من عواقب التزمت صد الناس عن الإسلام

مصافحة

 

لا أدرى ما هو المضمون في الإعلان أعلاه، غير انه رأيت فيه ما يبعثني على الكتابة لعدد من أمور مهمة في هذا المقال.

فالمصافحة بمثل هذه اللقاءات عند الغربيين هو من المراسم وليس بأخذ بعهد، وهذا أيضا ما يشير اليه الاعلان نفسه.

العادة في أمريكا عند اخذ الجنسية الامريكية ان يكون هناك حفل كبير من الناس يتراوح رواده ما بين الفين الى خمسة آلاف انسان. اما في المانيا فلا أدرى كم يمكن عدد الحضور في مثل هذه المراسيم. ولكن انا عندما أحرج واخزى هذه الألمانية المسؤولة بامتناعي عن مصافحتها، اذ تمد الى يدها لمصافحتي، وخاصة امام مثل هذه الحشود، فانا أنقص من كرامتها واستوقح مبادئها او عاداتها، وهي من تستقبلني وترحب بي للتعايش معها وفي بلدها. وإنني بعملي هذا فانا عمليا لم اسئ للمسؤولة فقط، بل لربما أدخلت الشكوك حولي وحول تقاليدي للآلاف الأخرى من المشاهدين. وبما ان خلفيتي اسلامية فان عملي هذا لم يقف عند اساءتي لها، بل امتد للإساءة الى ديني وربما احتقاره منها ومن هذه الجموع من اجل امر ثانوي. يقول الله تعالى “ولقد كرمنا بني آدم،” لكنه بتعصبه اذل السيدة الألمانية التي كانت تكرمه.

اما قضية مصافحة النساء دينيا فهي شيء ثانوي من أصله، ومختلف فيه عند أصحاب المذاهب. فكان من الممكن للطبيب ان يتفادى هذا الاحراج بعدد من الطرق. نذكر منها. إمكان الطبيب ان يصافح هذه المخلوقة بنية اتباع مذهب آخر. او ان لا تكون نيته سيئة. فان كان ضعيف الايمان وأغرته هذه المخلوقة بهذه المصافحة، فبإمكانه ان يتقدم لها بطلب الزواج منها، فمرخص له الزواج بأكثر من واحدة. وان رفضت فهناك ملايين النساء الاخر الذين يتمنون الزواج من الاطباء.

والمصافحة في الغرب بين النساء والرجال شيء طبيعي، ولا يعتبر حفز جنسي، كما يُرى في المجتمع العربي. التدبر واعمال العقل هو من غايات الإسلام. ولهذا اعطى الله تعالى الانسان الحرية الكاملة لتدبر حياته على هذا الكوكب ولم يغصبه على شيء. “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.” وابلغ من هذا فقد أعطي الانسان الحرية حتى في اعتناق الدين الذي يرغبه، “لا اكراه في الدين…”  فلهذه الالمانية الحرية الكاملة في التصرف في امورها وتعزيز قوانينها، وعليه فقبول التجنس لمن ترغب فيه ورفض التجنس لمن لا ترغب فيه. وهي بهذا لا تخالف المبادئ في كتاب الله.

لكن التحجر غالبا مايُعْمي عن الحق فلا حول ولا قوة الا بالله. فمن وراء امر مصافحة لا وزن لها ذلك الوزن في مقاييس الدين، أهنَّا من أتت ترحب بنا في بلدها، وفتحنا أبواب اللوم والضرر على ديننا الحنيف وجمال مزاياه. وهناك خسارة اخرى للإسلام مشابه للأولى لهذا التنطع والتي تكمن، ان استحوذ على الجنسية، باختلاطه بالأوربيين والفرصة لإبلاغ الإسلام وتبيين سماحته لهم. والذي يرى جليا ان التشدد والتعصب يبعد الانسان عن القواعد القرآنية ومثالية هذا الدين.

فأولا، علمنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ان لا نعبث باي فرصة لانتصار دين الله، او نقدم الربح الشخصي على حساب مربح الجماعة. فمثلا عندما قرر رسول الله ارسال جيش لتأديب قاتلي رسوله، حارث بن عمير الازدي الى مللك بصرى في تواخم الشام، نادى في المسلمين للتجمع من صباح الغد، الجمعة، خارج المدينة وانه سوف يلتحق بهم بعد صلاة الجمعة. فلما فرغ من الصلاة رأى عبد الله ابن رواحة فقال: “ما منعك ان تغدو مع اصحابك؟” قال اردت ان أصلي معك الجمعة، ثم الحق بهم. فقال رسول الله (ص): “لغدوة او روحة خير من الدنيا وما فيها، أتدرى بكم سبقك اصحابك؟” قال نعم، سبقوني اليوم بغدوتهم، فقال رسول الله (ص): “والذي نفسي بيده لقد سبقوك بأبعد مما بين المشرقين والمغربين في الفضيلة، ولو انفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت فضل غدوتهم.” مسند احمد، طبقات ابن سعد، الترمذي

ومن المعلوم ان صوت ابن رواحة في المعركة يعدل اعدادا من الرجال. فاثَرُ وجود فارس كابن رواحة في صفوف الجيش له أهمية كبيرة في رفع معنويات الرجال والانتصار في المعركة، والعكس صحيح. فما كان يطمع فيه رسول الله (ص) من عبدا الله أولا هو سهمه الجلل في النصر في المعركة، والذي هو أولى بكل المعايير، كما أوضح (ص) أعلاه، ومن الربح الشخصي في الصلاة مع النبي (ص). ونظرية النبي في هذا التدبر، هي ما يعرف بعلم الإدارة اليوم، ب “توظيف انسب العوامل لأعلى انتاج،” بشريي كان ام غير ذلك. لذلك فالشركات تقوم ببرامج تدريبية وانمائية لرفع ما يعرف “بكمية المنتوج،” وامكانية تغطيته للتكاليف والذي بدوره يقرر نجاح الشركة او اخفاقها.

وإننا لنجد ان رسول الله (ص) كان يغتنم أي فرصة لنشر الإسلام. فمثلا نراه يتهز فرص نصر الإسلام حتى ولو كانت الفرص تُعَدِلُ او تُغَيِر من شعائر الإسلام نفسه. ففي عمرة القضاء مثلا غَيَرَ رسول الله (ص) شعيرة الطواف حول الكعبة من المشي الاعتيادي سبعة اشواط الى مشى وهرولة معا، كما امر المسلمين، ان يكشفوا رداء الاحرام الأبيض عن كتفهم الأيمن، إضافة. كان عمله هذا هو ردا على ألعوبة قريش في ردع أبنائها عن الوصول للنبي والمسلمين والتعرف على مزايا الإسلام، باتهامهم بأنهم مصابون بحمى يثرب.

فقسم الهرولة التي ابتدعها رسول الله (ص) كانت عند ناحية الركن اليماني للكعبة حيث كانت قريش جالسة امام الركن لتشاهد المسلمين، واما في كشف رداء الاحرام عن الكتف الأيمن للرجال ففيه من بليغ القوة والنفسية الرياضية الكثير ما يثبت أكاذيب قريش وان المسلمون غير ضعفاء او فيهم الحمى. وهكذا اظهر رسول الله (ص) الاسلام بثوب جميل لجذب قريش، حتى مع اداء المسلمين لشعائر الله.  اليس هذا من عميق الإسلام؟

وإننا أيضا، لنرى نبينا محمد (ص) يقوم بعمل مشابه–ينهى أصحابه ان يعلنوا إيمانهم بين قريش وعند الكعبة، ويأمرهم ان يجعلوا صلات الظهر والعصر غير جهرية، لوجودهم بين قريش، ولكن بقي الجهر بالصلوات الباقية لكونها، في معظم الأوقات، تقام في البيوت بعزلة عن قريش.

ولما لهذين الامرين من عظمة واهمية في نشر الإسلام وصيانة المسلمون، حتى ولو على حساب تغيير طبيعة العبادة، فقد جُعِلوا من صميم عبادة المسلم وعلى مر العصور. فاذا صلى المرء او اعتمر فعليه الاتعاظ في الأسباب خلف تلك الهرولة والصلاة الخفية، ويعلم ان شكل العبادات ليست هي الغاية، وإنها اقل أهمية من المضمون، وانه من الممكن تحويل الأشكال لخدمة المضمون والمصلحة العامة للإسلام والمسلمين. وبهذه النتيجة فانا لا ادعوا لأي تغيير في شعائر الدين ولست اهلا لذلك.

ثانيا، نجد ان الله تعالى لم ينزل الكتاب فقط، بل انزل معه الميزان حتى تتعادل الأمور وتتم بسياق طبيعي. يقول الله تعالى:

.” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط”

فالعلم وحده، بالنظرة الإلهية، لا يكفي. مع العلم شرع الله الميزان لتصريف هذا العلم بالأسلوب السليم. وهذا يستلزم بعد النظر والخطة الحكيمة لتحقيق او الوصول الى الغاية. أيضا، هناك من الأمور ما هو مهم وما هو اهم، ومن الأمور ما هو أولى من غيره من الامور. على المسلم ان يزن الامور وان يدرس متى وأين توضع في محالِها بحيث تعطي الثمرة المرجوة، والا فسيصطدم بالإخفاق. ولقد بلغنا الله تعالى ان الحكمة هي وحدة أساسية في مدرسة النبوة، اذ يصفها الله تعالى قائلا: يعلمنهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فمن أرشد مقاما من الله ورسوله. وفقنا الله واياكم ان نكون اهلا لإرشاداته وتعاليم رسوله.

ومن الحكمة عند ابن القيم الجوزية “الاطلاع على بواطن الاشياء ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها خلقا وامرا وشرعا. وفعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي.”- مدارج السالكين.  والحمد لله رب العالمين.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.