القلب ومكانته في الاسلام
الكاتب: فيصل برهان
تحرير: ايمان احمد برهان
تاريخ النشر: ٢٠١٩
القلب ومكانته في الاسلام
عبر العصور وحتى يومنا هذا احتل القلب مكانة هامه ومركزيه لبني الانسان. ففي المعتدات القديمة، كما عرف من رموز الصينيون، ان القلب هو موضع الحب والروح. وإننا لنجد في عادات الشعوب المئات من العبارات المستعارة ما يوحي بمركزية واهمية القلب في حياة الأمم. بعض من هذه المستعارات: دخل في قلبي، ذو قلب قاس، ومقابلها ذو قلب حنون، القلم بريد القلب وترجمان العقل.
المعتقدات الاسلامية ما قلت شأنا عن مثيلاتها من المعتقدات الأخرى بل زادت الكثير على مركزية وأهمية هذا الجوهر في الإنسان.
فلا جرم ان الله تعالى جعل سلامة القلب نجات من عواقب يوم القيامة، كما نجد في الشعراء “ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.” 26:87
فإن سال سائل لم القلب السليم؟ فالجواب لان الإسلام اعتبر القلب هو البداية لكل عمل. والعمل يبدأ من النية وهذه بدورها لا تنبع الا من الفؤاد. ويشير الى هذا حديث النبي (ص) القائل:
“إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.”- متفق عليه
ومن هنا تبدو لنا اهميه هذا اللب في كتاب الله تعالى والذي تحدث فيه القران فيما يزيد عن 132 موضع، واشار رسول الله (ص) الى هذه الحقيقة قائلا:
“أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ.” – متفق عليه
كما انه هو القائل: “انما التقوى ههنا، انما التقوى ههنا، انما التقوى ههنا ويشير الى صدره صلى الله عليه وسلم.”- مسلم
فخُلُوُّ القلب منَ اللغوب والعُيُوب والمعاصي، ما ظهر منها وما بطن، وملئه بحب الله وتبجيله ثم مراقبته في كل عمل هو الصلاح الذي هو من أوليات الايمان واساسيات الإسلام.
وعندما نتصفح كلمات الله تعالى حول القلوب التي في الصدور وما رادفها من كلمات كالأفئدة والالباب لوجدناها في مجملها تعالج الباطن والروحانيات بالمقارنة مع علوم الفقه وقواعد اللغة وعلم والرجال والتاريخ وغيرها من العلوم التجريدية، والتي اعتبر كثير من السادة العلماء–من تقدم منهم ومن عاصر، باي من الموازين شئنا، عدم قدرتها الحلول محل العلوم الروحانية لأن الأخيرة هي موضع لب هذا الدين وما يسأل عنه الانسان يوم الحساب. لننظر الى بعض من هذه الآيات:
١- “اومن كان ميتا فأحييناه (أي احيينا قلبه بحب الله ومراقبته وذكره) وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟”6:122
ولقد وعدنا رسول الله (ص) ان الفرق بين المرء الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كالفرق بين الحي والميت، كما ورد في البخاري.
٢- ” أفمن شرح الله صدره للإسلام (أي فتح الله قلبه واسعا لتلقي الايمان) فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله (وكأن شرح الصدر للإسلام وذكر الله تعالى صنوان، شيء واحد) اولئك في ضلال مبين.” 39:22
٣- أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (العمى الروحي لا العضوي). 22:46
٤- “لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم (أي من نوايا صالحة ومصلحه او ما قابلها من نوايا فاسدة ومفسده.)” 2:225.
وهكذا فالقلب هو منبع الاعمال صالحها ومفسدها وهو لهذا وقع موضع اهتمام الخالق سبحانه وتعالى، وهذا يوجب علينا ان نضع اهتمامنا الأكبر في مراقبة قلوبنا ونوايانا فلا نكون من المفسدين وذوي القلوب الميتة. فكما ان الانسان يتنفس ليعيش فالقلب بحاجة الى ذكر الله والقرب منه حتى لا يموت.
لهذا، ونتيجة للاهتمام الرباني في هذا الموضع الروحي نجد الكثير من علماء المسلمين وبالأخص الصوفيين منهم كتبوا الكثير الكثير، واعتنوا بتربية القلوب والأخلاقيات من دون غيرها، بدأ من “الا بذكر الله تطمئن القلوب،” 13:28 و”أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي،” عن لسان الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي. – البيهقي، حديث مرفوع
ليس بوسعنا هنا سرد اسماء الالاف من هؤلاء الاعلام ومطبوعاتهم ولكن نكتفي في موسوعة احياء علوم الدين للغزالي والتي تناولت بمجلداتها الأربعين الكثرة الكثيرة عن إحياء القلوب، أمراضها، دوائها، وشفائها. والله اعلم وبه نستعين.
ويذكرنا رسول الله (ص) قائلا:
“القرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها (الى رحمة الله) أو موبقها (مهلكها، بصدها عن رحمة الله).”- مسلم
اللهم أرنا وأرنا قريبا من حياة القلوب وانوارها واجعلنا من الذين تطمئن قلوبهم بذكرك والذين يذكرونك كثيرا ويسبحونك بكرة واصيلا، امين.
Recommended Posts
هضم الحقوق الأمنية للإنسان ظلم وفساد
September 8, 2024
هضم الحقوق الأمنية للإنسان ظلم وفساد
February 19, 2022
قراءة في الإعلام ودوره في بناء الفكر الإنساني
February 4, 2022