هضم الحقوق الامنية للإنسان ظُلم

هضم حقوق البشر الامنية

الكاتب: فيصل برهان
تحرير: ايمان احمد برهان
تاريخ النشر: ٢٠١٩

حديث اليوم هو تبيان بان العنف ينافي الاصلاح وانه اعتداء على حقوق البشر في أمنها الذي هو أحد الضروريات لتأدية الأمانة التي كلف بها الانسان الا وهي اعمار الارض. لما اسكن الله تعالى الانسان الأرض وجعله خليفة له فيها وكتب عليه عبادته، فوفرَ له الأمان بتطويع السماوات والأرض لخدمته وإِنزال القرآن كتشريع إلهي لحماية الحق، والميزان كمسطره لوزن كل عمل بالنسبة لموضعه من الاعمال الأخرى والظروف المحيطة به-أهميته، اولويته، الزمان والمكان، ومدى النجاح او الإخفاق. انظر (٤٢:١٧). كل هذه المُدَبِرات تعاليم وآليات حتى يتمكن الانسان من تعمير الأرض وأداء ما وُكِلَ به. فانتزاع الأمان من اهله او تعطيله بأعمال العنف وما شابهها، بلغة القرآن الكريم، هو فساد وظلم.

ويبدو حق الانسان في الأمان جليا من خلال نقاش إبراهيم لقومه قائلا: “فأي الفريقين أحق بالأمن؟ (٦:٨٢)” وتَوَلي الخَلاق الإجابة عليه بقوله، “الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون.” (٦:٨٣) والظلم بالعرف هو “التعدي على الحق وحقوق المخلوقات او إنتقاِصها.” ثم إن الله تعالى كتب الأمان لبني قريش، على كفرهم، اذ عقدوا معاهدات الايلاف مع الروم في الشام والفرس في اليمن والقبائل العربية على طريق القوافل بين الشام واليمن. واعتبر الله تعالى هذه المعاهدات طرُقا لِإيقاف الفساد الممثل بانتِهاء العنف والخوف لحماية القوافل التجارية، وضمان لإنماء التجارة بين الأطراف المعنية، إيذانا بالاستقرار والذي ومع الامان يؤديان الى الرقي في الحياة وأداء الأمانة.

ومن ناحية أخرى فإننا نجد مواضع عدة في كتاب الله تُنبئ وتُثبت ان خلق السماوات والأرض بأجمع انما بني على مبدئ واحد وهو منهج الحق، “وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ .” (٨٥:١٥) (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.” (٤٥:٢٢) ولهذا فكل انسان مسؤول عن صون حقوق الخلائق، كما هو منذَرٌ من عواقب هضمها لما تُودي من تفسخ وكوارث وانحلال وهزيمة في المجتمع وكل هذه الشنائع من الفساد. “وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد.” (١١:٥٨)

وبالإضافة، فتقرر قصة موسى وهارون مع قومهما ان اعمال العنف في مجتمع آمن هو فساد بعينه، وان قدسية امان الامة او المجتمع او الفرد ربما تعلو قدسية العبادة نَفسَها. فقبل الخروج الى جبل الطور لِتزكية نفسه، وَكَلَ موسى أخيه هاروون على قومهما قائلا: “اخلفني في قومي وأصلح ولاتتبع سبيل المفسدين،” (٧:١٤٢) ولما عاد موسى بعد أربعين يوما ووجد قومه يعبدون العجل من دون الله، قبض بلحية اخيه وراسه قائلا، “ياهارون ما منعك اذ رايتهم ضلوا الا تَتبعنِ أفعصيت امري؟ (٢٠:٢٢) فأجاب هاروون قائلا: “يابن ام لأتأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي (٢٠:٢٣)، أي إنني خِفت ان تقول لي لِمَ لمْ تَتَبْع نَصيحتي َففَرقْت بين بني إسرائيل واتبعتَ المُفسدين. عندها أدرك موسى صحة موقف أخيه والذي يُدلي أن تفريق بني إسرائيل الى جماعات متقاتلة ولو على حساب عبادة العجل فوق عبادة الله هو فساد. ولو أصر هاروون على قومه ان يَعبدوا الله دون العجل لقتلوه، (“إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.” (٧:١٥٠) وهذا العنف في القتل ربما يؤدي الى اخْتِلافٍات ومُنازعاتٍ مُنذِرٍ بحربٍ أهلية شعواء.

بعد ذلك لجأ موسى الى السامري الذي صنع العجل وعاقبه بالانعزال عن المجتمع، لا القتل او الذبح او التفجير المتبع اليوم من قبل بعض “المسلمين.” وإننا لنجد في سورة طه انه لما سُؤل موسى الذهاب الى فرعون، والذي أصبح رمزَ الطُغاة وقِمَتُهم والذي قال “انا ربكم الأعلى،” أوحى الله تعالى الى موسى ان يقول له قولا ليناً. ليس قولا فظا، مرعبا، او استفزازيا. فمن أين جِئنا بهذه القساوة المُرهبَةَ في تَدَيُننا؟ اليس الله تعالى بالقائل: “ولقد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين؟” (٢١:٤٨) فأين من مسلمي خَرقِ الامن وسفك الدماء وزرع المُتفجرات والاغتيالات من هذا الفرقان والضياء والمراعاة؟

ولو رجَعنا الى السيرة النبوية لسيدنا محمد المصطفى، نبي الرحمة (ص)، وقصص الأنبياء جمعا في القرآن العظيم لخِبْنا في ان نَجد أحدا منهم، باي طريقة شئنا، استعمل العنف في دعوته او تبليغه الرسالة. بل ما نجده هو العكس تماما، حيث البطش دوما يصدر من الطرف المعاكس للنبوات. ولهذا نجد أن هنالك الكثير من آيات الله تُصرح بان الرسل مُبَلغون فقط.  ليسوا نفوذيين مُسيطرين، وُكَلاء، او حُفَظاءُ على الناس. “ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل.” (٦:١٠٧) “فذكر انما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر، الا من تولى وكفر، فيعذبه الله العذاب الأكبر، ان الينا ايابهم، ثم ان علينا حسابهم.” (٨٨:٢١:٢٥) فمن اعطى نفسه حَقَ الربوبية وحَاسبَ الناس وعاقَبهم على اعمالهم دون الله فهو جاهل او ذو مطامعَ سياسية، عنصرية او مذهبية او غير ذلك مما لا يَمُتُ لدين الله بشيء، لا من قريب ولا من بعيد، بل هو ظُلم واعتداءً على الخلق.

فهلْ عُرف عن نبي من الأنبياء انه استخدم عُنفا في نبوته؟ او ان النبي محمد (ص)، أكان كونُه في مكة ام المدينة، انه أَفسد مجتمعا او صنع عُنفا، او بطشا او دمارا؟ كم عُلِمْنا المدى البعيد الذي ذهب اليه النبي (ص) في إخفاءِ نيَتِهِ في جَمعِهِ الجموع لِفتح مكة لِأَلا يُذعِرَ أهلها ويَمُسُ حقوقَهم في الامن بسوء؟ الا يُوحي هذا العمل بأهمية الاستقرار ودوره في بناء المجتمعات البشرية؟ أما عُلِمْنا انه حين دخل مكة أعطى أهلها الأمان: من دخل بيتَه فهو آمن ومن دخل البيتَ الحرام فهو آمن ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن؟ اليس ذلك كله لإغلاق أي ثُغرة لقتال او ذُعرٍ او دمار؟ كم تَعَلمْنا أنه حين دخلها سِلْما قال لأهلها اذهبوا فأنتم الطُلقاء؟ كم تَعَلمنا انه (ص) بدلاً من أن يَقْتُلْ ويُشَنع بقيادة قريش، ممن عادوه لِثمانيةَ عشراً من السنين، اعطاهم من الأموال والعطايا مما لا حصر له بديلا بَيِنا عن الفتك ودب العداوة والانشقاق والهدم والخراب؟ اليس هذا البديل من الإسلام ومن نبي الإسلام؟

الم نَتَعَلم ان النبي (ص)، إذْ رأى في طريقه لفتح مكة كلبَةً مع صِغارها أمر بحارسٍ لِيَحرسَهم، والجيش بعشرة ألافِهِ ان يتحول في طريقه عنهم حتى لا يَسلُبهم حقهم في الامن المُهْدى إليهم من الله تعالى؟ اليس حقا نبيُ رحْمةٍ من لم يُنهِهِ عَظَمةُ الخطب في اقدامه لفتح مكة وخطورة حربٍ مقبلة ان يَتَخطى حق الامن عن ثَمَةَ كَلبَةٍ وصِغارها، مما لا يمثلون شيء في موازين الساعة؟ أليسَ هذا درسٌ يوحيٍ بأهمية صيانة الحقوق ليس فقط للمجتمعات البشرية بل لكل مخلوقات الله ومهما كان عِظَمُ الامر او حقارته؟ أهو عبادة عجل من دون الله أم حيوان لا قيمة ولا وزنَ له في مقياس البناء والتطور؟  اليسَ حقا نبيُ صِيانَة الحقِ والسلام من عَقدَ العديد من عُقود الصُلح مع القبائل العربية في شتى انحاء الجزيرة العربية، أشهرها عقدُ الحُديبية، بدلا من الحروب وسفك الدماء وتخريب الديار والحرث والنسل؟ أليست عقود المصالحة هذه من خصائل الإسلام إن لم تكن من صميمه؟ الم نقرا مرارا، “لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟” (٣٣:٢١) العجبَ، العجبْ، أهل أنْزِلت هذه الآية لغير المسلمين من الامم؟

نقطتين اخيرتين: الأولى هي للإشارة بان العنف والقتال، كما عَلمَنا علماؤنا، مشروع بالإسلام ضمن شروط معينه كرفع الظلم والخطر الخارجي والدفاع عن النفس الى غير ذلك مما يَرى الحاكم ضروريته، وليس عامة الناس. والنقطة الثانية هي ان احصائيات الحروب الاهلية تدلي ان كل جندي يموت في المعركة، يموت مقابله ثلاثة ضحايا مدنية تأثرا اما بالجوع، عدمية المأوى، نقص المواد الطبية او المساعدات للمسنين والاطفال او المرضى الى غير ذلك من الحاجات الأساسية لبقاء الانسان على قيد الحياة. ومن الاحصائيات ايضا ان ٧٥٪ من الثورات في العالم كانت ثورات سلمية لا عُنفيه. افلا نجعل لِثَمَة احصائياتٍ مَنزلة في تَدَبُرِ امورنا؟

 انني اسال كل من هو مُلِمٌ بالإنجليزية ان يقرا المقال بعنوان: هضم الحقوق الأمنية المهداة من الله تعالى. 

The Shatter of God-Given Rights to Safety Security and Peace

والذي يتناول الموضوع أعلاه بتفاصيل ومعلومات موسَعَة وموثَقة من كل اطرافه. واني لأسال الله العظيم ان يُعلمنا جوهرِ ديننا ويجعلنَا نسيرُ على نهج ابراهيم ومحمد وموسى وهارون، صلوات الله عليهم اجمعين، ويغفر لنا زلاتنا، ويرحم ضَعْفَنا، ويُؤامنا في اوطاننا، آمين.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.