للشعوب وليس لثلة منهم. أكثر من هذا وذاك هو النزوح عن عرش الإستغلالية واستعباد البشر. كل هذا يترتب عليه ردع النفس، تطبيق العدل وإعطاء الإنسان حريته. وهذا بدوره يعني قلة الجناء والتخلي عن مطالب الوصول إلى المراكز الحكومية.

يقول الدكتور عدنان إبراهيم “ولهذا لم تأت هذه الآية الكريمة (٢٧:١٤) بالسياق المعتاد كأن تقول فانظر كيف كانت عاقبة الكافرين أو الجاحدين، بل جاءت قائلة فانظر كيف كانت عاقبة المفسدين.” يعول الدكتور إبراهيم قائلا لأن هذا السياق يملي ويحقق أن الكافرون إنما استحقوا العذاب نتيجة للإنغماس بالفساد. ودلالة أخرى لصيغة الدكتور عدنان إبراهيم هي ما نجدها بحق آل فرعون، إذ كفروا بآيات الله، فلم يعذبهم الله “بكفرهم”، بل جاءت الآيات لتقول “بذنوبهم.” الآية ٥٢ من الأنفال. ولهذا فلربما تملي هذه الآيات بأن الفساد وظلم العباد أشّدُ من الكفر المعتقدي. “كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۙ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ” ما يلي أيضا بعض الآيات من كتاب الله حول الجحود مبتغاة للفساد وظلم العباد.

107:1  أرأيت الذي يكذب بالدّين

‏107:2 فذلك الذي يدعُّ اليتيم

ولايحضُّ على طعام المسكين

‏89:19 وتأكلون التراث أكلا لمّا

‏89:20 وتحبّون المال حبّا جمّا

يحدثنا الله تعالى في هذه الآيات عن طبيعة الإنسان بحبه المال الحب الغير متناهي. فالكافر الذي لا يأبه بتعاليم الله ويستحقر البشر، ومهما اكتسب من الأموال لا يشبع  ودوما يطلب المزيد حتي ولو على حساب الآلاف بل الملايين من أرواح البشر. وليس ببعيد عنا مثل سوريا والعراق وليبيا.

والأشنع من هذا أن حصيلة الكفر من الفساد هي نفسها الحصيلة التي يقوم بها بعض المسلمين وتحت راية الدين. فإختلاق الحروب الأهلية وتحطيم البنى التحتية وقتل النفس ورفع الأمان عن المجتمعات البشرية هو بذاته هضم لحقوق الناس وحرمانهم من أسباب التقدم وحرية العيش والحرية الدينية وغيرها من الحريات. كل هذا ما هو إلا الظلم والفساد بأمِّ عينه، لكنه الآن باسم الحفاظ على الدين أو إقامة الدين.

وحتى بعد انتهاء الحرب الأهلية في سوريا وليبيا والعراق والتي شنعت ودمرت الأخضرين لهذه الشعوب الآمنة، لم يزل بعض المدّعين بالإسلام يتطاولون، ليعيدوا كرة جديدة من البلاء والفساد وحتى على سورية، وعلى أنظمة إسلامية/عربية آمنة ربما تسلطا وطمعا في خيراتها ومواردها، أيضا باسم الدين والإسلام.

أمر جوهري لامحالة منه وهو أن يتعلم المسلم أن يكون عمله خالصا لله وحده، غير مشرك أحدا أو شيء آخر سواه. أما الإسلام الذي مناله السياسة والتسلط للمنافع والأنا، وذاك الإسلام الذي مراده الشكليات والطقوس، أو الإسلام الذي مآله المنفعة والتجارة، كل هذه الأشكال من الإسلام التي لم يُرد بها وجه الله تعالى وحده، نهايتها الإخفاق. “إنَّ وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا. (٣٥:٥)”

وثمةَ أمر جوهري آخر وهو أن حقيقة الإسلام تكمن في روحانياته، تكمن في معاملة الناس، كلّ الناس، بالقسط، بالرحمة والإحسان، بالكف عن كراهيتهم، عن عداوتهم، عن إيذائهم، عن اغتيالهم، و عن رميهم بما ليسوا فيه. فعلى العكس، حتى في اسطورة الطغاة، فرعون، فإن الله تعالى لم يأمر موسى وهارون بإغتياله، بتدبير انقلاب عليه، بل أمرهم بلين الحديث معه. هذه حكمة الله وسنته في هديه، فعلى أي أساس استبدلناها بما يعاكسها؟ (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ. )(طه ٤٤)

تظهر حقيقة إيمان المرء عندما يظهر تغلبه على أهوائه وشهواته وكثرة ذكر الله تعالى والحضور إليه والخوف والإبتعاد عن معصيته. إسلام مبني على الأهواء نهايته دوما الإنهزام أمام المغريات والشهوات والمحن

ولو اطلعنا بعض الشيء على مواضِع نجاح الإسلام وأسباب انتشاره وخاصة في افريقيا وآسيا لوجدنا مسلمي تلك الأزمان والأماكن كانوا من المؤمنين حقا. ما يبدو لنا في ظاهر الأمر، إنهم كانوا من الذين يذكرون الله تعالى ذكرا كثيرا، والذين كانت قلوبهم تفعم في مرضاة الله والقرب منه والخوف من عصيانه، والذين لم يتخذوا الإسلام مُطية لتجارتهم أو أهوائهم، بل لوجه الله سبحانه.  ومن هؤلاء، وعلى قلة شهرتهم، من أدخلوا معظم معظم افريقيا واسيا في الإسلام. فمثلا الشيخ جمال الدين وابنه الشيخ رشيد الدين الربانيين، والذين لم يدلوا حتى باسمهم الأخير، هم الذين أدخلوا  امبراطورية المغول، على عظمتها، في الإسلام. فالمغول لم تدخل الإسلام بالإنقلابات ولا الإغتيالات ولا التفجيرات ولا عن طريق التكفير والكره وعليه قتل الأنفس.

وبنفس طريقة الشيخ جمال الدين ورشيد الدين إحياء الآلاف من زوايا  وحلقات الذكر العاملة لإصلاح القلوب والنفوس في شمال وجنوب وأواسط وغرب افريقيا. فدولة المرابطون وما أنجزته في الدعوة للإسلام في افريقيا والدفاع عن المسلمين حتى في الأندلس كانت في جلها متصوفة او متأثرة بالتصوف، مطوية على تربية القلوب وتهذيب النفوس. أما في بلاد الأناضول واوربا فلننظر إلى المربي اق شمس الدين الذي ربى محمد الفاتح، والذي تنبأ فيه خير البرية، سيدنا محمد ص فلقد كان مربيا روحيا، دينا ودنيا. والحقيقة التي لا يدخلها ذرة ارتياب أن جميع ملوك وامراء الإمبراطورية الاسلامية العثمانية كانوا من الروحانيين. تلك التربية والحيويات الخالصة لوجه الله تعالى هي التي ساهمت في هداية العشرات من  شعوب الأرض وإدخالها  في الإسلام، فلن يخلف الله عهده ولا يبدل وعده، انظر (٨٠ البقرة). وليس ببعيد، فعلوم اليوم تدل على أنّ نجاح أولئك المسلمون هُوَ نَتيجةُ أولوية  تنوير قلوب العباد، أولا وأخيرا بنور الله، بكثرة ذكرهم إياه، وفي بناء عقولهم بِحكمَةِ وإنسانيةِ ورحمانيةِ الإسلام.

فهل استيقنت أنفُسُنا من حقيقة واقعيّة نعيشها والتي لم تزل تنخُر في هياكلنا العظمية فتوهِنُنا فنسقُط على أعقابنا؟ أرجوا الله تعالى وأسأله أن يعيننا على أهوائنا والتغلب على أنفسنا والعمل والسّعي وبِنيَةٍ صادقة للتقرب إلى الله وحده  لنعمل من أجله، ولأن يشفي قلوبنا من أهوائها ويحببها بقربها منه وباليقين فيه حتى نعمل بعلمه ونرفع عنا وعن أمتنا من هذه الغمة. “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى،” آمين.

للاطلاع الموسع للمواضيع المطروح أعلاه ممكن الاطلاع على الروابط التالية :

الشيخ الرباني أق شمس الدين

https://ar.wikipedia.org/wiki/محمد_الفاتح

https://islamic-study.org/the-shatter-of-god-given-rights-to-safety-security-and-peace/

دور التصوف في تأسيس الدولة العثمانية

https://ar.wikipedia.org/wiki/الدولة_المرابطية

https://ar.wikipedia.org/wiki/الشيخ_إده_بالي

لماذا لم تقم دولة الخلافة كما وعدنا الإسلاميين

https://en.wikipedia.org/wiki/Islam_in_Indonesia

Thomas Arnold: The Preaching of Islam

https://archive.org/details/bub_gb_O45CAAAAIAAJ/page/n21/mode/2up

https://islamstory.com/ar/artical/20174/بداية-المغول-المسلمين

التصوف الإسلامي في غرب افريقيا

https://www.researchgate.net/publication/273162691_altswf_alaslamy_fy_ghrb_afryqya

دور الصوفية في نشر الإسلام

https://www.abdelghani-boubaker.com/dwr-lswfy-fy-nshr-lslm

 دور الطرق الصـوفية في نشر الإسلام

https://www.dostor.org/2582699

https://www.jpost.com/Middle-East/How-Turkey-made-Syrian-rebels-tools-of-foreigners-and-Libyan-mercenaries-614252

عثمان الأول، مُؤسس الدولة العُثمانيَّة المتأثر بالمُعتقدات الصوفيَّة

https://www.turkpress.co/node/13497


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.