نشأة الإنقسام السني الشيعي

بقلم فيصل برهان
تاريخ النشر: 2018

الخلاصة
يُنظر على نطاق واسع إلى خلافة الإمام علي بن أبي طالب (ع) للنبي محمد صلى الله عليه وسلم على أنها سبب الانقسام السني الشيعي. ومع ذلك، فإن السبب الحقيقي للانقسام ليس الخلافة مباشرة. ثانياً، يبدو أن العنصر الأكثر مسؤولية في الانقسام بين السنة والشيعة هو الرغبة الحادة في الحكم والثراء.

لكنه يمكننا القول أن خلافة المسلمين للنبي محمد (632 م) هو خيط من خيوط الانقسام بين السنة والشيعة. ومع ذلك، لم يكن هذا هو السبب المباشر. بل تَوَطَّدَ الاختلاف بعد مذبحة خمسة وسبعين من أحفاد النبي محمد وأنصارهم في كربلاء بالعراق عام 680 م. هزت هذه المذبحة العالم الإسلامي، وخلقت بصمة مؤلمة للسنة والشيعة سواء.

والواقع أن مذبحة كربلاء بلورت التشيع، وهي الجماعة التي دعمت ترقية الإمام علي إلى إمامة المسلمين في اول الامر. كان منظم وشريك مذبحة كربلاء هو يزيد الأول (680-683 م) ابن معاوية بن أبي سفيان (661-680 م) الأموي. كان يزيد الأول فاسدًا. كان الأب (أبو سفيان) والابن (معاوية) من نخب مكة وقادتها القرشيين. حارب أبو سفيان وابنه معاوية النبي محمد والمسلمين لمدة واحد وعشرين عامًا. ومع ذلك، بعد فتح مكة عام 629 م، قبلا الإسلام، وأعطى النبي العفو لجميع المكيين.

وعلى مدى 300 سنة بعد مذبحة كربلاء، تعمق الانقسام السني الشيعي، وأصبح التراث الاسلامي حول هذا الامر الشيعي السني فاسد بشكل صارخ. ومع ذلك، على الرغم من الاختلافات الفقهية، فإن أصول العقيدة الإسلامية واحدة عند السنة والشيعة. انظر ”نظرة المسلمين“ أدناه.

المناقشة
كان علي بن أبي طالب من بين الأشخاص القلائل الجديرين بالقيادة الروحية والدينية للمسلمين بعد وفاة النبي محمد عام 632 م. عاش علي مع محمد تسعًا وعشرين سنة. ثماني سنوات قبل البعثة وإحدى وعشرين سنة بعد البعثة. تزوج علي من ابنة النبي محمد فاطمة. وكان مسكنهما ملصق ببين النبوة. ويبدو ان عليا كان المساعد الأول للنبي صلى الله عليه وسلم مما مكنه من اكتساب الكثير من العلم الخبرة. هذه الصفات اهلت عليً للخلافة. https://www.almaaref.org/maarefdetails.php?id=9886

ومع ذلك، لم يصبح علي خليفة إلا في فترة الخلافة الرابعة 654-661 م. ومع ذلك، لم يتمرد على الخلفاء السابقين بل بايعهم وتولى المناصب في عهودهم. ولم تظهر أي علامة أو مظهر من مظاهر الخلاف بين السنة والشيعة على الرغم من الخيبات السابقة في الانتخابات حتى بويع الإمام علي بالخلافة – أي بعد 26 سنة تقريبًا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

بدأ الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة عندما رفض معاوية بن أبي سفيان، والي دمشق آنذاك، الذي عينه الخليفة عمر في وقت سابق، مبايعة الخليفة الرابع المنتخب علي بن أبي طالب. شجع معاوية المزيد من الثورات ضد الخلافة. وادعى أن عليًا لم ينتقم لاغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان فاتى بجيش من اهل الشام لقتال علي بن ابي طالب. التقى الجمعان في منطقة صفين وانتهت المعركة عن سبعين الف قتيل من الصحابة والتابعين. أدى احتيال وتمرد معاوية إلى تتويجه كأول خليفة أموي (661-680 م). وقد قال العلماء إن ”إفساد الأمة“ كان الثمن الباهظ الذي دفعته مقابل تتويج معاوية – خدع وانقسامات وإزهاق للأرواح ومؤامرات واغتيالات.

لم يكن ادعاء معاوية بالثأر إلا خدعة منه ليصل الى السلطة. وحتى هذا التاريخ، يشكك العديد من العلماء والمؤرخين في نية معاوية الحقيقية في العصيان والتمرد. يعتقد جمال البنا، وهو عالم معاصر والشقيق الأصغر لحسن البنا مؤسس حزب الإخوان المسلمين، أن هدف معاوية كان الاستيلاء على السلطة والزعامة واستعادة المنصب الذي كان يشغله في مكة أثناء معارضته للنبي محمد أثناء ظهور الإسلام.

حتى عندما أصبح خليفة (661-680 م)، وفقًا للدكتور عدنان إبراهيم من فيينا بالنمسا، لم ينتقم معاوية من القتلة وعين في النهاية ابنه يزيد الأول خليفةً بعده. وقد أدى هذا التعيين إلى مزيد من التدهور في الأمة المتهاوية، لأنه بدأ نظامًا ملكيًا بعيدًا عن النظام الديمقراطي ( الشورى والانتخاب) الذي وضعه الخلفاء الأربعة السابقون.

ومنذ العصر الأموي حتى الان، استمرت الأنظمة الملكية في الحكم فيما يعرف بالشرق الأوسط وأثرت تأثيراً عميقاً في الفقه والمذهبية والبعد عن كتاب الله، مما أدى إلى استمرار الخلاف وتعمق العداوة والبغضاء. يقول الله تعالى:

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا (بقراءة اخرى، فارقوا) دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.” الروم 31-32″


ويؤكد المؤرخون والعلماء التقليديون والمحدثون على السواء أن أفعال معاوية كانت من أهم عناصر انحطاط المسلمين. وما الدكتور أحمد كفتارو، مفتي سوريا الراحل، والدكتور أحمد الكبيسي، والدكتور عدنان إبراهيم، وجمال البنا إلا قلة من هؤلاد العلماء. قال جمال البنا: ”لقد عانى العالم الإسلامي خلال الـ 1400 سنة الماضية من آلام ترجع في مجموعها إلى الحكم الملكي الجائر الذي بدأه معاوية“.

وذكر الدكتور الكبيسي أن سقوط المسلمين بدأ بمعاوية. وقال ”لا ينبغي أن يكون معاوية صحابيًّا صالحًا للنبي–صلى الله عليهوسلم– لأن الله تعالى قال في القرآن: “لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُهَاجِرِينَ (وهم المسلمون المكيون الأوائل الذين هاجروا إلى المدينة) وَالْأَنْصَارِ (وهم المسلمون المدنيون الذين استقبلوا المهاجرين المكيين ورحبوا بهم) وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ.“ قرآن 9: 100 قال الدكتور الكبيسي:

لَيْسَ مُعَاوِيَةُ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَلَا اتَّبَعَ سُنَّتَهُمْ فِي ”الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ“.

وقال الدكتور أحمد كفتارو:

لو أن الأمويين اتبعوا منهج الصحابة لكان الإسلام والمسلمون أفضل حالاً على الساحة العالمية“.

قضية الثأر لعثمان
قال الدكتور إبراهيم: إن مسألة ”الثأر لعثمان“ كانت راجعة إلى آل عثمان. ولكن حتى هم لم ينتقموا لأن هوية القتلة لم يتم إثباتها أبدًا. فبينما كان المتمردون يهاجمون حراس عثمان المتطوعين، كشفت الأحداث الواقعية أن بعضهم أصيبوا بجروح، وأثناء إسعاف الجرحى، دخل المتمردون إلى منزل عثمان من جهة مجاورة فقتلوه وفروا من المكان قبل أن يتمكن أحد من التعرف عليهم. وقد ذكر الدكتور إبراهيم أنه ”لم يكن هناك قاتل (أو قتلة) محددون“، ولذلك لم تُرفع دعوى قضائية أمام المحكمة. فواقع الحال أن تمرد معاوية يشير إلى مكاسب أخرى كالنفوذ والتسلط.

الشراهة للسلطة والسيطرة
وبالمثل، طرح الدكتور خالد أبو الفضل من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس سؤالاً واف لموضوع “نشوء الانقسام السني الشيعي: “ما العمل حيال الشراهة للتسلط ولو ادى الى الفساد والجور؟ “ هل يمكن أن تكون شراهة معاوية للسيطرة والتسلط عنصراً أساسياً في مفهوم الانقسام السني الشيعي؟ قد يوفر السرد التالي للأحداث التاريخية منذ وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مزيدًا من الإجابات عن هذا السؤال.

التسلسل الزمني للنشأة السنية الشيعية

أولاً- الأنشطة التي أعقبت وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
يتفق معظم المؤرخين على أنه بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأثناء موكب تجهيز الجنازة والدفن، بدأ الأنصار (المسلمون المدنيون) اجتماعًا سياسيًا لاختيار الخليفة من بينهم.

وقد اعتبر أبو عبيدة بن الجراح، وهو من أوائل الصحابة المكيين من أصحاب النبي، أن هذا الاجتماع كان يهدف إلى تفريق الأمة الإسلامية. وقد اقتنع الأنصار مع عمر بن الخطاب وأبي بكر بعدم تفريق الأمة إلى كيانات سياسية. رُشح أبو بكر، وهو من أوائل الرجال الذين دخلوا الإسلام، وانتخب أول خليفة (632-634 م). ومن المعتقد أن علي بن أبي طالب لم يحضر هذا الاجتماع لانشغاله بموكب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول الدكتور أبو الفضل: ”إن التشيع لم يظهر لأن الإمام علياً ادعى منصب الخلافة ولم ياخذها“. وقد طلب عدد من الصحابة من الإمام علي أن يطلب منصب الخلافة، ولكنه لم يفعل وبنفس الوقت لم ترق له عملية تعيين أبي بكر للخلافة.

ومع ذلك، لم يتمرد عليه. ولم يرتب أية معارضة سواء بالقول أو الفعل. بل على العكس، فقد شارك في حكومة أبي بكر وايضا الخليفتين من بعده. ولا توجد روايات تاريخية تشير إلى أن علياً أبدى أي معارضة. كما لم يرد أي استنكار لقول أو فعل ضد علي رضي الله عنه. ويرى الدكتور أبو الفضل أن ”القول بأن الإمام علياً كان يبغي أن يكون الخليفة الأول، هو من باب المرويات أكثر منه من باب التاريخ“. انظر، https://www.youtube.com/watch?v=PtD7IspRy-g

بالنسبة لتسلسل الخلفاء الراشدين، أصبح عمر بن الخطاب الخليفة الثاني (634-644 م). توسعت الخلافة في عهد عمر إلى مصر والشام الكبرى وفارس. وقبل وفاته، عيّن عمر ستة أشخاص في مجلس شورى المنتخبين (مجلس الشورى) لترشيح وانتخاب الخليفة التالي. عيّن مجلس الشورى عثمان بن عفان الخليفة الثالث.

ثانيا- التدهور السياسي في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
شهدت فترة حكم عثمان بن عفان 644-656 م استقرارًا ونجاحًا في بداية عهده ولكنها تدهورت فيما بعد وانتهت باغتياله. ومن بين الأمور التي اتهم فيها المغتالون عثمان هي تعيين أفراد من قرابته في مناصب الولاة المهمة في الأرض المفتوحة. وكان مروان بن الحكم، قريب عثمان من الأمويين ومساعده. مروان بن الحكم أثر بشكل كبير على سياسة الخليفة البالغ من العمر ثلاثة وثمانين عامًا. وسارت مظاهرات كبيرة من مصر والعراق إلى المدينة المنورة تطالب عثمان بالتنحي. غير أن عثمان لم يستقيل. بل أحاط المتظاهرون الذين تحولوا إلى مثيري شغب، بدار الخليفة واقتحموها وقتلوا الخليفة. زعزعت هذه الضجة استقرار الخلافة ووحدة المسلمين. لعب الإمام علي وولداه الحسن والحسين أدوارًا مهمة في المفاوضات بين الثوار وعثمان وفي حماية الخليفة. (https://en.wikipedia.org/wiki/Siege_of_Uthman)

الإمام علي بن أبي طالب أصبح رابع الخلفاء الراشدين
أصبح الإمام علي الخليفة الرابع على مضض (656-661 م). يوضح الدكتور أبو الفضل: “في البداية، رفض الإمام علي ترشيحه للخلافة. فقد كان متاثرا من اغتيال عثمان، ولم يرغب في الظهور بمظهر المستفيد من الموقف. غير أن أنصاره طلحة والزبير، وهما عضوا مجلس الشورى السابقان، أشارا عليه أخيراً بأن يكون هو الخليفة لأنه هو وحده الذي يملك السلطة التي تحول دون تفكك الخلافة”.

قبل الإمام علي بمسؤولية الخليفة لتصحيح الوضع لما فيه مصلحة الأمة الإسلامية. إلا أن حجم الفوضى والطمع في الاستيلاء على السلطة من قبل معاوية استمر وأثار مزيدًا من الاضطراب.

ثالثًا- تمرد معاوية واغتيال علي
في عهد عمر بن الخطاب، عام 639م عُيّن معاوية بن أبي سفيان واليًا على دمشق في سوريا. كان معاوية ابن أبي سفيان زعيم قريش البارز وأحد أقارب عثمان بن عفان. كان كل من الأب والابن من رجال السلطة في مكة، وقد اضطهدا النبي والمسلمين قرابة إحدى وعشرين سنة. ثم أسلم كل من الأب والابن بعد فتح مكة عام 629م. عندها أعطى النبي العفو لجميع المكيين. وبعد العفو، وُصف الذين أسلموا بعد ذلك بالطلقاء، أي المعفو عنهم، مثل أبي سفيان وابنه معاوية.

رفض معاوية الولاء للإمام علي كخليفة جديد، واتهمه بعدم الثأر لاغتيال عثمان. ولم تثمر سلسلة من الرسائل المتبادلة بين علي ومعاوية بهدف الصلح قبل مواجهة صفين العنيفة. فقد أمر الأخير رجال الدين بلعن الإمام علي في صلاة الجماعة يوم الجمعة. أعد كل من الطرفين جيشًا للقتال في معركة صفين (657 م). وعلى الرغم من أن على كان في الجانب المنتصر، إلا أن الإمام علي وافق على التفاوض مع معاوية لوقف إراقة الدماء. لم يوافق أنصار علي (الخوارج) على خياره في التفاوض. فتآمروا على اغتيال كل من معاوية وعلي. فقتلوا عليًا بالفعل (661 م)، لكن معاوية لم يصب سوى بجراح ثم تعافى من جراحه فيما بعد.

رابعا- الإمام الحسن يصبح الخليفة الخامس
أصبح الحسن بن علي الخليفة التالي بعد مقتل أبيه. وقد رشحه جميع المسلمين ما عدا معاوية. وبدلًا من الخلاف مع معاوية، سار الإمام الحسن على خطى أبيه واختار أن يحقن دماء المسلمين ويحفظ وحدتهم. وقد تم توثيق شروطه للتسوية مع معاوية في اتفاق يقضي ب 1) أن يتنازل الحسن لمعاوية، ويصبح الأخير هو الخليفة، 2) أن يكون الإمام الحسن هو الخليفة بعد وفاة معاوية، أو أن تختار الأمة الخليفة الذي يليه، 3) أن يتوقف لعن الإمام علي في صلاة الجمعة التي كان معاوية قد فرضها على المصلين.

ويعتقد كثير من المسلمين أن معاوية تآمر على الإمام الحسن (670 م) على يد زوجته جعدة بنت الأشعث (670 م) لتسميمه في عام 680 م. خالف معاوية عهد الإمام الحسن وعيّن ابنه يزيد الأول في منصب الخلافة. لم تكن الأمة الإسلامية راضية عن تعيين يزيد الأول. فبالإضافة إلى تحويل نظام الحكم إلى نظام ديكتاتوري، كان يزيد الأول معروفًا بالفساد والسكر وزير نساء ورجل فاجر.

خامسًا- مذبحة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
الإمام الحسين هو الابن الأصغر للإمام علي بن أبي طالب. كان يرى أن الأمة هي التي يجب أن تختار حاكمها وليس معاوية، لذلك لم يبايع يزيد. كما أن أهل الكوفة في العراق، حيث كان مركز حكم علي بن أبي طالب كخليفة للمسلمين كتبوا إلى الإمام الحسين ليكون إماماً لهم. فعزم الحسين مع خمسة وسبعين من أهل بيته وأنصاره للانتقال إلى الكوفة.

بعد أن علم يزيد بخطة الإمام الحسين، عزل والي الكوفة وعيّن واليًا جديدًا وأرسل جيشًا لاعتراض الحسين. ولسوء الحظ، تآمر والي يزيد الجديد على جعل أنصار الحسين ينقضون عهدهم معه. ونتيجة لذلك، اعترض جيش يزيد طريق أحفاد الرسول وذبحهم في كربلاء بالعراق. تعد هذه المذبحة حلقة مؤلمة في تاريخ الإسلام. ويصف الدكتور أبو الفضل هذا الحدث المؤلم بأنه ”القشة التي قصمت ظهر البعير.“ اي التي قسمت المسلمين إلى سنة وشيعة.

سلوكيات غير مبررة
تعمق الانقسام على مدى الثلاثمائة سنة التالية من مذبحة كربلاء، وأصبح التراث الروائي فاسدًا بشكل كبير. واستغلت السلطة السياسية المتعصبين الذين اختلقوا أحاديث منسوبة إلى النبي محمد (ص) لخدمة أجنداتهم. كما تم تسميم آخرين اغتيالا، من بينهم تسعة من أئمة الشيعة من نسل النبي (ص)، بشكل غامض ومنظم. ولم تستجوب السلطات الأموية أي شخص عن هذه الأعمال الإجرامية، ولم تقم السلطات الأموية بأي تحقيق في هذه الجرائم. لقد أجج قتل أحفاد النبي – صلى الله عليه وسلم – غير المبرر الكراهية وخلق العداوة وزاد من حدة الانقسام بين الشيعة والسنة.

ولم يقتصر عدوان بني أمية على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل تعداه إلى كل من أعرب عن قلقه من الظلم الواقع عليهم. وكان من بين الصحابة وغير الصحابة الذين غزلوا وقُتلوا أو سُمّوا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، وحجر بن عدي، وعمر بن عبد العزيز- والأخير هو أحد خلفائهم (717-720م) ولكنه أدرك انحراف قومه واستاء من لعن علي الذي وضعه معاوية وأعاد الأملاك المصادرة بغير حق إلى أهلها. وقد لاقى هؤلاء الأفراد مصيرهم بسبب إنصافهم وجهرهم برأيهم. المرجع: سلسلة محاضرات مصورة بعنوان ”معاوية تحت المجهر“.

حالة علم الكلام (المرويات او التراث الروائي)
السؤال الذي يجب أن نتناوله في هذا السياق هو هل كان هناك حدث في حياة النبي محمد (ص) عنصر أساسي في الانقسام السني الشيعي؟ يجيب الدكتور أبو الفضل: “من الناحية التاريخية، لا على الأرجح، أما من الناحية الكلامية الروائية فنعم، ولكن من الجانب الشيعي فقط فيما يسمى بـ “حدث غدير خم”. وهي التي اعتبرها الشيعة أنها الحادثة التي نصّب النبي محمدًا عليًا خليفة له. ولكن تبين بعد ذلك أن هذه المسألة من مسائل المفردات اللغوية الخلافية التي استعملها النبي في الدفاع عن علي في نزاعه مع شخصين وهم في بعثة الى اليمن. انظر حدث غدير خم أدناه.

وبعد مذبحة كربلاء، ارتكب الساسة الفاسدون تحريفاً في الخطاب النبوي الذي نسبوه زوراً إلى النبي محمد (ص) لتبرير ارتكابهم جرائم قتل الآخرين باسم الإسلام. كان علماء الحديث او اي صحابي يخشون من القتل إذا ما رووا حديثا عن علي.

صحيح البخاري وهو أيقونة الحديث الصحيح عند أهل السنة والجماعة. وهو يحتوي على خمسة وعشرين (25) حديثًا فقط من أحاديث النبي محمد التي رواها الإمام علي. اي ان علي كان يحدث تقريبا حديثا واحدا في كل عام. هل هذا معقول؟ ويوضح الدكتور عدنان إبراهيم من فيينا هذه النقطة بالتساؤل عما إذا كان هذا العدد القليل من الأحاديث يمثل بصدق التجربة الغنية التي خاضها الإمام علي من النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فقد صحب الإمام علي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وعشرين سنة أثناء الوحي، وعاش تسعاً وعشرين سنة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وخلال السنوات الأخيرة من حياته علّم الدين الإسلامي والصفات النبوية لمحمد (ص). وكان علي متزوجاً من فاطمة بنت النبي (ص). والأحاديث الخمسة والعشرون التي ثبتت عن علي (ع) هي عدد ضئيل مقارنة بمئات وآلاف الأحاديث التي رواها غيره من الصحابة الذين صحب بعضهم النبي (ص) سنتين ونصف السنة فقط. فأبو هريرة، على سبيل المثال، صحابي تزيد روايته على خمسة آلاف حديث، وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم مدة قصيرة. انظر، https://www.youtube.com/watch?v=rBsPiZm27pI&t=3311s

كما أن مسند ” موطأ مالك “ صاحب المذهب المالكي، وهو من اوائل المساند، لا يحتوي ولا على حديث واحد للإمام علي رضي الله عنه. ويربط الدكتور إبراهيم بين هذا الإغفال لعلم علي المقدس وتجربته الحياتية مع النبي – صلى الله عليه وسلم – وبين تلاعب معاوية السياسي وفساده. هذا التلاعب والتحكم الذي أدى إلى تزييف المعلومات وتزييف الأدلة، وإلقاء الناس في الظلمات والحيرة.

الاضطهاد والنفي والتمرد أصَلَ الشِقاق
وفي هذا السياق، يعتقد المؤلف أن تمرد معاوية واضطهاده  الفاسد لاهل بيت النبي واغتيال احفاد النبي وانصارهم من الصحابة هو نفسه الامر اللذي شق الامة واوجد الطائفة الشيعية. وإلى جانب التحليل الفكري لمعاوية، فان الأحداث التاريخية تؤكد تماما تفكيره. وبنفس الوقت، فالاحداث التاريخية وفكر للامام علي عليه السلام وابنائه من بعده لا يقدم دليلاً واحداً على أنهم هم الممول الفكري للانفلاق السني الشيعي.

حدث غدير خم
تذكر المصادر الشيعية والسنية أن النبي محمد (ص) في عودته إلى المدينة المنورة من مكة المكرمة بعد حجة الوداع، جمع أكثر من مائة ألف شخص في غدير الخم، وخطب فيهم خطبة. وقد خاطب في هذا الخطاب جميع الأتباع ليتحدوا ويلتحقوا بالنهج النبوي الذي سار عليه علي بن أبي طالب، وليتعلموا من تجربة علي بن أبي طالب الأولى. ومن جملة ما جاء في سياق الخطاب قوله صلى الله عليه وسلم: ”من كنت مولاه فعلي مولاه “ https://www.al-islam.org

وقد فسّر الشيعة كلمة ”مولى“ في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – بتعيين القائد التالي الذي سيأتي بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -. وكما أن هناك كلمات إشكالية في أي لغة، فإن كلمة ”مولى “ في اللغة العربية لها معانٍ مختلفة، مثل الناصر، والخادم، والقائد، والراعي، والشريك، والحليف. لكن كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعني أن مكانة علي (عليه السلام) هي بقدر مكانه.

ويرى عالم من أهل السنة الشيخ حسن فرحان المالكي أن غدير الخُمّ وما ذكره النبيّ عن عليٍّ صحيح. ولعل المؤلف يرى أن خلافة علي رضي الله عنه يمكن أن تكون خلافة علي رضي الله عنه خلافة روحية كخلافة النبي صلى الله عليه وسلم، وليست خلافة سياسية. بما أن عليًّا كان أقرب الناس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -. فقد عاش في بيت محمد ثماني سنوات قبل بدء الوحي، وثلاثاً وعشرين سنة بعده.وبشكل عام، كان عليٌّ الساعد الأيمن للنبي صلى الله عليه وسلم طوال هذه المدة. إن علم علي وخبرته هي الأقرب إلى علم النبي وخبرته؛ لذلك كان النبي يوصي به ليكون قائداً يشابهه.

في كتابه ”خلافة محمد“، يوضح ويلفرد مادلونغ في الصفحة 18 أن غدير الخُمّ كان قبل حجة الوداع. وقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم علياً واثنين معه في عمل رسمي في اليمن. وكان هناك خلاف بينهم وبين علي في بعض القضايا. فلما علم النبي بهذا الخلاف نصح أصحابه أن يوافقوا علياً لأنه كان على الحق. وهذا الرأي والفهم الذي ذهب إليه الكاتب يتوافق مع مفهوم أهل السنة للحادثة من حيث السياق. تابعوا رابط رواية القصة المتنازع فيها. https://www.al-islam.org/ghadir/incident.htm

نظرة عامة عن وضعية المسلمين
يوجد داخل الإسلام طائفتان رئيسيتان. السنة والشيعة. في كل فرقة عدة مذاهب فكرية: المالكية، والشافعية، والحنفية، والحنفية، والحنبلية هي المذاهب الأساسية في القسم السني، والجعفرية، والزيدية، والإباضية هي مذاهب في القسم الشيعي. وجميع المذاهب في كلا القسمين هي مذاهب فقهية. وعلاوة على ذلك، هناك عدة فرق شيعية داخل الشيعة. فرقة الإمامية هي الأكبر، تليها فرقة الإسماعيلية.

وبحسب مقابلة تلفزيونية مع الدكتور إبراهيم، تشترك الطائفتان السنية والشيعية في نفس الأصول والمعتقدات الإسلامية. تستمد كلتا الفرقتين عناصر العقيدة والمواد الإيمانية من مصادر الإسلام: القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. وعندما يتحول الحديث النبوي إلى عمل، يطلق عليه اسم السنة.

المذاهب الفقهية وتنوعاتها
تطورت المذاهب الفقهيّة بسبب كثرة الداخلين في الإسلام في الأرض المفتوحة. ولم تكن هناك معايير فقهية أو اجتهادية يستقي الناس منها. وقد عالجت المذاهب الفقهية مسائل كثيرة منها المدنية والزوجية والمواريث والقانونية والجزائية.

الخلاصة
إن عدم انتخاب الإمام علي كخليفة لم يكن السبب المباشر للانقسام الشيعي السني. فالقرآن الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم صريحان فيما يتعلق بأمور الناس أو حياتهم. إن انقسام السنة والشيعة ناتج عن عَدَم الْاسْتِقَامَة والفساد، فتعاليم القرآن الأساسية توجه الناس بعيداً عن الفرقة والفتن. وغالبًا ما يؤدي الايمان السطحي إلى الباطل. فالانقسام السني الشيعي مخالف لهدى الله ولا يمكن أن يكون إلا نتيجة لخدمة النفس والفساد. لقد انحاز الإمام علي وابنه إلى الاصلاح، بل وتنحيا عن حقهم في الخلافة اتباعًا لأوامر الله في الحفاظ على وحدة الامة وحقن الدم. ومن ناحية أخرى، فإن تصرفات معاوية تتعارض مع تعاليم الإسلام – فقد خرج على الحاكم المنتخب مخالفا أحكام الله تعالى، وأحدث اضطرابات وحروبًا أهلية زعزعت الأمن والاستقرار. ولم تكن كل هذه التصرفات الشاذة إلا ثمنًا زهيدًا امام وصوله إلى كرسي الحكم.