ذكرُ اللهِ أحد أُسُسْ الإسلام
الكاتب: فيصل برهان
تحرير: ايمان احمد برهان
تاريخ النشر: ٢٠١٩
ذكرالله واحد من حيويات الإسلام. فتَصَفُحٌ عابر للذكر الحكيم يُبدي للإنسان بمحبوبيه الله تعالى لذكرهِ الذكرَ الكثير والذي ربما يفوق مكانة على الصلاة. “اقم الصلاة لذكري،” كما جاء في سورة طه. “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر،” وفي تقويم النفس واقبالها الى الله تعالى، كما جاء في العنكبوت.
ومما يوجب الاهتمام أن كلمة الذكر ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم ٢٦٨ مره منها ١٥٤ بمعنى ذكر الله، بينما كلمة الصلاة وردت ٦٢ مره. أضف إلى دلالات الحث على ذكر الله آيات التأمل في الملكوت وما شابههم من الآيات كخلق الانسان وغيره من المخلوقات التي تحض الانسان للتعمق بدلائل قدرته وعظمته سبحانه وتعالى. إن دل هذا التعداد وتنوعه على شيء فأقله المحورية البالغة لذكر الله في الإسلام ودوره الأكبر في صياغة بني ادم للتَمَثُل بصفات الله والاقتراب منه روحيا ولتفعيل صالح الأعمال.
فذكر الله تعالى والتأمل في آياته يُسهم في تزكية النفوس ويقربها من الله تعالى ويبعدها عن الفواحش والمعصية، كما يجعل الانسان أدنى لمراقبة الخالق من جهة ومحاسبة نفسه وبما تحدثه من سوء من جهة أخرى، فبذلك َيَصِلُ الى درجة الصلاح. ولهذا فقد اقسم الله تعالى القسم العظيم أنه ” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. (٩١:٩)” ولما كان القلب النقطة الأساسية لكل عمل، “يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم، (٢٦:٨٨)” فتنوير القلب بذكر الله والإيمان أولى حتى تسري التقوى وخشية الله الى الجوارح فتلحَظَ اللهَ تعالى في كل خلجه وحَركة وفعل.
يحدثنا العلماء ان القلب السليم هو القلب النَقِيَ الصافي من الآثام والاحقاد والذي بذكر الله تعالى يجد لذة الايمان—”الا بذكر الله تطمئن القلوب. (١٣:٢٨)” يقول سفيان الثوري رحمه الله: ما تمتع متمتع بأجمل من ذكر الله تعالى. كما يحدثنا رسول الله (ص) عن لسان ربه: “انا جليس من ذكرني،” وعليه فلا يدخل الله تعالى في قلب عبد يعصيه. كما حدث الشيخ احمد كفتارو رحمه الله قائلا: “الايمان الحقيقي هو الذي وقر في القلب وصدقه العمل والذي لا يجتمع معه معصية.” الا ان في القلب مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، الا وهي القلب.”- متفق عليه. سال رجل الحسن البصري قائلا اوصني. فأجاب “طهر قلبك لله فإنما حاجة الله لعباده انما هي قلوبهم.” وأنى للقلوب ان تخشع وهي عاصية، ظَالمة، ومُظلمة؟. ولهذا دعانا سبحانه لنطهر أنفسنا تطهيرا حقيقيا، غير مفتعل، قائلا، “وذروا ظاهر الاثم وباطنه. (٦:١٢٠)” أي ما رُئيَ منه وما كَمُنَ في الجوف، فهو سبحانه “يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور. (٤٠:١٩)”
ويهدينا رسول الله (ص) الى احدى الطرق لإجلاء القلوب قائلا عن لسان ربه: “عبدي طهرت منظر العباد (أي جَمَّلتَ نفسك من اجل العباد) سنين افلا طهرت منظري (أي خَليتَ وجملت قلبك لي) ساعة؟ فان أردنا اصلاح الظاهر فعلينا تقويم الباطن أولا. فكل ما رُئي وظَهر انما هو دليل على ما خُفِيَ وبَطْنْ. فلنسرع الى ما يرضي الله تعالى بالابتعاد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن والتبتل اليه والتوبة والصلاح بالخشوع والبكاء—وكلها صفات تنبع من القلب.
لا تعلو منزلة عند الله تعالى فوق منزلةِ ذاكر الله والمتقربِ اليه كما يدلنا رسول الله (ص) بهذا قائلا: “سبق المفردون، قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات.”- ابن ماجه. وفي الحديث المرفوع عنه (ص) ايضا أَنَّ رَجُلا سَأَلَه فَقَال: “أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا، قَالَ فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ الصَّلاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَالْحَجَّ، وَالصَّدَقَةَ، كُلَّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ.” صدق رسول الله.
ونَتعلمْ من مربي القلوب ان الاساس في ذكر الله ليس العلم فقط بصفات الله: عليم، حي، قدير، رحيم، غفور، شكور…بل المهم هو ان نجدَ الله، وان نشعر بالله وكأننا نراه، كما يُخبرنا رسول الله في حديث الاحسان، “ان تعبد الله كأنك تراه (مقام المشاهدة، كما عرفه المتصوفة)، فان لم تكن تراه فانه يراك، (مقام المراقبة)” فهل نحن مع الله في تصرفاتنا وعباداتنا كما كأنه يرانا؟ اهل نراقبه في كل خلجاتنا وحواسنا، بعيدين عن عبادة الكلام والشقشقة، والمراءاة والمظاهر والطقوس كما يريد رسول الله (ص)؟
“يابن ادم اطلبني تجدني،” يبلغ رسول الله (ص) عن ربه، وهو القائل عنه ايضا: “أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه، وإن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هروله.”- البخاري. كل هذا فضل من الله علينا للمسارعة الى ذكره مهما كانت الظروف، ولنستحضر دوما ان الله تعالى هو القائل “ان الله يحي الأرض بعد موتها، (٥٧:١٧)” فلنسأله، ضارعين وبكل عزم، ان يرفع السقم من قلوبنا ويجليها من ذنوبها، يدخلنا في رحمته ويحييها بحبه وانواره كما احيا قلوب الصالحين والمقربين.
ولما كان ذكر الله تعالى بالغ في مكانته، جعله تعالى مطلقا في صياغته. ولربما جاءت حكمة الله تعالى في اطلاقه هذا لتشمل هذه الهبة الكبرى كل الخلائق فلا يُحرَم مخلوق منها مهما كانت هوايته وطريقة عيشه. فالسماوات والأرض تبجله وتحمده بطريقتها، والطير بتغريده وألحانه، وعالم الفيزياء ربما يجد الله في نظريته الفيزيائية او طبيعة عمله، والشاعر بشعره، ولربما تَوَلَعَ راعي الشاة والماعز بحب الله في شاته ومزماره، والهاوي لشيء ما في هوايته مادامت هوايته وذكر الله بها يليق بالخالق ولا يتعدى حدوده، فالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا، كما جاء في الأعراف، ايه ٥٨.
“يا أيها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا، (٣٣:٤٢)” فما بهاء وحُلِيْ شروق الشمس وغروبها الا خصلتين من جمال الله سبحانه، وما الخنس، والجواري الكنس، ورفع السماوات بغير عمد الا قطرات كونية تتجلى منها عظمة خالقها. وماهي أيضا الا بلاغا لنا للتَبَحُرِ في معالمها ولاستنباط طبيعة نظامها لاستخدامه في تَحَضُرِنا، فهي حقا لم تُخْلق عبثا. التأمل والتفكر في آيات الله ما هو الا مفاتيح اكتشافِ معالمها لخدمة الانسان وبناء الارض. “ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار. (٣:١٩٠)”
اللهم اهدنا لأقرب من هذا رشدا واجعلنا ممن عرفوا الله واتصلوا به قلبا وروحا وحِلما. اللهم اجعلنا من ذوي القلوب السليمة التي تتمتع بجمالك وجلالك واجعلنا ممن يتبع نهجك ومسلك نبيك المصطفى، بعيدا عن عبادة الهوى، فإانه، “ومن اعرض عن ذكري (منهجي) فان له معيشة ضنكا (نَكِدَه)، (٢٠:١٢٤)” آمين والحمد لله رب العالمين.
Recommended Posts
هضم الحقوق الأمنية للإنسان ظلم وفساد
September 8, 2024
هضم الحقوق الأمنية للإنسان ظلم وفساد
February 19, 2022
قراءة في الإعلام ودوره في بناء الفكر الإنساني
February 4, 2022