معرفة أين تكمن سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

بقلم فيصل برهان
تحرير د. علاء الدين زعتري
تاريخ النشر في اللغة العربية:٢٠٢٢

 

يقول الله سبحانه وتعالى: 

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. 

     يعتقد بعض المسلمين اليوم أن جزءاً من العادات والوسائل التي كانت سائدة في الجزيرة العربية في القرن السابع والتي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم لتدبير أموره هي سنة من سننه التي يجب أن يأخذوا بها.

وبناء على ذلك فإنهم يقومون بتطبيقها لأنفسهم، والأخطر عندما يلزمون بها غيرهم من المسلمين. نجد هذا المنحى موجوداً في كثير من بقاع العالم، مما ينجم عنه الإساءة إلى حقيقة الإسلام، وينعكس سلباً على المسلمين؛ بينما يعطي صورة الرجعية والتأخر عن الإسلام. 

وتحاول هذه المقالة لفت انتباه المسلمين إلى حقيقة سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما أداها شخصه الكريم. وسَتُمَيز هذه المقالة بين طريقة إدارة النبي للأمور، وبين العناصر التي استخدمها، تمييزاً واضحاً لبيان السنة الواجب اتباعها. 

    .اعتمد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته للإسلام على الوسائل والعادات السائدة في زمنه للوصول إلى الحلول الصائبة ثم اختيار أنجحها وكان لا بد ـ لمعالجته للأمور ـ بأن يأخذ في الحسبان عادات الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ولولا ذلك لما أحرز النجاح في مهامه. فما كان متوفراً لدى النبي صلى الله عليه وسلم من الوسائل والعادات الاجتماعية في زمنه قد لا يتوفر في أمكنة وأزمنة أخرى، ومما لا شك فيه بأن العادات قد تتغير نتيجة لتغير الزمان أو المكان أو الاثنين معاً([1]). ومن الصحيح أيضاً أن العادات البشرية والوسائل قد تتغير نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي. 

ومن هنا نستخلص أن هذه الوسائل والأدوات التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم قد لا تكون جزءاً لا يتجزأ من سنته، بل هي الوسيلة التي استخدمها لتنفيذ خطته؛ طبقاً للعادات الاجتماعية، والوسائل المتوفرة في مجتمعه. من هذا التصنيف يمكننا القول: إن السنة الحقيقية للامتثال بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم تكمن في إدارته للأمور منبثقة من محيطه، وعادات مجتمعه.

وعليه؛ فإن السنة في اتباعه صلى الله عليه وسلم اليوم هي تخطيط وتدبير أمورنا، وينبغي أن تكون مبنية على وسائل عهدنا، وعادات وسطنا، والإمكانيات المتوفرة لدينا؛ كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عادات زمانه، واستخدم الإمكانات المتاحة بين يديه. ولتبيان نظرتنا هذه، اسمحوا لنا بدراسة قصة رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف. ففي العام العاشر من البعثة قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى الطائف ـ التي تبعد حوالي 150 كم جنوب مكة ـ ليقوم بالدعوة، ويطلب الحماية من أهلها. وكانت هذه الرحلة نتيجة للأذى المستمر، والعقبات التي كانت قريش قد وضعتها في طريقه بمكة. فلسنين عديدة؛ وقفت قريش عائقاً أمام دعوة النبي (ص)، ومنعت الناس من الاتصال به. ومن ضمنهم المسافرون الذين كانوا يأتون مكة للتجارة أو غيرها. وفي حال تمكن النبي صلى الله عليه وسلم من التحدث مع أحد من الناس، سارعت قريش لإفساد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بتضليل مَن اتصل به، واتهام محمدٍ بالجنون، والكذب، والسحر. فألجأت هذه القيود، وهذا الرفض المتكرر النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَنْشُد عونَ قبائل ثقيف في الطائف؛ بغية الاستمرار بدعوته. ما يهمنا من هذه القصة هو معرفة الأسلوب الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم لتضليل قريش عن إفساد خطته، والوصول إلى الطائف دون تدخلها وايذائها إياه، على الرغم من رصدها الشديد لكل تحركاته.

تبدو حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر جليةً في الطريقة التي خرج بها من داره للقيام بهذه الرحلة. فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الرحلة مع خادمه زيد (الذي كان معروفاً حينها بابن محمد؛ لأن التبني لم يُحَرَّم بعد([2]))، دون أن يصحبه، أو يودعه أياً من أتباعه المقربون، أو دون ناقة محملة بمؤونة، أو زاد. 

فلقد كانت عادة العرب في جزيرتهم عندما يَدْلَهِّمُ خَطْب، أو سفر أن يجتمع للمناسبة كبراء القبائل وذوي الشأن. فتكمن حكمة النبي صلى الله عليه وسلم هنا في صرف انتباه قريش عنه بطريقة بسيطة، وهي أن يظهر بشكل لا يستدعي الاهتمام، أو يُشْعِر بسفر. فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من داره مع خادمه (زيد) دون أي مِن صحابته؛ أمثال عمر، وحمزة. وانطلق في رحلته دون ناقة محملة بزاد يشير إلى سفر. 

 ويرى البعض أن هذا التصرف أدى وظيفته، وأرسل رسالة لعيون قريش الساهرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وراء غرض عَرَضي؛ يضمن عدم اكتراثهم، وعدم رصد تحركاته. وبذلك تمكن صلى الله عليه وسلم من السفر إلى الطائف، والعودة لمكة، دون مضايقة قريش، أو إفسادها لخطته.

يدلنا هذا المثال أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل المنطق والعادات التي تحيط وتتصل بعصره لتدبير أمره. وتدلنا هذه القصة، رغم بساطتها، أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هنا هي قطعاً ـ الخطة في الإدارة بصرف النظر عن الوسائل والأدوات التي قد تكون أوْ لا تكون هي ذاتها في ثقافات العوالم الأخرى. ومن الجدير بالذكر، أن مجموع أعمال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله كانت منبثقة من أعماق بيئته؛ سواء أكانت سياسية أو اجتماعية. فلنأخذ هجرة المسلمين إلى الحبشة؛ كمثال على ذلك. فعندما تفاقمت الاعتداءات واشتد الأذى على المسلمين في أواخر السنة الرابعة للنبوة أوجد النبي صلى الله عليه وسلم حلاً لهذا الأمر منبعثاً ـ أيضاً ـ من الوسط الاجتماعي والسياسي المتواجد آنذاك؛ والذي يكمن في هجرة المسلمين إلى الحبشة؛ لأن بها “ملكاً عادلاً؛ لا يُظْلَم عنده أحد”([3]).

وتبدو فطنة النبي صلى الله عليه وسلم في خطته هنا ليس بالهجرة لأرض فيها عدل فحسب، وهو الشيء الظاهر في هذا الأمر، ولكن تكمن هناك أعماق أخرى في هذه الهجرة الى الحبشة.  وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجد بهذه العملية موقعاً آخر للدعوة؛ مما يعزز الدين والمسلمين، ويضاعف على قريش مشقتهم في أمره؛ مما ضعضع قواهم. 

فالنظرة البعيدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه هي أنه لو أخفقت الدعوة في مكة؛ فلربما تكون الحبشة موقعاً آخر لها.  أما بالنسبة لقريش فقد عَسَّر عليهم صلى الله عليه وسلم أمرهم بجعل دعوته خارج مكة، وجعلها ذات صبغة عالمية لا قدرة لهم عليها، وذلك ما حصل فعلاً. هذا بالإضافة إلى أن مبادرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذه توحي بأن التعاون مع أهل الكتاب([4]) في أمور تخدم الإسلام والمسلمين هي من طبيعة هذا الدين.

 وهكذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم في إدارته هذه، لم يتوقف عند العادات الاجتماعية فحسب، بل تعداها للمجالات السياسية التي أحاطت به. فهل تصبح البيئة والمحيط في مَثَلِنَا هذا هما السنة، أم هو مجرد التخطيط والإدارة؟ 

فإذا ما وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم واسع الرؤية بعيد النظر ذو إدارة حكيمة، أفليس من المفروغ منه إذاً أن يكون المسلم واسع الرؤية، مبتكراً لحلول مبنية من واقع محيطه، فيها من الحكمة والعقل، ما يجلب النجاح، حتى يكون حقاً ممن يتبعون سنة نبيه؟ أَوَ ليس من الخطأ أن نرى بعض المسلمين اليوم قد أغلقوا أبواب الرؤية والانفتاح والابتكار، وقصروا الدين في أبعاد وشكليات؛ لا تتعدى في مداها، أبعاد الزمان في القرن السابع الميلادي في مجمل أحواله؟ 

حقاً؛ إن اتباع السنة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم اليوم هي الأسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم في الإدارة الحكيمة للأمور الناتجة عن المحيط الراهن للمسلم؛ مستخدماً إمكانيات عصره العلمية، والتكنولوجية، وليس إمكانيات وتكنولوجيا أو شكليات القرن السابع الميلادي، وإلا وقعنا في النكسات، وباءت أعمالنا بالفشل والتراجع كما هي عليه الآن.

إنه لَمِن المناسب جداً ـ الآن ـ تذكير القارئ بتعريف الحكمة لابن القيم الجوزية، والتي تُعَدُّ إحدى الزمر، وقاعدة من قواعد تعليم النبي صلى الله عليه وسلم والتي تقول: (فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي) ([5]). ويبدو هذا التعريف للحكمة مؤيداً تماماً لما سبق من تعليلنا في استخلاص الموضع الصحيح لسنة رسول الله (ص).

 إن من الأمور التي يتمثل بها ما ندعيه أعلاه حول الخطأ في اعتبار بعض الوسائل والعادات سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم هو مشكلة المسلمين اليوم، في تحديد وقت حلول رمضان، ونهايته، والطريقة التي اعتمدها النبي صلى الله عليه وسلم آنذاك كما سنبينه أدناه. 

تحديد بداية ونهاية الأشهر القمرية    

المثال الآخر ذو الدلالة البالغة في توضيح سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الحقيقية والتي تكمن في الطريقة والإدارة، وليس المحيط والبيئة، هو قضية تحديد شهر رمضان الذي طالما يختلف فيها المسلمون في جميع أنحاء العالم. فلو اطلعنا في الأحاديث النبوية حول هذا الموضوع لوجدنا عدة أحاديث تبين عدداً من الأساليب في تحديد التواريخ القمرية. كما إننا نجد أن موضوعية الحديث النبوي الشريف أو المجموعة من الأحاديث النبوية تعالج أساليب مختلفة في نوعية التحديد. وإننا لنجد أن جميع الأساليب والأدلة في هذه الأحاديث غير قاطعة ـ وهي ببساطة ـ إنما تعكس المعرفة المحدودة لدى المسلمين والجزيرة العربية فيما يتعلق بهذا العلم آنذاك. فمثلاً هناك مجموعة من الأحاديث تتناول عدد الأيام في الشهر القمري. بينما يتكلم غيرها من الأحاديث عن عدد الأيام في مجموعة من الأشهر القمرية. وهناك أحاديث أوضح في بيانها لبداية ونهاية شهر الصوم مشيرة للهلال، كما في “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ”([6]). وهذا الحديث يعطي اليقين الأكثر قبولاً في هذا الأمر. ويبدو أنه أفضل خيار متوفر آنذاك. 

ولكن لازالت هذه الطريقة غير قاطعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يتابع قائلاً: “”صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ؛ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ؛ فَأَكْمِلُوا ثَلاَثِينَ؛ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ؛ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا”([7]). (أي أتموه لثلاثين يوم). 

إلى جانب هذه الأحاديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيِّن حقيقة الواقع العلمي في زمنه قائلاً: “إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ”([8]). (أي في الدوائر الفلكية للوصول إلى التواريخ القمرية الدقيقة). وهذا هو في الحقيقة ترخيص للمسلمين لاستعمال العلم والحساب. والتقدير هنا أنه إن وجدت المعرفة والحساب؛ فالأجدر بالمسلمين الأخذ بهما في تحديد بداية ونهاية الأشهر القمرية.

 ويرجع عدم الجزم في هذا الموضوع ـ لحد ما ـ إلى مدى التعقيدات المتعلقة برؤية الهلال بعد ولادته. فالعلم الحديث اليوم ينص على أن ولادة القمر تَحْدُث بالضبط عندما يكون موقع القمر في خط مستقيم بين الشمس والأرض، حيث لا يمكن وجود أي انعكاس لأشعة الشمس عليه أبداً، وعندها يكون صحة تحديد ولادة القمر قريبة حتى إلى الدقيقة الواحدة بدون أي خلاف بين علماء الفلك حول ذلك. 

 كما أن العلم الحديث يبين أن العين المجردة لا تستطيع رؤية الهلال حتى يبلغ من العمر 14 إلى 24 ساعة. كما ويشير الفلكيون إلى أن هنالك صعوبات أخرى تمانع من رؤية الهلال في الفترة الأولى من عمره، منها ضيق الزمن الذي يظهر فيه، والذي يمكن ألا يتجاوز بضع دقائق، ومقدار درجة القمر فوق الأفق والمدار الذي هو فيه، وشعاع الشمس والغيوم اللذان يحولان دون رؤيته.

 ويضيف الفلكيون أن بداية شهر رمضان بطريقة مشاهدة الهلال بالعين المجردة تحتمل خطأ قد يصل مقداره إلى يومين. على سبيل المثال لنفترض أن شعاع الشمس حال دون رؤية الهلال الذي كان بالإمكان رؤيته بعد 24 ساعة من ولادته. ففي اليوم التالي وبعد مرور 24 ساعة أخرى على ولادته، قد أصبح من العمر48 ساعة؛ حينها يبدو من العمر يومين. وبينما أن الأمر طبيعي جداً؛ إلا أن عدم المعرفة العلمية للناس حول هذه الحقائق يدعو للشك بالفئة المسؤولة في تحديد رؤية القمر، ويخلق التشويش والخصام.

 وفي الحقيقة؛ فإن مثل هذا الأمر ربما حدث لبعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شَكَوْا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أن القمر قد بلغ من العمر يومين؛ فكان جوابه صلى الله عليه وسلم كما ورد عَنْ أَبِى الْبَخْتَرِىِّ قَالَ: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ – قَالَ – تَرَاءَيْنَا الْهِلاَلَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، قَالَ فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلاَلَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ أَىَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ قَالَ: فَقُلْنَا لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ فَهُوَ لِلَيْلَةِ رَأَيْتُمُوهُ»([9]).

ولم يأمرهم بدفع جزاء، أو فدية، أو صيام كفارة كبديل للأيام التي فاتت من الشهر. نقتبس من هذه القصة في شكوى الصحابة حول عمر القمر دلائل ثلاثة:

1) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن شيء أدق لتحديد شهر الصيام ولكن لم يتمكن من ذلك نتيجة عدم تطور علم الفلك في عهده.

2) انتخب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحل في رؤية الهلال؛ والذي يبدو أنه أفضل الحلول، وإن لم تكن صحته مئة بالمئة. والتقدير هنا أنه إذا كان الحل لأمر ما لصالح المسلمين فالأولى استخدامه رغم عدم كماله.

3) الأصل في الدين كله السهولة واليسر، لا التعقيد والعسر حتى في العبادات. 

وإذا ما وضعنا هذه الدلائل الثلاث مجتمعة، أفلا تدل أنه إن وجد العلم الفلكي والحسابي اللذان يؤديان إلى توحيد المسلمين، وتيسير أمورهم أن استخدام هذه العلوم للخروج من هذه الأزمة هو من روح الإسلام، أو هو الإسلام بأم عينه؟. لفهم أوسع لموضوع رؤية الهلال نرجو من القراء زيارة المواقع التالية المختصة فقط بعلم رؤيا القمر: 

http://www.moonsighting.com   

http://www.hilal-sighting.comhttp://www.ummah.net/moonsighting/.

لدى الاطلاع على الحقائق المتقدمة المتعلقة برؤية الهلال، والدقة المطلوبة، والتعقيدات في الرؤية لتحديد الأشهر القمرية، يدرك المرء تماماً لِمَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسِبُ”([10]). وأبدى بما نعتقد أنه أفضل وسيلة لديه آنذاك وهي الرؤية بالعين المجردة.

 على المسلمين اليوم أن يتذكروا أن إمكانيات وتقنيات جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تجاري إمكانيات وتقنيات القرن الحادي والعشرين. لذلك ينبغي على المسلمين اليوم الأخذ بتقنيات العالم المتقدم لإثبات بداية مواسمهم الدينية ونهايتها، عندها تذوب العداوات وانقسامات الأمة حول تحديد الأوقات القمرية.

 وإن تمكَّنت اليوم الجماعات المسلمة عبر أمريكا أن تتحد، وتتخذ العلم الحديث لتحديد توقيت الأشهر القمرية، أعتقد أنهم سيحرزون نجاحاً عظيماً، وأن العالم الاسلامي بأكمله سوف يتبعهم في هذا الطريق والذي يمثل جوهر هذا الدين. أدعو الله العلي القدير أن يلهمهم اتباع العلم الحديث في هذا الأمر. من الواضح تماماً أن مقاربة النبي صلى الله عليه وسلم كانت قائمة على اختيار أفضل الحلول المتاحة له في عصره.

      لذلك من أجل الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نقيم الحلول لأمورنا مبنية على أفضل أدوات وتقنيات عصرنا. وإن العمل والمقاربة التي تستخدم العادات المتصلة بالزمان هي العمود الفقري للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهي السنة التي أراد الله منا اتباعها. 

  للمزيد من الاطلاع على موضوع توقيت رمضان وحكمة النبي صلى الله عليه وسلم في طريقته في تناول هذه المسألة إقرأ مقالتنا: “حكمة النبي محمد البالغة بخصوص التواريخ القمرية ووحدة المسلمين”.

     كلنا أمل أن الحقائق البيِّنة المتعلقة بتطبيق السنة الحقيقية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قد فهمت، وسوف تُطَبَّق في أعمالنا؛ لننطلق جميعاً في طريق مستقيم، يصل بنا ـ حقاً ـ إلى مستقبل أفضل من الازدهار والتقدم.

 الهامش
([1]) في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/ 140): (وَلَا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ). وفي العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية (1/ 171): (وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُرْفَ وَاخْتِلَافَ الزَّمَانِ مُعْتَبَرٌ فِي تَغَيُّرِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ). وفي درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (1/ 47): (الْمَادَّةُ 39) لَا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ).

([2]) يقول الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 4، 5].

([3]) في السنن الكبرى للبيهقي، وفي ذيله الجوهر النقي لابن التركماني، (9/ 9)، 18190- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْنَا مَكَّةُ وَأُوذِىَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفُتِنُوا، وَرَأَوْا مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلاَءِ وَالْفِتْنَةِ فِى دِينِهِمْـ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَسْتَطِيعُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى مَنْعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَعَمِّهِ، لاَ يَصِلُ إِلَيْهِ شَيءٌ مِمَّا يَكْرَهُ، مَمَّا يَنَالُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ؛ فَالْحَقُوا بِبِلاَدِهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ». فَخَرَجْنَا إِلَيْهَا أَرْسَالاً، حَتَّى اجْتَمَعْنَا بِهَا، فَنَزَلْنَا ِخَيْرِ دَارٍ إِلَى خَيْرِ جَارٍ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَلَمْ نَخْشَ مِنْهُ ظُلْمًا.

([4]) يقول الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

([5]) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 449)، (فَالْحِكْمَةُ إِذًا: فِعْلُ مَا يَنْبَغِي، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي). وفي الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة، أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي (المتوفى: 521 هـ)، المحقق: محمد رضوان الداية، الناشر: دار الفكر – دمشق – سورية، الطبعة: الأولى، 1408 هـ – 1988 م، (ص: 54): (خَواص النَّفس النَّبَوِيَّة: خَواص هَذِه النَّفس الشَّرِيفَة تلقي الْوَحْي والإلهام والاتصال بِالْعقلِ الفعال وتقويم سَائِر النُّفُوس المنحرفة عَن الْحق وتسديد الْإِنْسَان حَتَّى يفعل مَا يَنْبَغِي على الْوَجْه الَّذِي يَنْبَغِي من الْوَجْه الَّذِي يَنْبَغِي من أجل مَا يَنْبَغِي فِي الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي وإكمال الْفطر النَّاقِصَة بِوَضْع السّنَن والوعظ والتذكير وَالتَّرْغِيب والترهيب والإخبار بالأشياء الَّتِي لَيست فِي قُوَّة النَّفس الفلسفية أَن تعلمهَا).

([6]) صحيح البخاري، تحقيق محمد زهير الناصر، ج4 (3/ 27)، 1909 – عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وصحيح مسلم، 2567.

([7]) المرجع نفسه.

([8]) صحيح البخاري، تحقيق محمد زهير الناصر، ج4 (3/ 28)، 1913 – عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وصحيح مسلم، 2563.

([9]) صحيح مسلم، (3/ 127)، 2581.

([10]) صحيح البخاري، تحقيق محمد زهير الناصر، ج4 (3/ 28)، 1913 – عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وصحيح مسلم، 2563.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.