السابقون الأولون من المُهاجِرين والانصار وعدهم الله – تبارك وتعالى – وعداً عظيماً مُبارَكاً طائلاً وتوَّجهم وحلَّاهم بأعظم حلية وقلَّدهم أرفع النياشين والأوسمة، رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۩، وحقاً هذا هو الفوز العظيم، أما الذين عقَّبوهم وأتوا من بعدهم – ليسوا من السابقين الأولين من المُهاجِرين والأنصار وإنما من الذين عقَّبوهم وأتوا من بعدهم – سماهم القرآن الكريم التابعين، فهؤلاء هم التابعون، ليسوا التابعين بالاصطلاح العلمي الذين لم يروا الرسول وإنما رآوا الصحابة، كلا هؤلاء أيضاً رآوا الرسول ولكنهم ليسوا من السابقين الأولين من المُهاجِرين والأنصار وإنما أتوا من بعدهم وفي أرجح الأقوال أنهم هم الذين أتوا بعد الحديبية، فكل مَن أسلم بعد الحديبية هو من التابعين، لماذا؟ لما صح عنه وثبت عليه الصلاة وأفضل السلام أنه لا هجرة بعد الفتح، فإذن انقطعت الهجرة – وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ۩– لأنها انتهت الآن، وأما الأنصار فهم أهل المدينة، فمَن الذين سبقوا منهم لأن القرآن يتحدَّث عن السابقين أيضاً منهم؟
أما مَن جاءوا من بعد الحديبية فهؤلاء ليسوا من السابقين من المُهاجِرين والأنصار إنما هم من التابعين بنص كتاب الله تبارك وتعالى، وهذا هو أرجح أقوال أهلم العلم والتفسير في حدِ ما بين هؤلاء وهؤلاء، لأن الأرجح أن المُراد بالفتح ليس فتح مكة إنما فتح الحديبية كما في حديث البراء بن عازب في صحيح البخاري وهذا أقوى أقوال أهل التفسير كما قال أئمة التفسير أنفسهم، رحم الله الجميع. التابعون قيَّد الله – تبارك وتعالى – الوعد في حقهم، يُمكِن أن يكون المرء من التابعين مِمَن رأى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – ولكن لكي يكون مشمولاً بهذا الوعد الإلهي العظيم الباذخ لابد أن يكون من التابعين بإحسان، هذا الشرط لم يذكره الله في حق السابقين الأولين من المُهاجِرين والأنصار، لماذا؟ شفع لهم سبقهم بالإسلام والإيمان والهجرة والنُصرة والإيواء إلا ما استُثنيَ من المُنافِقين، فعبد الله بن أُبي من رؤوس المُنافِقين وشهد الحديبية وشهد بعض المشاهد قبلها ولكن هذا مُستثنىً والعياذ بالله – تبارك وتعالى – من حاله وحال أمثاله، أما الذين أتوا بالأثر أو أتوا على الأثر لا يكون أحدهم مشمولاً بالوعد الإلهي حتى يكون مُتبِعاً بإحسان، ومن مُقتضيات هذا الإحسان أن يُحسِّن الظن ويُعظِّم الولاء والحب لإخوانه الذين سبقوه بالإيمان كما في سورة الحشر حيث تحدَّث الله عن المُهاجِرين وتحدَّث الله في الحشر عن الذين آووا وآثروا على أنفسهم وبهم الخصاصة ثم تحدَّث عن التابعين والذين جاءوا من بعدهم هم هؤلاء التابعون منهم مَن اتبع بإحسان ومنهم مَن لم يُحسِن الاتباع مِمَن أساء الظن بالأولين وعدى عليهم وظلمهم وسبهم ولعنهم وتنكَّر لهم، فهذا من التابعين ورأى الرسول ولكن لن ينفعه ذلكم شيئاً لأنه لم يتبع بإحسان ولم يُحسِن إلى مَن سبقه بالإيمان، هذا هو المنطق القرآني. للمتابعة اضغطهنا،