هل قضى القرآن وانتهى فهمه وتوقف عند ابن تيمية أو عند السلف الصالح والتابعين أو حتى عند الصحابة؟ لا لم ينتهي بل واجب كل مسلم أن يفهم القرآن ويؤدي معانيه. وليحذر من أن يلعب أحد برأسه فَيَسلبه إرادته في التفكير بحجة أن فهم الأقدمين الأقرب زمانا وما علينا إلا اتباعهم. يقول الله تعالى: ﴿وَإِذا قيلَ لَهُم تَعالَوا إِلى ما أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسولِ قالوا حَسبُنا ما وَجَدنا عَلَيهِ آباءَنا أَوَلَو كانَ آباؤُهُم لا يَعلَمونَ شَيئًا وَلا يَهتَدونَ﴾ [المائدة: ١٠٤]
لقد أعطى الإسلام للإنسان حرية التفكير وجمال الإبداع من خلال الأمر بالتدبر والتفكر، وإعمال العقل بما يحقق الخير للعباد والصلاح للبلاد. انظر للفيديو المصاحب لهذا المقال. الأمر وخطورته دفعتني لهذه الكتابة.
عُلمنا منذ الصِغر أن نُقدس السلف لكونهم أقرب الأجيال لنشأة دين الله. وعليه فكأن الاجيال اللاحقة لا خير فيها الا القليل، بل يجب اتباع أفكار السلف وتعطيل العقل في كل جديد لنكون المسلمين المثاليين. لا شك في قدسية كثير من علماء الأمة الإسلامية من الصحابة َالتابعين وتابعيهم. ولا شك بأن كثيرا مما فهموه من النصوص الشرعية معتبر ومحل اهتمام، غير أن ثقافة عصرهم محدودة بالنظر إلى الوسائل المتاحة اليوم؛ وبالتالي فتفسيرهم للنص لا يأتي إلا مطابقا لمفاهيمهم حسب البيئة العلمية التي عاصروها.
في كثير من الحالات، إن خرج مفكر معاصر أو باحث إسلامي بفكرة عصرية جديدة أو ما لا يتناغم مع رأي الأولين يُعتَبر هذا العمل أو الفكرة مَكْرٌ وتآمر على الإسلام. كنتيجة أولية لهذا التأسيس أصبح العلم الإسلامي اجتراري (يكرر المعلومة)؛ في تغيير ألفاظ الكلام في أقل التقادير. وربما من هنا نشأت إحدى زلات المسلمين وإخفاقاتهم، ليس فقط (في مكانك راوح)، بل طريق بامتياز لتطوير الروائيات للسلف والتي أَدخَلت في الدين ما ليس منه وفيه من قوانين واصطلاحات ما يصعب حصره، بعيدا عن جوهر القرآن.
انظر مثلا الآلاف المؤلفة من الفتاوى، كالفتاوى الكبرى لابن تيمية. فبالرغم من صريح القرآن في تحريم قتل النفس، نجد في التراث الروائي الكثير من الفتاوى في قتل النفس ولأوهن الأسباب. وعلى إثر هذه الفتاوى رُفِعَ الأمن، وقَتَل المسلم أخاه المسلم، وأُُجِجت الحروب بين فئات المسلمين، كما فعل محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، وكما فعل (الموحدين) في شمال افريقيا. كلا الفريقين اتهم سواد المسلمين بالشرك، واستحلوا أمنهم ودمائهم.
مع أن الدين كله وكما جاء في القرآن الكريم لم يأت لزمان واحد وارض واحدة. بل جاء لكل زمان وكل مكان. ولا يمكن لفتاوى أُعطت منذ ألف عام وكانت مناسبة للطبيعة الاجتماعية والسياسية عندئذ، أن تصلح لعادات وتقاليد المجتمعات البشرية في القرن الواحد والعشرين. ليس فقط في بعد القرون من الزمن، بل إن التكنولوجيا وسرعة الانترنت وسهولة المواصلات اليوم جعل العلوم البشرية تتضاعف كل بضع ساعات. فكيف لقرآن صالح إلى يوم الساعة أن لا يتفاعل مع الألوف من العلوم والمفاهيم المتجددة والعادات والتقاليد الحديثة لمجتمعات عالمنا الحديث؟ وكيف لهذا التفاعل ان يتم بدون باحثين وعلماء وخبراء من غير عالم اليوم؟
إن أعطَى القرآن الكريم الحق لعلماء القرون السابقة وعلمائَها في تفسير القرآن والسنة وإصدار الأحكام والفتاوى، فهل يمنع الحق ذاته لعلماء المسلمين اليوم والباحثين العصريين؟ بل هم الأحق في تبيين معالم القرآن والسنة بما يناسب يومنا هذا.
والقاعدة التي ينبغي أن يتم العمل بمقتضاها: أن ما يطابق القرآن وصحيح سنة النبي عليه السلام يؤخذ، وغير ذلك يرد، فلا أحد يملك بيان الدين بنفسه لِيَفرضه على الآخرين. ولا يحق لجماعة مهنا كانت أن تتشدق بأنها تملك دين الله، تُكَفِّر وتُعاقب وتَقتل وكأنها هي الذي أنزله، أسأل الله المغفرة.
القرآن لم يتوقف عند السلف، بل هو قائم بهدي الأمم والأجيال عبر القرون إلى يوم القيامة.
أسأل الله تعالى لي ولكم الهدى والتوفيق
للاتطلاع أوسع في هذا الموضوع، الرجاء انظر في صفحتنا دراسات-في-تاريخ-الفكر-الروائي-الاسلام