فصاحة نملة:
والقصة مع سيدنا سليمان عليه السلام
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
يقول أهل البلاغة إن هذه الآية اشتملت -على قصرها- على معانٍ بلاغية كثيرة, فقد جمعت هذه الآية عشرة أنواع من الخطاب في موطن واحد، وهذه الأنواع هي:- النداء – والتنبيه – والتسمية – والأمر – والنص – والتحذير- والتخصيص – والتفهيم – والتعميم – والاعتذار.
ما أعقلها من نملة وما أفصحها. (يَا) نادت، (أَيُّهَا) نبّهت، (ادْخُلُوا) أمرت، (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) نهت، (سُلَيْمَانُ) خصّت، (وَجُنُودُهُ) عمّت، (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) اعتذرت. ه هذه النملة أحسّت بوجود سليمان وبادرت بالإخبار ونادت (يا أيها النمل) ونبّهت (أيها) وأمرت (ادخلوا) ونهت (لا يحطمنكم) وأكّدت (نون التوكيد) ونصحت وبالغت (يحطمنّكم) كلكم لا يترك واحدة منكم، وبيّنت (من الذي سيحطمهم) وأنذرت وأعذرت سليمان (وهم لا يشعرون) ونفت كل هذا ليس مهمًا؛ فكل كلام يقال فيه أوجه بلاغية لكن المهم كيف عبّر عن ذلك.
|فالنملة بدأت مخاطبة قومها مخاطبة العقلاء وجاءت بلفظ “مساكنكم” ولم تقل “بيوتكم” أو “جحوركم” لأنهم في حالة حركة والحركة عكسها السكون فاختارت لفظ المساكن من السكون حتى يسكنوا فيها ولم تقل المساكن والجحور وإنما قالت مساكنكم أي: أن لكل نملة مسكنها الخاص الذي تعلم مكانه، ولم تقل ادخلن وإنما قالت “ادخلوا”، ثم أكدّت بالنداء بقولها: (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) حرف النداء الدال على البعد حتى يسمعوا نداءها، وقالت “سليمان وجنوده” ولم تقل: “جنود سليمان”، حتى ترفع العذر عن سليمان أيضًا فلو قالت: “جنود سليمان”؛ لكان سليمان غير عالم إذا كان قاصدًا أو غير قاصد وجاءت بلفظ سليمان بدون أي لقب له كالنبي سليمان للدلالة على أنه مشهور بدون أن يوصف، ثم حثتهم على الإسراع في التنفيذ قبل أن تنالهم المصيبة، ونسبت الفعل لسليمان (لا يحطمنكم) وفعل يحطمنكم مقصود في الآية لأنه ثبت علميًا أن جسم النمل يتركب معظمه من كمية كبيرة من السليكون الذي يدخل في صناعة الزجاج والتحطيم هو أنسب الأوصاف للفعل الدالّ على التكسير والتهشيم والشدة.
إذن ليس المهم جمع أوجه بلاغية في التعبير لكن المهم كيف التعبير عن هذه الأوجه وهذا ما يتفرّد به القرآن الكريم.