حياة النبي صلوات الله عليه وقدوم الاسلام
\
بدأت فترة التنوير في شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن السابع الميلادي، إذ شهدت الإنسانية جمعاء نقطة تحول أنارت طريق البشرية وتمثلت في الابتعاد عن تاريخ طويل محكوم بالظلم والعنف والاستبداد والخرافات إلى واقع جديد يسوده العلم والحكمة والحرية والأخلاق. فلم يكن دخول النبي محمد قلوب ملايين البشر نتيجة حروب وغزوات، بل كان نتيجة القيم الإنسانية التي استرجعت كرامة المرأة والضعيف وجعلت المجتمع والفرد ينخرط في البنية الاجتماعية والسياسية والأخلاقية على حد سواء.
اليوم، وفي القرن الواحد والعشرين، ما زالت تعاليم النبي ذات الرحمة والإحسان تعيش في قلوب ملايين المسلمين، وهي ليست سوى انعكاس لروح النبي محمد ﷺ. خلَّصَ النبي محمد عليه الصلاة والسلام الإنسانيّة من الكثير من العادات جاهلية كعبادة الأصنام، والكبّرياء، والأنانيّة، حاملاً معه رسالة الإسلام الذي يتمثل بالإيمان بالله الواحد والعدل والسلام والمساواة في كل مفاصل الحياة. فالجميع متساوون أمام القانون، الغني كالفقير والحر كالعبد ولا فضل لعربيّ على أعجمي إلا بالتقوى.
لم يعد التعليم والتربية محصورا للطبقة العليا في المجتمع. فالأعجمي والعبد كبلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي، والنساء كخديجة وعائشة وأم سلمة أصبحوا رايات ومصادر للعلم والتنوير. من هذا المبدأ أعطت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية وسام امتياز إلى النبي محمد ﷺعام 1935 كأعظم مشرّع عرفته البشرية. فرسالته ودعوته تنبع من قول الله تعالى:
“إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.” سورة النحل الآية 90
مهّدت هذه المبادئ والتعاليم السبل للبشرية لتحقيق رغبتها في بناء مجتمع آمن ينعم بالرخاء والتطور. ففي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تحارب العلم و العلماء وفي غضون قرن واحد، استطاع الإسلام بدعوة النبي ﷺ بناء “حضارة عظيمة عبر البلاد ما بين المحيطين الأطلسي والهندي والتي تقارب الستة آلاف ميل. من بلاد فارس وشبه القارة الهندية وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة الأيبيرية، منها ولدت ثورة علمية وعملية منذ منتصف القرن الثامن حتى القرن الثالث عشر.” واستطاعت الحضارة الإسلامية التأثير حتى في الشعراء والفلاسفة والمؤرّخين والقادة العظماء حتى يومنا هذا.
قال صموئيل بارسونز سكوت في كتابه “تاريخ الإمبراطورية البربرية في أوروبا”:
“يمكننا رؤية تأثير العبقرية العربية في روايات بوكاتشيو، ورومنسيات ثيرفانتيس، كما في فلسفة فولتير ومبادئ نيوتن الأولى، وكذلك الأمر في تراجيديات شكسبير كونها تتوافق مع المبادئ المدنية الحديثة وبقاء تأثيرها في الصفات والطبائع.”
صموئيل بارسونز، سكوت، تاريخ الحضارة البربرية في أوروبا، فيلادلفيا، منشأة ليبينكوت، كاليفورنيا 1904
https://www.academia.edu/77065733/The_Origin_Story_of_the_Golden_Age_of_Islam
وذكر الفيلسوف روبرت بريفولت في كتابه (تكوين الإنسانية):
ومن الجميل انه في برنامج برنامج TED Show يُوضّح تيري مور أن X في المعادلات الجبرية أتت من الحضارة الإسلامية.
St. Catharine Monastery- https://islamic-study.org/wp-admin/plugins.php
وقد دفعت هذه الآية (المائدة:67) علماء الإسلام واللغويين الأوائل إلى إنشاء علم البلاغة. ومن كبار اللغويين ونقاد الأدب معمر المثنى ( (110 هـ – 209 هـ / 728 م – 824 م) الذي ألف كتاب “مجاز القرآن”. ثم جاء من بعده الجاحظ (159 هـ–255 هـ) الذي ألف كتاب “البيان والتبان.” الجاحظ يعتبر أمام علم البلاغة. ولاحقا الخبير باللغة العربية محمد الجرجاني (400 – 471هــ/1009–1078م) أسس هذا العلم في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز.
https://fajirsa.blogspot.com/2017/11/blog-post_44.html
هذه القاعدة القرآنية الذهبية المبينة لآلية توصيل المادة الدينية “تلقائيا” تبقي المسلم أو الداعي يتحدث بلغة العصر وعلى اتصال دائم بالواقع والحضارة المتنامية. وهذا ما يبين واقعية الإسلام وحيويته ومواكبته للحياة وتحديات التطور والتحضر.
ويتساءل المؤلف عن السبب الذي جعل هذه القاعدة القرآنية الذهبية لتبليغ الدين بما يناسب المتلقين وظروفهم لم تصبح القاعدة المعيارية التي يعتمدها رجال الدين الإسلامي في الخطاب الديني.
على سبيل المثال، لماذا يفرض بعض علماء المسلمين على اتباعهم تطبيق التفسيرات والأحكام الدينية التي أصدرها علماء القرنين التاسع والعاشر، على أبواب القرنين العشرين والحادي والعشرين والتي يمكن أن كانت مناسبة لتلك العصور؟ والأسوأ من ذلك أن الأحكام التي يصدرها علماء عصريين، إما ان تُتَهم بالانحراف أو تُرفض لأنها لا تتفق مع فتاوى العلماء التقليديين والتي بقيت من غابر الازمان.
بل الأسوأ من ذلك أن بعض رجال الدين القدامى وضعوا او صنعوا الآلاف المؤلفة من الفتاوى الدينية والفقهية والفكرية والتي غدت وكأنها التراث الاسلامي الأقوم للكثير حتى هذا اليوم، ولكنها في حقيقتها من صنع الإنسان لزمان مضى له ظروفه وطبيعته. المصدر الإسلامي الرئيسي يجب أن يبقى القرآن والأحاديث النبوية التي توافقه.
ويرى المؤلف أن هذا الانزواء عن مبدأ التبليغ القرآني للدين بما يناسب حال القوم قد ساهم إلى حد كبير في إبعاد المسلمين وغير المسلمين عن الإسلام ومن ثم القرآن. هذا البعد عن القرآن أدى إلى تراجع المسلمين وفشلهم دينيا ودنيويا. وكيف لا وهم يتبعون فتاوى وضعت لعهود مضت ولظروف وبيئات وسياسات مختلفة تماما عن بيئات وظروف القرن الحادي والعشرين.
العدل هو من أبرز أهداف القرآن. يقول الله تعالى:
” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا.” المائدة 8
ومن العدل أيضًا أن القرآن يحضّ الناس على أن يتنزهوا عن كل عمل شيطانيّ مشين.
“ان الله يامر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.” النحل 90
الايمان
يعلل المالكي ان “قضية الإيمان قضية مركزية في الرسالات السماوية، والإيمان عدة قضايا تتفاوت من حيث الأهمية –وكل على أهمية كبيرة- ولكن أهم قضايا الإيمان أمران؛ الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، وهما أهم من الإيمان بالرسل والكتب والملائكة، لأن الذي يؤمن بالله ويعرفه، يكون بحسب معرفته بالله أقوى على تحمل البلاء والاستعداد له…
فالإيمان بلا شك من أكبر دلائل النجاح في الابتلاء، ومن مثبتات العدالة ومحفزات الفضيلة، فالدنيا لا تستحق من الإنسان أن يضحي فيها بضميره وصدقه وشهادته لله ونصرته للعدالة.”
إن الفكرة المنتشرة في إعدام المرتد، تنتهك تعاليم القرآن ومبادئه العليا المتمثلة في الحرية والابتلاء والعدل. ويوضح المالكي أن الردة عن الإسلام حصلت في حياة النبي، ومع ذلك، فالنبي لم يقتل المرتد، لأن المحاسبة على مثل هذه الأفعال هي لله وحده، وليست لأي شخص آخر. يستثنى من هذا من ارتد وقام بمحاربة الإسلام والمسلمين فأمره داخل في آيات الحراب.
والآيات التي تحدثت عن الردة والمرتدين لم تأمر بقتلهم، يقول الله تعالى:
“كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًۭا كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓا۟ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّۭ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ 86 إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌ 87 أُو۟لَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ 87 خَـٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ 88 إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌ.” 89
يعقب الباحث فرحان المالكي على هذه الاية قائلا:
“هذه الآيات أيضا صريحة جدا بأن بعض المسلمين (الصحابة) كفروا بعد إيمانهم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وكفروا بعد ما جاءتهم البينات، فماذا كانت عقوبتهم في الدنيا؟ الجواب: لا شيء، إنما أخبر الله عز وجل بأن هؤلاء ظلموا أنفسهم، وأن عليهم اللعنة، ومع هذا كله دعاهم إلى التوبة ولم يقطع باب الرجاء عليهم…” حرية الاعتقاد ص 77
ثمة آيات أخرى تقول:
“اِنَّ الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا ثُمَّ كَفَرُوۡا ثُمَّ اٰمَنُوۡا ثُمَّ كَفَرُوۡا ثُمَّ ازۡدَادُوۡا كُفۡرًا لَّمۡ يَكُنِ اللّٰهُ لِيَـغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَـهۡدِيَهُمۡ سَبِيۡلًا”ؕ” ﴿4:137﴾ النساء
“إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُوا۟ كُفْرًۭا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ.” ٩٠ آل عمران
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ.” 54 المائدة
لم يرد في أي مقطع من المقاطع القرآنية السابقة ما يأمر النبي او المسلمين باستخدام العنف أو القتل، بل تُرِكَ أمرهم إلى الله. أيضا، نقرأ في السيرة النبوية قصة بدوي أعلن إسلامه أمام النبي محمد، وفي اليوم التالي عاد إليه طالبًا سحب ولائه للإسلام. غير أن النبي أعرض عنه، كما في الحديث التالي للبخاري:
روى جابر بن عبد الله، “أنَّ أعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ، فأصَابَ الأعْرَابِيَّ وعْكٌ بالمَدِينَةِ، فأتَى الأعْرَابِيُّ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبَى، فَخَرَجَ الأعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمم إنَّما المَدِينَةُ كَالكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، ويَنْصَعُ طِيبُهَا.” البخاري
وفي معرض شرحه لقصة البدوي، قال المالكي:
“إن النبي – صلى الله عليه وسلم – تصرف بهدوء، وأنكر طلب الرجل، ولم يأمر بإعدامه، ولم يرسل من يقتله.” وقال أيضًا: “إن حكم إعدام المرتدّ بالقتل، “غريب عن الإسلام وهو وبدعة،” وقال ايضا: ” وباب التوبة لله تعالى مفتوح دائما. ولذلك فإن قتل المرتد هو تدخل في شئون الله وحكمه سبحانه وتعالى ورحمته. ثم لماذا يتصرف النبي – صلى الله عليه وسلم – بما يخالف ما أوحي إليه من مبادئ حرية الإيمان؟ ألا يخالف بذلك حكمة الله تعالى وشريعته؟”
انظر “حرية الاعتقاد في القرآن الكريم والسنة النبوية“
وهناك أسباب أسمى لصيانة الأنفس والممتلكات في الإسلام. فالحقيقة، إن النبي محمد أمر المسلمين بالامتناع عن العنف في مكة والمدينة، وأماكن أخرى لرحمة إلهية: حفظ الأمن والسلام للخلق. يعتبر القرآن إثارة الخوف، والرعب، والعنف، وتعطيل نظم الحياة هم من الظلم والفساد.
إن خلق الاضطراب والتعدي والاغتيال وخلق البلبلة والاعوجاج وما شابه ذلك مما يثير المخاوف وينتهك حقوق الناس في أمنهم الذي شرعه الله لهم، يمكن أن يؤدي إلى حروب أهلية وشق صفوف الامة.
احد اسباب وجود الانسان على الارض (واستعمركم فيها)، هو لبنائها، لا لهدمها. من أجل هذا أعطى الله تعالى الأمن الضروري للناس كفرصة حتى يقيموا حياتهم الدينية والدنيوية بالسلم. ولذلك سخر الله تعالى الأرض والسماوات (هود 61) لخدمة الإنسان.
ولهذا لم يسمح النبي محمد في مجتمعه بأي قلقلة أو اضطراب أو عنف.
يقول الدكتور عدنان إبراهيم، أنه عندما طلب بعض أصحاب النبي محمد أن يغتال صناديد قريش، رفض قائلاً:
“الإيمان قيد الفتك. لا يفتك مؤمن.” الإمام أحمد بسندٍ صحيح
تضم كلمة “فتك” كل الشرور من خيانة، خداع، بلبلة، تضليل، إبادة، اغتيال، تعدي، هجوم، سحق، تدمير، واستئصال. ربما يمكن للمرء أن يرى لماذا امتنع رسول الله صلوات الله عليه عن القيام بأي انتقام أو أعمال فيها العنف والشدة. والشيء الجيد هو أن المجتمع الإسلامي أصبح عندئذ مستقلاً في المدينة ويمكنه الدفاع عن نفسه من الهجمات الخارجية. انظر الموضوع الهام: هضم الحقوق الأمنية للإنسان ظلم وفساد
تذكر أن المسلمين حاولوا الضغط على قريش باعتراض قوافلهم. وقد وقعت معركة بدر بسبب إحدى محاولات الاعتراض هذه. كانت القافلة التي يقودها أبو سفيان تحمل الكثير من بضائع قريش. فأرسل أبو سفيان رسولاً إلى مكة يستنجد بقريش لإنقاذ قافلتهم. وفي هذه الأثناء، كانت القافلة قد نجت من المسلمين إلى مكة. وبعد أن علمت قريش بمحاولة المسلمين اعتراض القافلة، استدعت حلفاءها وجهزت جيشًا قوامه ألف مقاتل لنجدة القافلة. وعلى الرغم من وصول قريش الأخبار بنجاة القافلة، إلا أن قائدهم أصر على مهاجمة 314 مسلمًا الغير مجهزين للحرب. ونصح بعض شيوخ قريش، مثل عتبة بن ربيعة، بعدم الهجوم على المسلمين والعودة إلى مكة. لكن الزعيم البارز في قريش، أبو جهل، رفض الطلب وأصر على لقاء المسلمين لهلاكهم.
وعلى عكس القادة المتشبثين بآرائهم، تصرف النبي محمد بعقلانية ورشد. وكان من عادته أن يستشير قومه في الأمور المصيرية، خاصة فيما يتعلق بحياتهم وشؤونهم الخاصة، ولم يكن ليتمسك برأيه وهو النبي. على سبيل المثال، قبل الاشتباك مع قريش في غزوة بدر هذه، استشار النبي قومه حول ما إذا كانوا يرغبون في قتال قريشً أم لا. وكان جوابهم هو قتال قريش.
عندما وصل 314 رجلاً إلى آبار بدر، وبدأ النبي في تركيز الرجال بمواقع استراتيجية، تساءل الحباب بن المنذر في قرار النبي بشأن مكان المعركة. “أرأيك يا رسول الله أم وحي من عند الله؟” وكان رد النبي: “هذا رأيي”. قال الحباب: لم يكن هذا هو الاختيار الصحيح؛ والخيار الأفضل أن تكون آبار الماء خلفنا حتى نستخدمها، وقريش عندئذ لا تستطيع ذلك. بسهولة، أخذ النبي بنصيحة الحباب وجعل آبار المياه خلف صفوف الرجال.
في 8 يناير 624 م، اشتبك 1000 من المكيين مع 314 مسلمًا نحو آبار بدر. وكانت قريش تتفوق على المسلمين ثلاثة إلى واحد.
“.اللَّهمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني، اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا”
ومد محمد يديه وهو يدعو. ثم ما أن اشتبكت القوات، حتى هبت عاصفة عنيفة هبت في وجوه المكيين. “صرخ النبي بنشوة ’جبريل‘، ’مع ألف من الملائكة يهبطون على الأعداء‘.
“والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا ادخله الله الجنة، فقال عمير بن الحمام أحد بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء وقاتل حتى قتل.”
وعلى الرغم من أن المسلمين قاتلوا بجرأة وهزموا الوثنيين، إلا أن الله تعالى قال لهم:
“فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.” الأنفال 17
وكان مجموع القتلى من المسلمين والمشركين أربعة عشر وسبعين على التوالي، فيهم عدد من قادة قريش. تم أخذ أكثر من سبعين مشركين آخرين كأسرى حرب. وفي وقت لاحق، دفع كل سجين فدية. وكان على أولئك الذين لم يتمكنوا من الدفع أن يعلموا عشرة أطفال كيفية القراءة والكتابة.
ومن الحكمة أن نفحص الأسطورة القائلة بأن المسلم يدخل الجنة بقتل مسيحي أو يهودي. ومصدر هذه الأسطورة هو استعمال قول النبي أعلاه في غير موضعه: “والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا ادخله الله الجنة، فقال عمير بن الحمام أحد بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء وقاتل حتى قتل.” ففي غزوة بدر لم يكن هناك نصارى ولا يهود. بل على العكس من ذلك، فإن مبادئ الإسلام لا تسمح بالهجوم على اي انسان من اي ملة، وخاصة المسيحيين واليهود. على سبيل المثال، يقول الله تعالى:
“إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.” البقرة 62
من المثير للاهتمام أن المسلمين يقدسون جميع أنبياء الكتاب المقدس لإسلامهم لله:
“قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون.” آل عمران 84
https://islamic-study.org/foreign-policy-of-islam-peace-or-war/
وأخيرا، فإن فلسفة الاستشهاد في الإسلام المتمثلة في دخول الجنة لا ينبغي أن تكون مفاجئة؛ لأنها لا تختلف عن مفهوم الاستشهاد في المسيحية أو اليهودية. حتى يكون فهمنا صحيحا بالنسبة للقتال في الإسلام، انظر، السياسة الخارجية للإسلام سلام أم حرب؟
المسلمون يؤمنون بالعديد من نبوءات الكتاب المقدس عن مجيء الإسلام. ولكن من اللافت للنظر أن الآية التالية من الكتاب المقدس، بتفصيل كبير، عبرت عن حدث وصول النبي إلى المدينة وانتصاره في بدر.
“الإصر يقع لدى العرب، في وعر العرب ستبيتون يا رفقاء الددانيين. سكان أرض تيماء يقدمون الماء للعطشى ومن خبزهم. تقبلوا من هرب لأنهم هربوا من السيوف، السيوف المسلولة و القوس المشدودة وشدة الحرب. لأنه هكذا قال لي الرب في سنة، الأجير يَفني كل مجد قيدار وبقية أبطال بني قيدار تقتل. لأن الرب إله إسرائيل تكلم. إشعياء.” 13:21-17
وفي المدينة المنورة، كما في مكة، تعامل النبي مع سيئي النية والنفاق البشري. فقد شعر بعض أصحاب الأهواء الشخصية أو الحقد أن النبي أو ظهور الإسلام قد سلبهم أعمالهم أو زعامتهم مثل أبي عامر الكاهن. وقد بدأ هؤلاء الأفراد في إثارة العداء للنبي والمسلمين بخبث ودهاء. وكان بعضهم يستثيرون أفرادًا من اليهود للطعن في النبي. وكان آخرون يحرضون قريشًا على مهاجمة المسلمين.
وفي عام 625 م، قامت قريش، التي حشدت العديد من القبائل وجمعت جيش قوامه ثلاثة آلاف شخص لمهاجمة المسلمين والانتقام لقتلاهم في معركة بدر، من العام السابق. واستشار النبي قومه في مكان اللقاء. والخياران هما إما البقاء في المدينة أو الخروج إلى شمال المدينة أمام جبل أحد.
واختار معظم المسلمين الخيار الأخير الذي اتخذه النبي. ومع ذلك، فإن هذا “التصويت بالأغلبية” أو القرار الذي تم التوصل إليه ديمقراطيًا كان غير مريح لرأس النفاق عبد الله بن أبي سلول. وفي الطريق إلى ساحة المعركة، انقسم ثلث جيش المسلمين وعادوا إلى المدينة المنورة بقيادة عبد الله بن أبي سلول القائل متذمراً: “لقد أطاع (محمد) الصغار وعصاني.”
وأسفرت معركة أحد عن هزيمة المسلمين. وأصيب النبي وكثير من أصحابه بالجروح. وكان عدد قتلى المسلمين 73؛ معظمهم من من المدينة. وكان عدد القتلى من المشركين 35.
لمنع هجمات مكية أخرى على المدينة، أمر محمد المسلمين بمطاردة الوثنيين. هذه المطاردة تدل على عزم المسلمين للدفاع عن المدينة من أي محاولات هجوم أخرى. وأقام المسلمون بحمر الأسد ثلاثة أيام حتى ذهب خطر قريش.
أن تطلب الرحمة لخصمك في أوقات اعتيادية شيء، لكن ان تطلب المغفرة لعدوك، وفي ساحة المعركة هو شيء آخر يعلو في سماه. ففي أحد، عندما انهزم المسلمون، أصيب النبي، ونزف وجهه وجبهته دما. فقال بعض أصحابه المشفقين عليه: يا نبي الله، ألا تلعنهم؟ فقال:
“إني لم أبعث لعاناً ولكن رحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.” رواه البخاري
لا يمكن للأشخاص العادلين والمحترمين إلا أن يستطيبوا النبي محمد. ومن بين هؤلاء المهاتما غاندي. – مهاتما غاندي
“أردت أن أعرف أفضل ما في حياة الرجل (محمد) الذي يتمتع اليوم بأثر لا يقبل الجدل على قلوب الملايين من البشر. لقد أصبحت مقتنعًا أكثر من أي وقت مضى بأن السيف لم يكن هو الذي أعطى مكانًا للإسلام في تلك الأيام في برمجة الحياة. لقد كانت البساطة الصارمة، نكران النبي لذاته، واحترام العهود، إخلاصه الشديد لأصدقائه وأتباعه، وجرأته، وشجاعته، وثقته . المطلقة بالله وفي رسالته. هذه المزايا، وليس السيف، من الذين عالجت كل شيء صادفها وتغلبت على كل عقبة. – مهاتما غاندي.
خلقت خسارة الثلاثة وسبعين رجلاً مسلمًا في معركة أحد، معظمهم من المدينة مشكلة جديدة للمسلمين؛ حيث كان العديد من الأرامل والأطفال بدون رجل يحميهم ويعطف عليهم وليس لهم أي عمل لكسب العيش. غيرهم من فقدن أزواجهن لهم ممتلكات واعمال تتطلب الإدارة والرعاية. كيف لعلاج هذا الوضع؟كان الحل الإلهي لهذه المشكلة الإنسانية هو تعدد الزوجات للرجل. والرجل الذي يستطيع إعالة زوجة إضافية وأطفالها بعدل يستطيع أن يفعل ذلك. على الرغم من أن تعدد الزوجات في العوالم السابقة ليس له حدود، إلا أن الإسلام حدده بأربع سيدات للرجل، مرة أخرى، بشرط أن يتمكن من معاملة الجميع على قدم المساواة. وتعدد الزوجات بهذه الطريقة يعالج ظرفاً إنسانياً. تتمتع الأرملة الآن بالأمان والعطف ولديها من يهتم بأطفالها وأعمال أسرتها. في العصر الحديث، توفر بعض الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية للأمهات للأرامل وأطفالهم الدعم المالي والطبي بعيدًا عن عطف الزوج والتراحم.
إن مبدأ الشورى يتوازى في بعض جوانبه مع الديمقراطية، وبتشجيع من الله تعالى:
“فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.” ﴿١٥٩﴾ آل عمران 159
ويؤيد القرآن بتشييد الشورى، حتى لو كان ذلك على حساب خسارة ثلث الجيش، في وقت حرج قبل الاشتباك، في حالة معركة أحد. استعرض عبد الله بن أبي سلول طريقة السيطرة القبلية الاستبدادية، حيث انخزل مع 300 شخص من اتباعه وتركوا جيش المسلمين عرضة للعدو. وإذ قال “إن محمد انحاز إلى الأولاد وليس لي،” والذين كانوا هم الأغلبية. على الرغم من أنه ليس من المفترض أن يصوت المسلمون على الله وأوامره كالمحظورات أو المأذونات، إلا أنهم أحرار في الإدلاء بالأصوات والآراء حول العديد من الأمور والعوائق المتعلقة بصحتهم ومصالحهم، على غرار المجتمع الديمقراطي.
وكما ذكرنا سابقًا، ومنعا لأي هجمات مكية أخرى على المدينة، أمر رسول الله جيش المسلمين بمطاردة المكيين في عرض لاستعدادهم للدفاع عن المدينة من أي هجوم جديد. ونزل المسلمون بحمراء الأسد ثلاثة أيام.
قريش في ادعائها بأن “هزيمة المسلمين في أحد قد قرَّبت نهايتهم،” قامت بحملة تاجيجية لدى العديد من القبائل المتحالفة معها للهجوم على المدينة. بهذه العملية، تحاول قريش إخضاع المسلمين – إيقاف تجارتهم وعلاقاتهم مع القبائل الأخرى، وإفساد أي وسيلة لإستقرارهم في مجتمعهم. بعد بضعة أشهر من وقعة أحد، بدافع من دعايات قريش، بدأت قبيلتان في التجمع لمهاجمة المدينة. ولكن بفضل تحرك رسول الله السريع لإحباط الهجمات، منع المزيد من العداوات.
فقد بعث رسول الله 150 رجلاً إلى قبيلة بني أسد الذين فروا إلى الجبال، وبعثة مثلها إلى قبيلة بني هزيل. قُتل خالد الهذلي، الذي أعد ونظم العديد من الرجال، من عدة قبائل، مما أنهى الخلل في المجتمع والاضطراب. لقد استبقت إجراءات رسول الله الوقائية كلاً من دوافع التحرش والتدخل والتدمير. العمليات في منع الحروب هي التي حفظت المدينة بالأمن والأمان والسلام الذي وهبها الله إياها.
أدت مؤامرات أخرى إلى تعطيل استقرار المسلمين في مجتمعهم. ففي حادثتين منفصلتين، اقتربت قبائل مضمنة السوء إلى النبي محمد ﷺ سائلة اياه توفير الدعاة لقبائلهم القاطنة حول المدينة.
في الحالة الأولى، الرجيع، قامت قبيلة هزيل برشوة قبيلة بني عامر لقتل الدعاة المسلمين لديهم. وفي الرجيع، تعرض الدعاة للخيانة، حيث تم أخذ اثنين منهم كرهائن، وقتل الباقي. وبعد ذلك تم بيع الرهائن لقريش ومن ثم صلبهم في مكة.
أما الحادثة الثانية فكانت في قتل سبعين مسلما في قبيلة صعصع. خان زعيم القبيلة السبعين مبشراً عند بئر معونة. قُتلوا جميعًا باستثناء واحد. على أثرها، أمر النبي محمد، الذي حزن عليهم كثيرًا، بغارة لمعاقبة قتلة صعصعة الذين اختفوا في الجبال. وعادت البعثة بالإبل والغنائم.
تلقى النبي محمد أنباءً عن أن قبائل من بني غطفان كانوا يتجمعون في ذات الرقاع لأغراض مشبوهة. وتقدم محمد نحو نجد ومعه 400 شخص. فلما وصل المسلمون لم يجدوا التجمهر الذين انصرفوا إلى الجبال. وهكذا انتهى الخطر المحتمل، ولم يحدث أي قتال.
انه من الممتع أنه خلال حملة ذات الرقاع، جاء رجل بعش طير يحمله فيه فراخ فاقبلت امهن حتى وقعت عليهن معهن وابت الا لزومهن فقال رسول الله لأصحابه:
” أتَعْجَبُون لرُحْم أمِّ الأفراخ فراخَها؟ ؟ ” قالوا نعم يا رسول الله قال ” فوالذي بعثني بالحق لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن ” فرجع بهن.” سنن أبي داود، السيرة ج 2 34
قريش لم تزل مصرة ان لا تترك المسلمين يعيشوا حياتهم. وواصلت حملاتها ضدهم فجمعت العديد من القبائل للانضمام إليهم لمهاجمة المسلمين في المدينة من العام المقبل.
من المعلوم أن حيي بن أخطب، زعيم قبيلة بني النضير اليهودية، لعب دورًا كبيرا في إثارة قريش وغطفان والعديد من القبائل العربية لتشكيل تحالف لمهاجمة المسلمين في معركة الاحزاب أو الخندق عام 627 م.
أعدت قبيلة النضير 2000 رجل و300 فارس وأقنعت قبائل أسد وسليم بالانضمام إلى الحلف. وفي خلال عام وصل الحلف إلى ما يقارب 10000 شخص، وخرجوا لمهاجمة المسلمين في المدينة. ما هو مصير نحو 2500 مسلم يواجهون جيشا قوامه 10000 شخص في المعركة؟ هل يمكن أن يعني هذا نهايتهم؟ مرة أخرى، استشار النبي محمد قومه في توصياتهم ومقترحاتهم. وكانت إحدى التوصيات هي توصية سلمان الفارسي الذي اقترح حفر خندق عميق أمام قوات التحالف لمنعهم من الوصول إلى المدينة. الامتنان والشكر لرسول الله على مشورة الآخرين، ورأي سلمان القيم.
وسرعان ما خطط النبي محمد ﷺ عملية مفصلة ومتكاملة لحفر الخندق. وفي غضون 25 يومًا، وفقط، قبل وصول الأحزاب، اجتهد المسلمون في حفر خندق ضخم، عرضه حوالي 4 أمتار، وعمقه من 4 إلى 6 أمتار، وطوله حوالي 2000 متر. لا يمكن لأي شخص على ظهر حصان عبور الخندق بسهولة قبل مواجهة الخط الأول من دفاع المسلمين. تفاجأ الأحلاف عندما واجهوا الخندق ولم يتمكنوا من عبوره. ومع ذلك فقد نزلت جيوش قريش أمام الخندق. لقد فشلوا في إدخال المسلمين في معركة للأيام القليلة القادمة.
وبعد ذلك، قام شعراء قريش (عمرو بن ود العامري وضرار مرداس) لفظيًا باغراء المسلمين على القتال، وإلقاء قصائد تسب المسلمين وتذلهم وتستفزهم على القتال، ولكن دون جدوى. ويستمر المسلمون في الامتناع عن دخول المعركة. واستمر حصار قريش للمدينة أربعين يومًا. وفي هذه الأثناء حاول فرسان قريش مراراً وتكراراً عبور الخندق لكنهم فشلوا. والشكر للمسلمين الذين كفوا أيديهم عن التحدي ولم يرتكبوا العنف أو سفك الدماء. وبعد نفاذ الخيارات، دعا وأقنع حيي بن أخطب كعب بن أسد، زعيم قبيلة قريظة، بنقض العهد مع محمد وطعن المسلمين في الظهر. وهذا يعتبر خيانة كبرى.
وفي هذه الأثناء، أقنع النبي محمد قبيلة غطفان، احدى قبائل الاحزاب العملاقة، بالانفصال عن قريش. أدى رحيل غطفان إلى تدهور الأوضاع وإضعاف الحلف بشكل كبير. وأدرك زعماء قريش عجزهم عن تورط المسلمين في القتال، وان إمداداتهم من الغذاء والماء تستنزف بسرعة. وإلى جانب هذا كله تأتي معونة الله – ريح شديدة تضرب الرمال والأتربة في وجوه أفراد الحلف، ويهدم خيام قريش وممتلكاتها، مما يعرضهم للطقس البارد. هذه العوامل مجتمعة دفعت زعماء قريش إلى إعلان الانسحاب والعودة إلى مكة.
وكان الانسحاب بمثابة انتصار كبير للمسلمين. لقد استنفدت قريش كل إمكاناتها؛ وكانت الأحلاف أقصى هي ما تستطيعه (الجرعة الأخيرة). وفي وصفه لإرهاقهم الحربي، قال النبي محمد لأصحابه: “الآنَ نَغْزُوهُمْ ولَا يَغْزُونَنَا.” البخاري. وبعد فترة وجيزة من انسحاب الحلف، شرع رسول الله في تأديب قبيلة قريظة بسبب خيانتها خلال معركة الخندق.
وهل ينبغي أن يكون تَشَعثْ هذا الحلف والقضاء عليه مثالاً آخر على مسعى الإسلام نحو الأمن والسلام؟ بل بالإضافة على ذلك، كان ذلك عملاً أدى إلى القضاء على المزيد من الأعمال العدائية اللاحقة وانعدام الأمن وإراقة الدماء.
ما أن أصبح واضحا أن المجتمع الإسلامي أصبح في مأمن من التدخل الخارجي، أضحى التركيز على التحديات الداخلية في المجتمع. السلام والامان كثيرا ما يجلب الازدهار والتي معها يأتي الجهاد في تعبئة المجتمع وبعد أن أصبح من الواضح أن المجتمع الإسلامي لم يعد يخشى من المعارضين الخارجيين، أصبحت التحديات أكثر تمركزاً داخل مجتمعاتهم. فبعد غزوة الخندق، وبعد أن أصبح وضع المسلمين أقل خطرًا واستقرارًا، أصبح من الواضح أن المدينة المنورة بحاجة إلى قواعد تنظيمية للمجتمع وقوانين مدنية.
وقد استجاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكثير من اهتمامات الناس التشريعية. وخلال هذه الفترة، كشفت السور والآيات القرآنية عن معايير أخلاقية واجتماعية إضافية. وأصبحت جميع هذه المعايير الأخلاقية والاجتماعية المتعلقة بشؤون الناس اليومية هي الشريعة الإسلامية. يقول الدكتور عدنان إبراهيم:
”إن الشريعة الإسلامية تشبه إلى حد كبير الدستور الذي يتشاور فيه المشرعون والكيانات المدنية في وضع الأنظمة الخاصة بكل منها.“ ويقول الدكتور إبراهيم كذلك: ”إن الشريعة الإسلامية تتعلق بجميع قطاعات المجتمع – قادةً وكيانات حكومية. فالجميع وكل فرد من أفراد الأمة متساوون أمام القانون.” وهذا ما يضمن العدالة والحرية والأمن والكرامة لجميع رعاياها دون استثناء.
انظر فيديو ”هل فهمت حقًا الشريعة الإسلامية“ لأندرو مارش، أستاذ العلوم السياسية المشارك في جامعة أمهرست في ماساتشوستس.
تتجلى الديمقراطية، أي تشارك الناس في الحكم، عند الخلفاء الراشدين الأولين. ولندع خطابي تنصيب الخليفتين يتحدثان عن نفسيهما. الخليفة الأول، أبو بكر.
“أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”.
وبالمثل، كان خطاب تنصيب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“فاتقوا الله، عباد الله، وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.”
ومن المثير للاهتمام أن الشريعة الإسلامية تضمن حماية غير المسلمين وكرامتهم وأمنهم وسلامتهم، لكنها لا تفرض أي قواعد دينية على حياتهم الخاصة. تاريخيًا، كان للمسيحيين واليهود في المجتمعات التي يحكمها الإسلام نظام محاكم خاص بهم تحكمه قوانينهم ومراسيمهم الخاصة. على سبيل المثال، طلبت مجموعة من اليهود من النبي محمد ﷺ التحكيم في قضية بينهم. ومع ذلك، لم يحكم رسول الله في قضيتهم بالشريعة. وبدلاً من ذلك، أمرهم بتطبيق حكم الإنجيل. تنص الفقرة القرآنية على ما يلي:
“وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلْإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ.” ال عمران 47
وفيما يتعلق بموقف الشريعة الإسلامية من غير المسلمين، كتب محمد حميد الله يقول:
”… لقد أضفى الإسلام اللامركزية و“الطائفية“ على القانون والقضاء. في المجتمعات الإسلامية في القرون الوسطى، لم يكن بإمكان القاضي (القاضي الإسلامي) التدخل في أمور غير المسلمين إلا إذا اختار الطرفان طواعية حكم الشريعة الإسلامية. وعادة ما كان للمجتمعات الذمية [المتعاقدة] التي تعيش في الدول الإسلامية قوانينها الخاصة المستقلة عن الشريعة الإسلامية، كما هو الحال مع اليهود الذين كانت لهم محاكمهم الحاخامية الخاصة بهم. ولم تكن هذه المحاكم تشمل القضايا المتعلقة بالجماعات الدينية الأخرى، أو الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، أو تهديد النظام العام.“
https://en.wikipedia.org/wiki/Ottoman_law
نقلاً عن موسوعة بريتانيكا
فيما يتعلق بأنظمة المحاكم المنفصلة لغير المسلمين في الشريعة، تقول الموسوعة البريطانية:
” تضمنت الشريعة الإسلامية الكلاسيكية القوانين الدينية والمحاكم الدينية للمسيحيين واليهود والهندوس، كما رأينا في الخلافة الأولى والأندلس وشبه القارة الهندية ونظام الملة العثمانية.“
https://www.britannica.com/topic/Shariah
علاوة على ذلك، تشرح موسوعة بريتانيكا Encyclopedia Britannica الاختلافات الرئيسية بين أنظمة القانون الغربي والشريعة على النحو التالي:
”تختلف الشريعة في شكلها الكلاسيكي عن أنظمة القوانين الغربية من ناحيتين رئيسيتين. في المقام الأول، إن نطاق الشريعة أوسع بكثير لأنها تنظم علاقة الفرد مع الجيران والدولة، وهو الحد الأقصى لمعظم النظم القانونية الأخرى، وكذلك مع الله وضمير الفرد نفسه… فالشريعة تعنى بالمعايير الأخلاقية كما تعنى بالقواعد القانونية، وتبين ما يحق للفرد أن يفعله أو يلتزم به قانونًا، وما يجب على الفرد أن يفعله أو يمتنع عنه ضميريًا، ولكن هل هناك جزاء قانوني بالعقاب أو الثواب أو البطلان أو الصحة في كلتا الحالتين؟ فالشريعة إذن ليست مجرد نظام قانون، بل هي مدونة شاملة للسلوك تشمل الأنشطة الخاصة والعامة.
والتمييز الثاني المهم بين الشريعة والأنظمة القانونية الغربية هو نتيجة للمفهوم الإسلامي للقانون باعتباره تعبيرًا عن الإرادة الإلهية“.
وقد علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان ليس بالجفاء ولا بالتشدد ولا بالغلو. قال:
”أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة“ السهلة، اليسيرة، المستقيمة“. مسند الإمام أحمد والطبراني
وقد بيَّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذه القصة وصف الإيمان المذكور أعلاه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لقد هلكت. لقد هلكت“. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ”مَا شَأْنُكَ“ ؟ فقال: ”جَامَعْتُ امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ“. فسأله رسول الله: ”هل تستطيع أن تعتق عبدًا؟ فأجابه: ”لا“. فسأله رسول الله: ”هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين“؟ فقال: ”لا“. وسأله النبي – صلى الله عليه وسلم -: ”هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا“ قال: ”لا“. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم. في هذه الأثناء، قدم رجل معه سلة كبيرة من التمر للنبي صلى الله عليه وسلم. فسأله النبي: ”أين السائل؟ فأجاب: ”أنا هنا“. فقال له النبي: ”خذ هذه السلة من التمر وتصدق بها“. فقال الرجل: أفأعطيها من هو أفقر مني؟ فوالله ما بين جبلي المدينة أحد أفقر مني“. فَتَبَسَّمَ النبي – صلى الله عليه وسلم – ضاحكًا ثم قال: ”أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ“. مسلم في صحيحه، 285
إن معالجة محمد – صلى الله عليه وسلم – لقضية ”لقد هلكت“ هذه، بشكل أو بآخر، تكشف بشكل طبيعي تمامًا عن جمال قلبه وطيبته وفهمه وسعة صدره وانفتاحه وعاطفته. فالرجل جاء يقول، ”لقد هلكت“ متوقعًا أن يَحكم عليه رسول الله بقسوة، ولكنه غادر رسول الله بمكافأة! لم تكن المكافأة لنفسه فقط بل لأهله أيضًا.
بيّن محمد أن الإيمان هو الترقي…البشاشة والمرونة واليسر والمحبة. الإيمان يرتقي ويملأ القلوب بالجمال والطمأنينة.
ومع تنامي الإسلام في العديد من الأقطار، ظهر ميل من قبل البعض إلى التطرف في تطبيقه. ومن الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى أن تسير دروس العقلانية والصواب جنبًا إلى جنب مع تعاليم الإسلام. فبينما علّم النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن المرونة والعقلانية والرفعة جزء لا يتجزأ من الإسلام، حذر من الغلو والإفراط والتشدد في الدين. وقال إن الغلو يؤدي إلى الهلاك.
”اتَّقُوا الْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ“. ابن ماجه
كما حذر الله تعالى:
“يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لَا تَغْلُوا۟ فِى دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ.” النساء 171
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ لِخَلْقِهِ الْيُسْرَ وَلَا يُحِبُّ الْعُسْرَ قَالَ:
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر“. البقرة: 185”
لقد كان الاعتدال والتوسط واختيار الأصلح من أي الخيارين من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه الخصال الحميدة هي صفات إيمانية ضرورية لكل مؤمن لأنها مفاتيح الحياة الطيبة للجميع.
عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: ما خُيِّر رسولالله-صلى الله عليه وسلم- بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما.” مسلم
لقد أثرت تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم الإلهية وشخصيته الجميلة تأثيرًا عميقًا في النفوس. لقد أيقظت جمال وعقل الناس ومن احتضنوه ”الصغار والكبار والرجال والنساء والمتعلمين والفلاحين. لقد أيقظت حكمته ومعاييره ومحبته وعي كبار المفكرين والفلاسفة والشعراء والمؤرخين وقادة العالم وأثرت في قلوبهم“. ويقول الدكتور غوستاف ويل في كتابه ”تاريخ الشعوب الإسلامية“:
”كان محمد مثالاً ساطعًا لقومه. كانت شخصيته صافية نقية نقية… متواضعًا لدرجة أنه لم يكن ليتلقى من أصحابه أي علامة خاصة من علامات التبجيل، ولا يقبل من خادمه أي خدمة يمكن أن يقدمها لنفسه. كان في متناول الجميع وفي كل الأوقات. كان يزور المرضى وكان مليئًا بالعطف على الجميع. وكان إحسانه وكرمه غير محدود كما كان اهتمامه وحرصه على رفاهية المجتمع غير محدود“. فايل، الدكتور غوستاف في بروكلمان، كارل (محرر): تاريخ الشعوب الإسلامية، كورنويل 1947. المرجع 2 صفحة 158
لقد امتد مثال محمد صلى الله عليه وسلم في الرحمة وقبول الجميع ليشمل المؤمنين من جميع الأديان. لا ينبغي أن يكون اعتزاز المرء بمعتقداته أساسًا لازدراء قيم الآخرين. وعلى عكس ما يدعيه المتطرفون والمتعصبون، فإن الإسلام يعتز بحرية الاعتقاد. ويذكر الدكتور مصطفى زيد الأزهري في مجلدين من 600 صفحة من كتابه ”آيات القرآن المنسوخة“ أن هناك 141 آية في القرآن تدعم حرية الاعتقاد. علاوة على ذلك، احتقر الإسلام الاضطهاد الديني. يقول القرآن إن الإيمان لا يصح إلا بالاقتناع القلبي وليس بالإكراه:
“قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ. فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ“. البقرة 18
في آية أخرى، قال الله تعالى:
”لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. فَقَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ“. البقرة 256
:كما هو صريح أن تكون الصراحة -يأمر الله -سبحانه وتعالى- أن لا يؤمن أحد بأي دين من الأديان، بما في ذلك الإسلام؛ يقول الله تعالى:
”وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ! أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ!“. يونس 99
إن حرية المرء في اختيار معتقداته وحرية التعبير عنها أمران أساسيان في تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم. لم يكن دور رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض هو فرض معتقدات معينة، بل كان دوره صلى الله عليه وسلم هو تبليغ كلام الله وترك الناس يختارون معتقداتهم ويعيشون بها. قال الله سبحانه وتعالى:
”قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ. وَقُلْ إِنِّي لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ بِمَا تَعْمَلُونَ“. الأنعام 104
وجاء في آية أخرى:
”مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [يحكم بينهم]“. النساء 80
ومقطع ثالث:
”وَإِنْ تَوَلَّوْا [عن هدايتك يا أيها النبي فاعلم أنه]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا: ليس عليك أكثر من تبليغ الرسالة [الموكلة إليك] …“ الفتح 42
وقد خلق الله تعالى بحكمته الناس قادرين على التمييز بين الخير والشر، وأطلق لهم حرية اختيار طريقهم وإيمانهم. ثم إن الإسلام بعد ذلك يؤيد الطبيعة البشرية في التفكير الحر. وفي الوقت نفسه، ذمّ من يتسلط على عقيدة المرء، لأنه يخالف ركن الله الأساسي في ”حرية الاعتقاد“. فالشريعة الإسلامية تعترف بالأخلاق والصفات الأخلاقية التي تنطبق على جميع الناس على حد سواء، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية.
لقد كان وضع المرأة في المنزل والمجتمع والحكومة والمجتمع مصدرًا للنقاش والصراع في كثير من الأحيان منذ البداية، ولا يزال كذلك. فمنذ المجتمعات القديمة وحتى مجيء النبي محمد في القرن السابع الميلادي، ”كانت المرأة تتوسل إلى سيدها الرجل يائسة من أجل إنصافها وإنزالها مكانتها، لكن نداءها ظل غير مسموع ومهملًا“. لم تكن الجزيرة العربية مختلفة. كانت النساء أدنى من الذكور في جميع النواحي ويعاملن ككائنات ذليلة عديمة القلب. ومع ذلك، وبشكل لافت للنظر ومدهش، غيّر رسول الله صلوات الله عليه من منظور مكانة المرأة إلى الأبد. ففي المدينة المنورة، استمع محمد بعناية إلى أحزانهن ومظالمهن، فاكسبهن كرامتهن ومكانتهن وشرفهن المجتمعي. قال:
”ما كرمهن الا كريم وما اهانهن الا لئيم.” كنز العمال
”خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ.وأنا خيركم لأهلي.“ سنن ابن ماجه
وجعل مكانة المرأة مساوية لمكانة الرجل، فقال صلى الله عليه وسلم
”النساء شقائق الرجال“. سنن أبي داود
روى أنس خادم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن امرأة كبيرة السن جاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأخذت بيده وهي تقص عليه قصتها. فجلس معها بصبر ثم ساعدها في حل مشكلتها. البخاري
كما كان يقدس دور الأمومة. جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
“يا رسول الله، مَنْ أحقُّ الناس بِحُسن صَحَابَتِي؟ قال: «أمك» قال: ثم مَنْ ؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: «أبوك».” متفق عليه. البخاري
وَطَاعَةُ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ وَاجِبَةٌ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ
”الجنة تحت أقدام الأمهات“. السيوطي
كما أن استحقاق الجنة يأتي أيضًا من الاستماع إلى الأم ومعاملتها معاملة حسنة. حقوقها في الميراث والزواج والطلاق مثل حقوق الرجل. وقد علَّم رسول الله أن موافقة المرأة شرط في انعقاد النكاح. وجاء في القرآن الكريم:
”لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا“. النساء 7.
ومن خلال احترامه لشخصية المرأة وعواطفها وعزتها كان النبي محمد يتفهم رغباتها واحتياجاتها ومشاعرها كما وهبها الله. كان النبي محمد عند عودته من مهماته اليومية
الرجال من المدينة، يخيم خارج المدينة لإعطاء النساء فرصة لتمشيط شعرهن وتجديده وتهيئة أنفسهن لأزواجهن. السيرة ج 2 ص 33
وبالمثل، أنيتا رأى في ”محمد، كشف النقاب عن القصة الحقيقية،“ تقول:
”بالنسبة لي، يكفي أن محمداً هو أعظم نسوي عرفه العالم حتى الآن ولم يعرفه العالم إلا قليلاً… أنا شخصياً ممتنة لمحمد امتناناً لا حدود له. فهو لم يتعاطف فقط مع صوت بكاء المرأة اليائسة والمستغلة. ومع ذلك فقد اتخذ تدابير جليلة ضارباً بعرض الحائط كل معارضة للتخفيف من نصيبها وتقويتها من الناحية الواقعية. فعلى مدى عصور وعصور، وجدت المرأة نفسها تتوسل وتتذلل أمام سيدها الرجل، ولم تكن توسلاتها التي تدمي القلب من أجل العدالة مسموعة ولا تلقى آذانًا صاغية. غير محمد هذا الوضع إلى الأبد. لقد أخرج محمد المرأة من موقفها المحرج. لقد انتشلها محمد من عبوديتها للرجل لتكون سيدة نفسها. لقد حوّلها محمد من متسولة إلى صاحبة حق وصاحب مصلحة قوية. كان محمد قد استمع بعناية إلى أحزانها وويلاتها. كان محمد قد استمع إليها بصبر محب ورأفة وقلب يفيض بالعطف والتفهم.
كان محمد قد عالج شكواها وفقًا للأمر الإلهي حتى قبل أن تشتكي. كان محمد قد وجد مكان ألمها ورتب لها الشفاء. كان محمد قد وجد لها؛ هويتها المفقودة. عرّفها محمد بمكانتها وأهميتها الحقيقية. كان محمد قد قدم للمرأة شخصيتها وعزتها كما وهبها الله. لقد كسب محمد للمرأة ما انتزع منها في مكان ما على طول الطريق – احترامها وحقوقها. لقد منح محمد المرأة حريتها. حوّل محمد المرأة من كونها غير ذات كيان إلى فرد واثق من نفسه. أعاد محمد للمرأة مجدها. كان محمد ولا يزال نصير المرأة الذي لا مثيل له. في كل هذه الأقسام من الأنشطة، فهو بمثابة بطل!“. (راي، أنيتا، أنيتا، محمد، كشف القصة الحقيقية، 2007، المرجع 2، صفحة 159)
وبعد أن ضمن المسلمون الصلح مع خيبر، وكانت غزوة قريظة آخر قشة في يد قريش، بدت استراتيجية المسلمين مناسبة تماماً لمواجهة قريش. ومع ذلك، من السهل أحيانًا أن ننسى أن إحدى فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرئيسية كانت تقديم التنازلات في ظل المواقف الصعبة. فما قد يبدو ظاهريًا هوة لا يمكن عبورها، سرعان ما كان يبني جسرًا يجمع بين الطرفين المتعارضين في تسوية متبادلة. وكانت اللبنة الأولى في جسره التالي هي إتمام مناسك العمرة أو الحج الأصغر إلى مكة.
تقليديًا، لم يكن بامكان قريش منع الحجاج من أي عرق أو دين من أداء المناسك في البيت الحرام. وبما أن المسلمين كانوا جزءًا من الديانات الإبراهيمية، فقد كان يحق لهم أداء المناسك. وقد رأى النبي محمد بروحه التصالحية العميقة فرصة جيدة للتصالح والسلام مع قريش. ومن هذا المنطلق، دعا رسول الله الناس جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، إلى الانضمام إليه في رحلة لأداء العمرة أو الحج الأصغر. وقد توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ومعه 1400 من أتباعه لأداء مناسكهم.
ولما علمت قريش، خادمة البيت الحرام، بتحرك المسلمين، أرسلت خالد بن الوليد على عجل مع خمسين فارسًا ليصدوا المسلمين قبل أن يصلوا إلى حدود مكة المكرمة. فإذا ما دخل المسلمون حدود المدينة المقدسة، فلن تستطيع قريش أن تصدهم لأن قريشًا ستخل بواجبها في دخول الناس إلى مكة. ولم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كعادته ليواجه الخمسين راكبًا.
وعلى الرغم من أن الحجاج المسلمين كانوا أكثر عددًا وكان بإمكانهم أن ينتصروا انتصارًا سهلاً على قريش، إلا أن النبي الحصيف سلك طريقًا آخر عبر أودية غير مستخدمة وضيقة وصخرية للوصول إلى مكة. ومن خلال هذا التغيير، جاءت الفرصة لتحقيق الأمن وتجنب العنف. عند وصولهم إلى الحديبية، بالقرب من مكة، خيم المسلمون لمدة خمسة أيام. وفي اللحظة التي ترجل فيها عن ناقته، أعلن محمد الحليم:
”والذي نفسي بيده لا يسألوني (أي قريش) خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها“. النِّهَايَة 2/ 48 السِيرَة مُجَلَّد للزايد 2، ص 99.
وقد بدأ الحوار، وأبلغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قريشاً أنه لا ينوي إلا أداء العمرة، فرفضت قريش ذلك. واصرت قريش على عدم السماح للمسلمين بدخول مكة. وعلاوة على ذلك، حاولت قريش تحريض المسلمين على القتال لأن القتال داخل الحرم سيمنعهم تلقائيًا من دخول البيت الحرام.كما سجنت قريش مبعوث النبي، عثمان بن عفان، لتحريض المسلمين على سفك الدماء. إلا أن رسول الله لم يكتفِ بعدم القيام بأي عنف، بل إنه أعاد ثمانين أسيرًا من المهاجمين الذين تم أسرهم سالمين إلى قريش، مما جعل سعيهم لاستخدام العنف يفشل. أما الدبلوماسية، من ناحية أخرى، كانت لا تزال مستمرة. كان الحُلَّاث بن علقمة المبعوث التالي. وكان زعيم الأحباش في مكة.
وكانت قبائل الأحباش متعاقدة مع قريش لحمايتها وفي المقابل كانت قبائل الأحباش تتولى رعاية الحجاج. ولما كان الحُلَّاث في طريقه إلى المسلمين رآهم في في ثيابهم البيضاء وبجانبهم ثمانون أضحية ترعى. فلم يكن مقتنعاً بنية المسلمين الخالصة في الحج فحسب، بل كان يرى أن قريشاً قد أخلت بميثاقها برفضها دخول الحجاج إلى مكة. ولذلك عاد إلى قريش دون أن يلتقي بالنبي صلى الله عليه وسلم. كان خطابه لقريش:
”يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا كَانَ حِلْفُنَا مَعَكُمْ عَلَى مَنْعِ النَّاسِ مِنَ الْحَجِّ. فَكَيْفَ تَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ دُخُولِ بَيْتِ اللَّهِ؟ وَالَّذِي نَفْسُ الْحَارِثِ بِيَدِهِ لَتَأْذَنُنَّ لِمُحَمَّدٍ بِمَا جَاءَ بِهِ، أَوْ لَأَدْعُوَنَّ الْأَحْبَاشَ إِلَى الثَّوْرِ عَلَيْكُمْ وَنَقْضِ حِلْفِنَا“.
وكان عروة بن مسعود الثقفي، وهو زعيم بارز من زعماء قبيلة ثقيف من الطائف، من سفراء قريش إلى رسول الله. وبعد ساعات من الحوار والمفاوضات مع رسول الله، عاد عروة إلى قريش بهذا الخطاب:
”يا زعماء قريش: والله لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر والنجاشي والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً، فَوَاللَّهِ لَا يَدَعُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ أَذًى يُصِيبُهُ. فأنشدكم الله أن تعيدوا النظر في موقفكم من محمد“.
وبعد خمسة أيام من المفاوضات الدبلوماسية العسيرة، والفشل في حمل المسلمين على القتال، والنتائج السياسية المترتبة على صد الناس عن زيارة البيت الحرام، والضغوط المتزايدة من السفراء المفاوضين، أخيرًا وافق زعماء قريش على الدخول في هدنة مع المسلمين. وبناءً على ذلك، أرسلوا مفاوضهم للسلام سهيل بن عمرو. وعندما رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المبعوث الجديد سهيل بن عمرو استبشر قائلاً: ”قد سهل لكم أمركم“.
بعد ذلك، حدثت تسوية ومصالحة غير مسبوقة مع قريش، مما أثار استياء الصحابة المقربين من النبي صلى الله عليه وسلم وضد كل معتقدات أصحاب العقليات المتصلبة التي كانت تؤطرها الجاهلية القديمة، ”الجاهلية: هي الميل إلى العنف والانتقام والتكبر على الاستسلام أو إعادة النظر في الأمر بشكل مختلف“. -كارين أرمسترونغ
وبعد ساعات طويلة من المناقشات الساخنة أحيانًا، جاءت شروط التفاوض النهائية التي اتفق عليها النبي محمد وسهيل بن عمرو، وهي ”هدنة بين قريش والمسلمين لمدة عشر سنوات. ألا تفرض قريش نفوذها السياسي على القبائل العربية، ومن ينضم إلى معسكر المسلمين فهو حر في ذلك. ولا يقع بين الطرفين غدر وعداوة، ولا بد من التأكيد على أعمال المحبة والرعاية. ويعود المسلمون إلى المدينة المنورة دون أن يؤدوا العمرة- وهذا ما أفقدهم زيارة البيت الحرام، التي كانت الغاية الوحيدة من هذه المغامرة . – وعلى المسلمين أن يعودوا في العام التالي لأداء المناسك. وعلى المسلمين أن يردوا المكيين الذين أسلموا إلى مكة، ولكن قريشًا غير ملزمة بالرد بالمثل على المسلمين الذين ارتدوا عن الإسلام. والبند الأخير يقضي بإعفاء القبائل العربية من المعاهدات السابقة مع قريش، والسماح لهم باختيار التحالف مع المسلمين أو قريش.
بالنسبة لبعض الحجاج، كانت شروط المعاهدة محبطة. فلم يستطع الحجاج القتال ولا إكمال زيارتهم لبيت الله الحرام. لقد تبدد حلمهم، على الأقل في الوقت الراهن.
حول هذا تقول كارين أرمسترونغ، في كتابها “محمد، سيرة النبي”:
”لقد كان محمد صانع سلام. خاطر بحياته وكاد أن يخسر ولاء أقرب أصحابه إليه لأنه كان مصممًا على الصلح مع قريش. فبدلًا من خوض حرب ضروس حتى الموت، كان محمد مستعدًا للتفاوض والتنازل. وقد أثبت هذا الإذلال الظاهر على حد تعبير القرآن أنه فتح عظيم“.
وقد أبدعت كارين أرمسترونغ في تصوير حال المسلمين عند الاتفاقية، فقالت:
”كان التمرد في الأجواء. لقد تحطم التضامن الهش الذي وحد الحجاج طوال هذه الحملة الخطيرة… فوثب عمر [قائد بارز وأصبح الخليفة الثاني] على قدميه وهرول إلى أبي بكر [قائد بارز آخر أصبح الخليفة الأول]. فقال: ”ألسنا مسلمين وهم مشركون؟ ”لماذا نوافق على ما هو مهين لديننا؟ كان أبو بكر منزعجًا أيضًا، لكنه استطاع أن يجيب أنه على الرغم من كل شيء، كان لا يزال موقنا بالنبي“. ص 127
”وعندما نظر إلى وجوه الحجاج المذهولة البائسة، اضطر محمد أن يخبرهم أن عليهم قبول شروط المعاهدة لأنها وحي من الله….
وتوترت الأجواء أكثر عندما سمع المسلمون صيغة المعاهدة.
واستدعى محمد عليًا ليكتب ما يمليه عليه. وعندما بدأ بصيغة المسلمين المعتادة – ”بسم الله الرحمن الرحيم“ اعترض سهيل. لطالما وجدت قريش أن هذه الصفات لله تعالى هُتر لذلك أصر على أن يبدأ محمد بالصيغة الأكثر تقليدية: ”باسمك اللهم“. مما أثار مخاوف المسلمين هو موافقة محمد دون تردد.
وكان الأسوأ من ذلك أن يتابع محمد الصيغة: ”هذه هي المعاهدة التي اتفق عليها محمد رسول الله مع سهيل بن عمرو“. ومرة أخرى، قاطعه سهيل. فلو كان يؤمن بأن محمدًا هو رسول الله لما حاربه كل هذه السنين. ثم طلب من محمد أن يستخدم اسمه واسم أبيه بالطريقة المعتادة. وكان علي قد كتب بالفعل عبارة ”رسول الله“ وأخبر محمداً أنه لا يستطيع أن يحذفها، فمد رسول الله يده للقلم وطلب من علي أن يشير إلى الكلمات التي على الرق وشطبها بنفسه. وتابع: ”هذا ما اتفق عليه محمد بن عبد الله مع سهيل بن عمرو“.
في هذا التوقيت الصعب للغاية، وبينما كان يجري توقيع المعاهدة، ظهر أبو جندل ابن سهيل على الساحة. كان قد اعتنق الإسلام، ولكن سهيل كان قد حبسه في المنزل ومنعه من الهجرة إلى المدينة. أما الآن فقد تمكن من الهرب ووصل منتصراً ليلتحق بالمسلمين في الحديبية وهو يجر أغلاله وراءه. وضرب سهيل بقبضة يده في وجه ابنه، وأمسك بقيوده والتفت إلى محمد. هل سيفي بوعده ويرد هذا المرتد إلى ولي أمره الشرعي؟ لم يتعثر محمد، رغم أن أبا جندل صرخ في حسرة وسهيل يجره إلى مكة: (أتردونني إلى المشركين ليفتنوني عن ديني يا معشر المسلمين؟) [والحجاج يتفرجون في حسرة، وأبو جندل يزيد ماءهم العكر عكراً،] وبالنسبة لعمر كانت هذه هي القشة الأخيرة… ومرة أخرى قفز على قدميه وصاح في وجه الرجل الذي اتبعه بإخلاص لمدة اثني عشر عاماً.
ألم يكن هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألم يكن المسلمون على حق وأعداؤهم على باطل؟ ألم يكن محمد قد أكد لهم أنهم سيعودون للصلاة في الكعبة مرة أخرى؟ فأجاب محمد بلطف: (بلى يا عمر) ولكن هل وعدهم محمد أن يعودوا إلى بيت الله الحرام هذا العام؟ فصمت عمر صمتاً متجهم الوجه، فأكمل محمد بحزم: (يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا“. ثم، على الرغم من حيرته المريرة، هدأ عمر ووضع يده على المعاهدة على مضض. ولكن الحجاج كانوا لا يزالون غاضبين، وكانت هناك لحظة خطيرة بدا فيها أنهم على وشك التمرد.
وأعلن محمد أنهم وإن لم يصلوا إلى الكعبة، إلا أنهم سيكملون الحج هناك في الحديبية: على المسلمين أن يحلقوا رؤوسهم وينحروا إبلهم، كما لو كانوا في قلب مكة. وساد صمت مطبق، وحدق الحجاج في وجه محمد متجهمين، رافضين ضمنيًا الطاعة. وأخيرًا، وفي حالة من اليأس، تراجع رسول الله إلى خيمته. ماذا كان بوسعه أن يفعل؟ سأل [زوجته] أم سلمة. وكان تقديرها للموقف صحيحًا. كان على محمد أن يخرج، ودون أن ينطق بكلمة أخرى، أن يذبح الناقة التي نذرها لله. لقد كان قرارًا صائبًا تمامًا. اخترق سفك الدماء هذا السبات والاكتئاب. وعلى الفور، تهافت الرجال على ذبح إبلهم وحلقوا رؤوس بعضهم البعض بحماسة شديدة لدرجة أن أم سلمة قالت فيما بعد أنها ظنت أنهم سيصيبون جراحًا قاتلة في هياجهم الورع“.
إن ما أبداه محمد صلى الله عليه وسلم من مرونة ودبلوماسية وإعادة النظر في مواقفه وقبول الذل المتصور هو بصيرة ربانية لا هزيمة وسلبية. لقد أثبتت كل هذه المصالحات أنها كانت عند الله ”نصرًا عظيمًا“. ولم يمض وقت طويل على توقيع المعاهدة حتى نزل وحي سماوي يؤيد موقف رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو سورة الفتح. قرآن 48:1
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًۭا مُّبِينًۭا 1
لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطًۭا مُّسْتَقِيمًۭا 2
وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا 3 هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوٓا۟ إِيمَـٰنًۭا مَّعَ إِيمَـٰنِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًۭا ٤
المعاهدات السياسية تبطل ما دونها
إن من الأسس السليمة التي يقوم عليها المجتمع هو قدرته على مقاومة إغراء الغدر ونقض العهود مع جيرانه، مما يخلق حالة من عدم الأمان وانعدام الثقة. وفي حين أن إنكار حماية أبي جندل، النبي – صلى الله عليه وسلم – يبدو ظاهرياً غير منصف، إلا أن الفهم الأعمق لمبادئ الإسلام يظهر أن فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هو الأنسب. وفيما يتعلق بهذه المسألة، قال الدكتور عدنان إبراهيم:
”إن الاتفاقات السياسية مع غير المسلمين لحفظ السلام والأمن تنسخ جميع المبادئ الإسلامية العامة الأخرى“.
الهدف الأسمى من الإيمان بالله تعالى هو عمارة الأرض، حفظ الأمن والأمان، التقوى والعدل. بيّن الدكتور إبراهيم أن حفظ الأمن بين المجتمعات والأمم أولى من إعانة الأفراد ثم على نقض الهدنة وتعريض السلام للخطر. ولذلك أمر الوحي السماوي المسلمين جميعًا بحفظ هذا المبدأ، فقال تعالى:
”… وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ.“ الأنفال 72
أدرك محمد رسول الله أن السلام يمكن أن يحقق أكثر بكثير من العنف. وبمرور الوقت، أثبتت معاهدة الحديبية أنها كانت انتصارًا أكبر. فقد فتحت الأبواب أمام بناء السلام والاستقرار الذي كان المسلمون يتوقون إليه خلال الثمانية عشر عامًا الماضية.
علاوة على ذلك، فإن الحضارة تتطلب استقرارًا سلميًا واجتماعيًا واقتصاديًا. ولهذا الغرض، تجنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم العنف وساعد على خلق مجتمعات متناغمة.
والآن، يمارس المسلمون عقيدتهم في أجواء هادئة ورعاية. دخل كثير من الناس في الإسلام. ولم تعد القبائل البدوية تحت قيود قريش وقبضتها. وانضمت العديد من القبائل بحرية إلى التحالف الإسلامي. انظر, https://www.youtube.com/watch?v=jwKDCb-U70Y
إن أعمال العنف هي ببساطة أدوات للتدمير – تدمير التحالفات والأرواح والممتلكات، وفي نهاية المطاف، تدمير الثقة والاحترام بين شعوب الأرض. إن الدبلوماسية والتفاوض والمصالحة هي وسائل أكثر فاعلية لإحداث تغيير. تأمل شرط المعاهدة الوحيد الذي ظنه بعض المسلمين مهينًا لعدم مساعدة المسلمين القرشيين الجدد. وقد تبين أن هذا الشرط نفسه أضر بقريش. إذ اعتنق عدد من القرشيين الإسلام ولكن لم يُسمح لهم بالانضمام إلى المسلمين في المدينة، ففروا من أهلهم، وابو جندل معهم إلى منطقة على البحر الأحمر. وهناك عرقلوا قوافل قريش التجارية وهددوا تجارتهم. ونتيجة لذلك، كتبت قريش إلى محمد أن يزيل شرط إبعاد القرشيين الذين يعتنقون الإسلام، وأن يجلب إلى المدينة من تجمعوا عند البحر الأحمر. وكان من السهل على رسول الله، أن يرفض طلب قريش بسهولة، ولكنه قبل هذا الطلب بكل سهولة، وكتب إلى قائد جماعة البحر الأحمر أن يلحق به مع بقية المسلمين هناك في المدينة. لم يكن النبي محمد ليخالف حكم الله في حفظ الأمان، حتى بالنسبة لأعدائه. ففي النهاية هو الذي علّم:
”إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَتْكِ (أي الاغتيال والاعتداء والهجوم بشراسة والسحق والتدمير والتخريب والاستئصال)، الْمُؤْمِنَ لَا يَفْتِكُ“. سنن أبي داود
و الأبلغ من ذلك أن الله عز وجل أيد توصية خصم موسى عليه السلام بأن يكون من المصلحين لا من الطاغين.
”فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِٱلَّذِی هُوَ عَدُوّ لَّهُمَا قَالَ الْعَدُوُّ: يَا مُوسَى! أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ؟ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ“. القصص 19
وقد جاء وقت الوفاء بالعُمرة في صلح الحديبية التي تنص على أنه يمكن للمسلمين أن يعودوا إلى مكة بعد عام من توقيع المعاهدة، وقد جاء وقت الوفاء بالعمرة، وهو من أدق الاختبارات لفاعلية الصلح. ومع ذلك، فإن المسلمين لديهم قلق مبرر. ماذا لو لم َتفِ قريش بوعدها بالهدنة واعتدت على الحجاج أثناء دخولهم مكة أو أثناء أدائهم المناسك؟
الفهم الخارج عن نطاقه التاريخي يمكنه الوصول إلى نتيجة خاطئة بسهولة. مثلا من أجل فرضية المسلمين في احتمال هجوم قريش عليهم وهم يقيمون شعائر عمرة القضاء، الله تعالى أنزل الآيات 190 و 191 حتى 203 من سورة البقرة فيما يخص هذه الفرضية.
ايضا، يمكن بسرعة تزييف التفسيرات الخارجة عن السياق على أنها آيات تخاطب المسيحيين أو اليهود، وليس لنقض الوثنيين للمعاهدة، كما هو المقصود هنا. لقد وجه الله قلق المسلمين للنقض الوثني للمعاهدة كما في الوحي: البقرة 190-191: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ . [190]. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ [إشارة إلى قريش الذين ظلوا 14 سنة يطردون المسلمين من مكة]، لأن الاضطهاد الديني [الذي سلطته قريش عليكم] أشد من القتل [دفاعًا عن النفس وحرية العقيدة،] ولكن “لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا إذا [بدأوكم] بقتالكم فيه. فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ. [بِحُرْمَةِ البيت الحرام]“. [191]
فإذا انتقضت الهدنة، كان على المؤمنون أن يقتلوا المشركين حيثما وجدوهم ويطردونهم. وإلا فقد أُمر المسلمون بحفظ حرم الكعبة بعدم القتال فيه (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ) .
ولمزيد من الفوائد السياقية، انظر الآيات 2: 189 إلى 203 التي تفصّل مناسك العمرة.
لاحظ: في الآية 2: 190، الفاعل في الفعل ”يقاتلون“ هو جملة (الذين يقاتلونكم) أي قريش. ولذلك لا يمكن أن يخطئ أحد من الكافرين الآيات هو قريش. وكذلك في الشطر الأول من الآية 191 فإن الفاعل للافعال ”وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أيضاً قريش، لأنهم هم الذين طردوا المسلمين من مكة. أما بالنسبة للجزء الثاني من الآية 191، فقد ذهب معظم مفسري القرآن إلى أن كلمة ”كفار“ تعني مشركي قريش. وخصّ مفسرون آخرون التركيب النحوي للجمل. فأشاروا إلى كفار قريش الذين ارتكبوا القتل داخل الحرم المكي.
وقد انحاز الدكتور فتحي عثمان في كتابه ” مفاهيم القرآن ” إلى من أخذ بالمعنى الأخير. ان تفسير الدكتور عثمان هو الأدق لأن جزاء القتل هو موضوع الجزء الثاني من الآية 2: 191 “الَّذِينَ كَفَرُوا بِحرْمَةِ” البيت العتيق. وفي كلا التفسيرين، لا يمكن أن يؤخذ “الذين كفروا” في الآية 2: 191 على أنها تعني النصارى أو اليهود أو أي قوم آخرين غير قريش. ومن الإنصاف أن ننظر إلى الأمور في سياقها الصحيح، إذ يمكن أن تتطور مفاهيم مضللة في غير هذا السياق. المزيد من الآيات القرآنية التي تم تفسيرها بشكل خاطئ في إعادة مكة إلى حرمتها الاولى وتطهيرها من عبدة الأوثان لكونها قبلة الموحدين أدناه.
ووفقًا لمعاهدة صلح الحديبية، كان على المسلمين أن يعتمروا في العام المقبل (عمرة القضاء). إلا أن إحتمال أن تنقض قريش عهدها وتهجم على المسلمين العزل من السلاح إذ يعتمرون. هذا الاحتمال والخوف من هجوم مفاجئ هو الذي دعى رسول الله ص ليجند مائتي فارس مع خيولهم خارج مكة متأهبين للدفاع عن المسلمين ان هجمت عليهم قريش. وفي هذا الموضع أنزل الله تعالى على نبيه آيات بينات تأمره بقتال المشركين إن بدؤوهم بالقتال وأن لا يقاتلونهم في المسجد الحرام إلا إذا قاتلوهم فيه. انظر الفخر الرازي، التفسير الكبير ج ٢، ص ١٣٩، يقول الله تعالى:
“وَقَـٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ.
وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَـٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ.” البقرة ١٩١-١٩٠
اتخذ بعض المغالين من المسلمين هذه الآية ذريعة لقتال الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، بعيدا عن موضعها التاريخي الواضح. فمشركي قريش هم من قاتل المسلمين وأخرجوهم من ديارهم.
من شأن العمرة، الى جانب القيام بالنسك الدينية، تعزيز التواصل الاجتماعي والمتاجرة بين الناس و في التقاء الأدباء والشعراء،. ولما كان حب رسول الله ص لإفشاء الأمان وازالة الحواجز وتوحيد الناس متأصل فيه، كان يطمع بايصال الإسلام الى المعتمرين في موسم العمرة هذه. الا ان قادة قريش التي لا ترغب من الناس الاتصال بالمسلمين خوفا لاسلامهم، أمرت الناس أن يخرجوا من مكة الى اعالي الجبال، محتالة، كذبا، أن المسلمين موبوئين بحمى يثرب.
كما ذكرنا مسبقا في الفقرة صلح الحديبية 628 م، أنه من مسؤوليات قريش أن لا تمنع الناس من الحج أو الاعتمار إلى بيت الله الحرام. فحتى تبعد عن نفسها خرق عهودها في صدها الناس عن الاعتمار، كذبا، ابتدعت مرض المسلمين، كذريعة، وأشاعت بين الناس أن المسلمين مصابون بحمى يثرب. وهذا التدليس من شأنه عزل الناس عن المسلمين. لم تكن خطة قريش في العزل ناجحة تماما، فقد بقي الكثير من المعتمرين وأبناء قريش في مكة ليشاهدوا المسلمين وهم يؤدون المناسك، ربما عن حذر او رغبة.
كرد فعل من رسول الله ص على تزوير قريش للحقيقة وكشف نوايا قادتها، أمر النبي المسلمين أن يُرُوا قريشاً من أنفسهم قوة (رحم الله من أراهم من نفسه قوة،) وان يرتدون الرداء الابيض كالمعتاد ولكن ان يتركوا مناكبهم اليمنى عارية، كإشارة إلى نفوس رياضية والتي من شأنها جذب الغير الى القوم. وهكذا دخل رسول الله ص الكعبة كرائد وخالفه الفين من المسلمين بعرض رياضي متناسق وجذَّاب كاشفي العارض الأيمن، جهراً مرددين: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والشكر والنعمة لك لبيك.
من مناسك العمرة أن يُتِم المعتمر سبعة أشواط حول الكعبة مشياً. ولكن لما وصل رسول الله ص ناحية الركن اليماني من الشوط الأول بدأ بالهرولة واتبعه المسلمون، حيث انه مقابل الركن اليماني كان الجمهور من الناس مجتمع ليشاهد المسلمين. ولما كانوا في الركن المعاكس تابعوا الشوط مشياً للاستراحة، مثبتا خداع قادة قريش لبنيهم وجذابا الناس إلى الإسلام.
ما بدى من رسول الله ص من الحكمة هو أنه صلوات الله عليه غير من طبيعة مناسك العمرة ليحسن عرض الإسلام على الناس ويحببهم فيه. هذا السلوك النبوي في اضافة الهرولة عند الركن اليماني وكشف الكتف الأيمن للمحرمين، إنما هو مفازة للإسلام وتحبيب الناس فيه، ولو أنه كان على حساب تغيير المناسك. الأمة الاسلامية مفتقرة جدا الى مثل هذا الفكر والنظر الى ما هو ابعد حتى يكون الرابح هو الإسلام. هذا التفكير هو تماما ما يجب أن يؤخذ كمبدأ في بناء الفكر الإسلامي وخاصة في ميازين العمل الدعوي والتربوي.
المسلمون اليوم يُحرِمون وعارضهم الأيمن مكشوف ويهرولون عند الركن اليماني كما هرول رسول الله توقيرا لبراعته والحكمة في انطلاقه في ظرف كهذا، مبينا أنه على المسلم، إن خُيِّرَ، بين نجاح الإسلام او الكيفية في تأدية المنسك، فالأولى والأوجب اختيار نجاح الإسلام.
كما رأينا في الفقرة السابقة، نفس محمد الشغف بالعواطف الإنسانية وذوبانه في الله، لم يكن ليترك أي فرصة فيها إصلاح ونجاح للإسلام إلا واستعملها. مثلا، لم يكن له ليترك العادة العربية في زواج المرء من قبيلة غير قبيلته، والتي بها يُضمَنُ للعريس حماية قبيلة العروسة ويكون له منصب شرف من كل أفراد قبيلتها. من هذا المنطلق، وهو لم يزل بمكة في عمرة القضاء، طلب يد ميمونة الهلالية للزواج منها، وهي احدى أشراف قريش. وهكذا عرَّسَ عليها وبنى جسرا آخر مع قبيلتها واخمد ناراً من العداء.
تعلم المسلم من القرآن أن الله تعالى خلق الإنسان ونفخ فيه من روحه. وأنه لا تقتل نفس إلا من خلال القضاء. كما أشار رسول الله أنه من أعلى الجرائم خطورة هو قتل النفس التي حرم الله، فهو القائل:
” من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوبًا بين عينيه: آيس من رحمة الله.” ابن ماجة
و الأبلغ من ذلك أن الله عز وجل أقر توصية خصم موسى عليه السلام بأن يكون من المصلحين ثم وصف القتلة بالطاغين.
”فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِخَصْمِه قَالَ: يَا مُوسَى! أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ؟ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ“. القصص 19. وفي هذا القول بيان، ومن غريم موسى، في أن الله تعالى أقر بحفظ النفس الانسانية ولو كان نداء الحفظ والإصلاح قد بدر من غريم موسى.
غرض هذه الغزوة هو تأديب من خان المسلمين في الميفعة، وفيها قتل اسامة رجل نطق الشهادة.
عن أسامة بن زيد – وهذا حديث ابن أبي شيبة – قال: “بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقال لا إله إلا الله وقتلته؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟» فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.” مسلم 227
بعد هذا الحادث بقليل، أرسل رسول الله علي بن أبي طالب الى أهل القتيل لأداء دية القتل. سمو أخلاق رسول الله وحرصه على السلام والأمن ارتفعوا به إلى السمو والمعالي.
“وانك لعلى خلق عظيم.”
” ان كانت عظمة الطلب، واحقر الوسائل، والنتائج المذهلة، هم المعايير الثلاثة لمقياس العقل البشري، من هناك من يجترئ أن يكون مثل من محمد؟
اعظم واشهر الرجال هم من اخترع السلاح، القانون، وامبراطورية فقط. ان اوجدو شيء على الإطلاق، فهي قوي ربما تحطمت امام اعينهم. هذا الانسان لم يسير فقط الجيوش، التشريعات، الإمبراطوريات، الناس (باشكالها والوانها)، والأسر الملكية، بل ايضا الملايين (من البشر) لثلث الأرض المأهولة آنذاك؛ بالإضافة، فقد انهى وغير الظلم الكنسي، الآلهة المختلفة، الديانات (الفاسدة)، والأيدلوجيات… الثبات للنصر، طموحه من أجل أفكاره والتي لم تكن من أجل (خلق) امبراطورية، وصلواته اللانهائية ووصله الصوفي بالله؛ موته، ونجاحه بعد موته، ؛ كل ذلك لا يشهد إلى دجل ولكن الى إيمان راسخ والذي أعطاه القوى لإعادة العقيدة الصحيحة؛ وهي ذات شقين: وحدانية الإله والامادية. الأولى تبين من هو الله والأخرى تبين من هو غير الله.
حكيم، خطيب، نبي، مشرع، محارب، مفتاح للأفكار، معيد الاعتقاد المنطقي، المؤسس لعشرين امبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية – هذا هو محمد.
عندما نأخذ بكل المعايير التي اخترعها الإنسان في مقاييس العظمة، ربما نطرح السؤال، هل هناك رجل أعظم من محمد؟”
Alphonse de La Martaine ‘Historie de la Turquie،’ v. ii، Paris، 1854 ref 2 p 164
واحات خيبر تقع على بعد قدره 90 ميل شمال المدينة في شبه الجزيرة العربية. كانت هذه الواحات مأهولة بقبائل يهودية. خيبر مؤلفة من حصون أكبرها ثمانية مبنية على عدد من الهضاب الفولكانية. كل حصن يمثل مستوطنة صغيرة تحتوي على ترسانة (ذخيرة حربية)، أسلحة، مخازن للغذاء والتعزيزات، حظائر ومياه. مزرعة تحيط بكل قلعة. لهذه المزارع نمط معين بحيث تحاط كل مزرعة بأشجار التمور، وقسم لزراعة الحبوب والخضار. هذه المزارع ما هي إلا بمثابة الاكتفاء الذاتي لكل مستعمرة.
https://en.wikipedia.org/wiki/Battle_of_Khaybar
المنظمة الشبه عسكرية لخيبر كانت مصدر تآمر وتدسيس ضد المسلمين. كمثال، نأخذ حيي بن أخطب والذي حاول قتل النبي محمد في المدينة، والذي لعب دورا جوهريا في تحريض قريش والقبائل العربية كغطفان وغيرها لتأليف الأحزاب للهجوم على المدينة وإنهاء المسلمين في معركة الأحزاب.
لما اطفا خطر قريش من قتال المسلمين في معاهدة الحديبية، توجه محمد ليعالج خطر خيبر المحدق. كما يقول ابن إسحاق، كتب محمد الى قواد قبائل خيبر، التي تقول:
“هل وجدتم أن الله أرسل إليكم الإيمان بمحمد؟ لا حرج عليكم أن تؤمنوا إن لم تجدوا هذا في كتابكم. الحق والباطل بدى ظاهرا. إني أدعوكم الى الله وإلى رسوله.” ص. 256
في سنة 629 م، خرج المسلمون نحو خيبر وطوقوا أول الحصون، الناعم. بعد عدد من الأيام سقط الحصن في أيدي المسلمين. بطريقة مشابهة، سقطت بقية الحصون. غير أن رسول الله لم يعامل اليهود كما يعامل المنتصر غريمه في ذلك العصر، أي ابادتهم. بدلا عن ذلك، اجتمع مع زعمائهم وخرجوا باتفاقية الاستسلام والتي تنص على تجريدهم من السلاح وأن يعطوا نصف المحصول من مزارعهم الذي كانوا يعطوه لغطفان الى المسلمين.
مجموع الخسائر الحربية لخيبر هي 20 قتيلا من اليهود و93 جريح. خسائر المسلمين هي 50 جريحا.
عبر التاريخ هناك بعض الجماعات ممن يستخدمون العنف لتحقيق مطالبهم فيتسلحون لاغراض سياسية او مرابح شخصية. المجموعات الشبه عسكرية هذه سرعان ما يضحون مخربين خالِّين بكل أمن واستقرار وسفاكوا دماء. جرد النبي صلوات الله عليه السلاح من مثل هذه الجماعات. مثلا، حيي بن الأخطب، زعيم بني النضير في عام 625 م اعد المؤامرة لقتل محمد حيث لم يكن هناك سبب يدعو إلى الاغتيال وخاصة في وجود عقد تحالف بين اليهود والمسلمين للعيش بسلام ولحماية المدينة. لما اخلف بنوا النضير عهدهم مع رسول الله، جردهم من السلاح لإخلالهم بالعهد واستحلالهم لأمن وسلامة المدينة وكذلك جرد رسول الله قبيلة بني قريظة وقبائل خيبر من السلاح لنفس السبب في الخيانة بالعهود والخلل بأمن الناس.
من سبايا خيبر كانت صفية ابنة حيي بن أخطب زعيم القبيلة، وارملة كنانة بن الرابي. هذا الأخير قتل في خيبر. اما ابوها حيي فقد قتل مع من قتل من قبيلة قريظة التي خانت رسول الله في معركة الأحزاب. لكن للحد من أو إطفاء العداوة مع بني النضير فقد تزوج النبي محمد من صفية. بهذا أصبحت صفية إحدى أمهات المؤمنين المكرمات لدى كل المسلمين.
المسلمون أطلقوا سراح أسراهم اليهود تشريفا لزوج رسول الله صفية اليهودية
كان رسول الله يعلم أن صحة المجتمع تصبح أصح واجل عندما يُكَرم الإنسان او حتى يُكافأ، في مجتمع تختلف به الديانات عن الإسلام. كانت حياته ووجوده مبنيا على تطوير وانشاء المشتركات والمحبة بين الناس والجيرة. فلما تزوج النبي من صفية، أطلق أصحاب محمد سراح كل أسير يهودي إكراما لها.
كان زواج رسول الله ﷺ من صفية فعالا في احتضان علاقة اطيب مع اليهود. مناقشا أفكار الغلاة في إضرام نيران العداوة بين المسلمين وأهل الكتاب، يقول الدكتور عدنان ابراهيم
“إن صفية أعطت من ورثتها أخيها اليهودي، وتساءل، بماذا نعلل هذا في ضوء إقامة أسوأ علاقة مع أهل الكتاب؟ من هناك افضل للتشريع من أهل بيت النبي محمد؟”
https://www.youtube.com/watch?v=7XTeIw9MJFs
علاوة على زواج النبي من صفية، فانه تزوج من ماريا النصرانية. بالإضافة، فإن رسول الله تزوج أم حبيبة ابنة ألد أعدائه، عندئذ، أبي سفيان. بهذا الزواج فإن رسول الله أضعف من عداوة ابيها للإسلام.
الخط التاريخي لزواج رسول الله يبين أن النبي تزوج أول زوجاته، خديجة، كان من العمر 25 سنة وكان عمر الأرملة خديجة 40 سنة. وبقي هذا الزواج أحادي حتى بعد وفاتها. كان عمره عندئذ 50 عاما. بعد ذلك تزوج من سودة، لكن بين 53 و 58 من العمر تزوج من الخمس زوجات الآخر. خلال هذا الوقت كان في طور إصلاح بينه وبين قريش وبينه وبين القبائل الاخرى حول المدينة.
فزواج النبي محمد من مختلف الملل والطبقات ما هو الا رمز يثبت أن الإسلام يتجاوز حدود العنصرية الدينية والطبقية والاجتماعية، وأن عمل محمد هذا هو أكثر منه بناء لجسور من العلاقات الودية بين القبائل المختلفة والإسلام، أكثر مما هو كضرورة انسانية. معلقا على زواج النبي محمد، الدكتور جون اسبوسيتو المدرس في جامعة جورج تاون قال:
“زواج النبي محمد حدث لعدة اسباب. هو تزوج من أرامل ونساء لا عون ولا حماية لهم. لكنه اشتبك في زواج أيضا لترميم العلاقات بينه وبين قبائل أخرى.”
The Legacy of Peace documentary الفيلم الوثائقي تراث من السلام
إدارة النبي ﷺ رسول الله بدأت تأخذ أبعادا لما وراء المدينة. اخبار نبوته وصلت عبر الحجيج ورسل النبي إلى العديد من المواطن على أطراف الجزيرة العربية وما حولها. نتيجة لوجود استقرار نسبي في مجتمعه الصغير، بدأ محمد بإرسال الرسل الى ما يجاوره من الأقوام، البعيد منهم والقريب. كتب رسول الله رسائل إلى رؤساء الأقوام من حول الجزيرة العربية وملوك الفرس والروم، كسرى وقيصر يدعوهم فيها الى الإسلام. كان رسول الله دقيقاً في اختيار الرسل وبما يناسب صاحب الرسالة. الرجاء انظر الى انتخاب السفراء أدناه حول هذا الموضوع.
من هذه المحاولات الدبلوماسية ما أخفق ومنها ما كان فيه نجاح. فكسرى صاحب فارس مزق كتاب النبي وأمر عامله في اليمن أن يحضر له محمد ليقتله. أما ملك الروم تقبل الرسالة وتحدث مع سفير رسول الله بهدوء واتزان.
لم يكن النبي محمد بعيدا عن التحديات السياسية والطرق المثلى الديبلوماسية. فإنه كما تبنى الطريق الديبلوماسي، فإنه بنفس الأسلوب انتخب الطريقة المناسبة لنجاح الخطى الديبلوماسية. كان رسول الله يعلم أن نجاح الخطى الديبلوماسية يعلو إن كان اختياره للسفراء مبنيا على ناتج الاختيار أصلح لهذه السفارة.
هذا يقتضي أن يُاخذُ في عين الاعتبار عددا من الأمور. لننظر الآن الى بعض من اختيارات رسول الله لهؤلاء السفراء. ضحية الكلبي مثلا كان اختيار رسول الله الى هرقل ملك الروم للامبراطورية البيزنطية. بينما كان عمرو الضمري هو اختيار رسول الله إلى ملك الحبشة النجاشي. مقارنة تقريبية لهذين السفيرين تنبأ بما يلي.
السفيرين يتميزان بفصاحة الخطاب والذي يعتبر محوري في الديبلوماسية. بالإضافة، لو أمعنا النظر في شخص دحية الكلبي لوجدنا أن شخصه كان طويل القامة حسن الجمال، حتى أنه قيل أن جبريل كان يأتي النبي على شكل دحية الكلبي. كان الكلبي اختيار رسول الله لهرقل لما في شخصيته اِستِعطاف وجاذبية للأوربيين. يحدث المؤرخون ان هرقل تقبل رسالة النبي محمد. وإن دحية وهرقل استغرقا في حديث طويل. من ذلك الحديث أن هرقل سأل دحية عن أخلاق وخصال رسول الله وعن الدين الذي أتى به. بعد أن انتهى هرقل من أسئلته الكثيرة، تفوه قائلا:
“ان كان ماتقوله صحيح، فان هذا النبي سوف يقف حيث أقف.” انظر سيرة رسول الله، محمد الحبش، ص 230
أما بالنسبة لاختيار رسول الله لعمير الضمري كرسول إلى النجاشي ملك الحبشة، ففي القصة التالية ما ينبا عن هذا الاختيار. لم يكن عمرو الضمري شخصا معروفا أو ذا شهرة لدى الصحابة. غير أنه كان صديق الطفولة إلى النجاشي. يقول المؤرخون أنه عندما توفى أبو النجاشي، الملك، كان النجاشي صغير السن. عمه اخذ الملكية وهرب النجاشي إلى الجزيرة العربية. في الجزيرة العربية عمل النجاشي كراع في قبيلة الضمري نواحي بئر بدر. هنا عمير الضمري والنجاشي كونو صداقة وصلة عريقة.
أثر وانعكاس هذه الصداقة يبدو بوضوح في خطاب عمرو إلى الملك النجاشي. فلقد اختار عمرو أن يخاطب الملك باسمه لايام الطفولة، اصمحة:
“يا أصحمة أنا علي القول وعليك الاستماع : إنك كأنك في الرقة علينا منا ، وكأنا في الثقة بك منك ، لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه، ولم نخفك على شيء إلا أمناه ، وقد أخذنا الحجة عليك من فيك…” سيرة رسول الله، محمد الحبش ص 233
بعد أن اطلع النجاشي على كتاب رسول الله وسمع خطاب الضمري، قال:
“اشهد انه النبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب…”
أيضا، لما توفي النجاشي صلى رسول الله عليه صلاة الجنازة. هذه الامثلة في انتخاب السفراء تسفر عن عمق وجودة الفكر عند رسول الله. يجب علينا أن نكون على يقين أن نجاح رسول الله في عمله ودعوته لم يكن لأنه نبي الله ورسوله فحسب، بل انه بذل الفكر والجهد والتخطيط قبل القيام بالعمل. بعد كل هذا اتكل على الله ودعاه أن يكون معه وينجح عمله.
في كتابه، سيرة رسول الله، الدكتور محمد الحبش علق على ان الغزوات التي أرسلها رسول الله الى الاصقاع بأنها لم تكن للحراب ولكن كانت تصالحية في معظمها. وتابع قائلا كل تلك الغزوات أرسلت إلى منطقة الحجاز فقط، لكن، الجزيرة العربية برمتها دخلت الاسلام. الحق أنه كان فضل ذلك إلى العشرات من حملات الدعوة إلى أنحاء الجزيرة العربية. فالدعاة حملوا الإسلام إلى القبائل في اليمن وعمان والخليج العربي وشمال الجزيرة، الشام وبلاد الرافدين.
مماثلا لعداء قيادات الطوائف القريشية وديكتاتورياتهم تجاه المسلمين، بعض من القيادات العالمية أبدت عدائها للمسلمين. مثلا، الإمبراطور البيزنطي وعملائه وبعض القبائل العربية الموالية له اعتدوا على رسل النبي وقتلوا منهم. علما بأن المسلمين لم يقوموا بأي عداء او نوع من الجدل يظهر ويبدي العداء لهم أو للنصرانية.
في مكة، المسلمين والنصارى واليهود تعاونوا مع بعضهم للتصدي لعبدة الأصنام، حيث أنهم يشتركون في تراث واحد بدأ من ابي الانبياء ابراهيم. القرآن اعطى النصارى واليهود اللقب اهل الكتاب استثناء وتقربا. النبي محمد تأمل ورجى من أهل الكتاب التعاون كما شاهدنا في هجرة المسلمين الى الحبشة وتعاقده مع اليهود في المدينة. إلا أن السياسة والانا طغيا على جزء من نصارى بيزنطية وحلفائهم من العرب والذي أدى إلى الحرب معهم.
عرض للمواجهات بين المسلمين والنصارى يمكن أن يوضح اضمحلال العلاقة بين المسلمين والنصارى. كما أشرنا في الفقرة السابقة، “توسيع دعوته دبلوماسيا 629 م،” بعث النبي محمد العديد من الرسل الى الافاق ضمن الجزيرة العربية وخارجها، يدعوهم فيها الى الإسلام. منهم الحارث بن عمير الأزدي الذي كان يحمل رسالة إلى حاكم بصرى في سورية. لكن في طريقه للبصرة اعترضه شرحبيل الغساني، حاكم البلقاء. البلقاء والبصرة كانتا تحت تصرف الامبراطورية الرومانية، وكان معظم عامليها عرب من نصارى الغسانيين، تحت تصرف هرقل.
شرحبيل مزَّق رسالة رسول الله الى حاكم البصرى، اهان رسول الله، عذب ثم صلب وقتل الحارث بن عمير الأزدي.
في عمله هذا، شرحبيل، انتهك القوانين العرفية في حماية الرسل والمبعوثين. عداء على ذلك، هذه الوحشية تعتبر إعلان حرب. على اثر هذه الحادثة، سير رسول الله خمسة عشر نفرا إلى سورية، لكنهم لاقوا حتفهم إلا واحد منهم نجا من العشرات من سهام الرومان ناحية القرى على حدود سورية.
تلقى المسلمون المزيد من الفظائع المسيحية. فقد صلب القيصر البيزنطي فروة بن عمرو الجذامي، والي بيزنطة على معان، في سوريا. مسبقا، أسلم فروة وأرسل بعض الهدايا إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. فلما علم هرقل بذلك، سجنه وصلبه في ماء عفراء. وأصدر هرقل تشريعًا بصلب كل من اعتنق الإسلام في بيزنطة.
وكان هناك عدوان آخر بشكل دسائس لإفساد الأمة، ولكن لم يكن معروفا حتى أنزل الله تعالى على نبيه آيات تكشفه. انظر الآية التالية من سورة التوبة.
“وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ.” التوبة ١٠٧
والخلفية لهذه الآية هو أن هرقل ملك الروم والراهب أبو عامر الذي خرج من المدينة إلى مكة بائساً لما دخلها رسول الله. بعد عدد من السنين، لما دخل المسلمون مكة، ترك ابوعامر مكة إلى بلاد الروم. هناك تآمر هرقل والراهب أبو عامر مع المنافقين ليشقوا عصا المسلمين ببناء مسجد للتدسيس والإفساد واضرار المسلمين. عندها أمر رسول الله بأن يهدم مسجد ضرار لإنهاء هذا التدليس والتداخل الغربي في أمان المسلمين. هذه الأنواع من المعاداة والتدخل لإفساد الأمة أدى إلى معركتي مؤتة واليرموك بين المسلمين والنصارى.
كما ذكرنا في الفقرة السابقة، فإن قتل الروم للمسلمين دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إرسال ثلاثة آلاف رجل لمعاقبة القتلة. في مؤتة في سوريا، تغلب الروم على المسلمين وهزموهم، وفروا إلى المدينة المنورة. أقلقت مواجهة مؤتة وتمدد المسلمين في جميع أنحاء الجزيرة العربية القيصر البيزنطي هرقل. فقد شعر هرقل بالتهديد، خاصة بعد سقوط مكة وإسلام زعماء قريش. دفعه هذا القلق إلى حشد المزيد من القوات لمهاجمة المدينة المنورة. وربما أدى التعصب الديني وهيمنة الكنيسة هو الذي خلق هذه المخاوف خلال العصور المظلمة الأوروبية.
كما كان رسول الله حكيما في اختيار السفراء إلى الأمصار والملوك، وكان يعرف حق المعرفة القيم الفعالة المعارك. من هذا المنطلق، وعندما نادى رسول الله للخروج لتأديب القتلة على تخوم سورية، سال المتطوعين للتجمع شمال المدينة في مكان معين، وانه سوف يلتقي بهم بعد صلاة الجمعة من اليوم التالي.
وفي اليوم التالي لما وصل إلى الجمع لدفعهم للخروج إلى مؤتة، لم يجد عبد الله بن رواحة في الجمع. لكن بعد برهة صغيرة بدى غبار فرس على بعد ولما وصل كان هو عبد الله بن رواحة. فسأله رسول الله:
“ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ ” قال أردت أن أصلي معك الجمعة، ثم الحق بهم. فقال رسول اللهﷺ: “لغدوة او روحة خير من الدنيا وما فيها، أتدري بكم سبقك أصحابك؟” قال نعم، سبقوني اليوم بغدوتهم، فقال رسول الله: “والذي نفسي بيده لقد سبقوك بأبعد مما بين المشرقين والمغربين في الفضيلة، ولو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت فضل غدوتهم.” مسند أحمد، طبقات ابن سعد، الترمذي
ما كان المتطلب بالنسبة للنبي والمهم هو الناتج من العملية، في هذه الحالة هو المعركة. فوجود فارس كابي طلحة بين المحاربين له تأثيره معنوي كبير وعميق.
يوم أحد كان أبو طلحة يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ويرمي بين يديه، ويتطاول بصدره ليقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول نحري دون نحرك، ونفسي دون نفسك، حتى أن صوته في المعركة كان بمائة رجل، كما قال رسول الله.
“صوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل.” موطأ ابن مالك
نستخلص من هذا أن تسخير وتوزيع الثروات والمواهب، ومنها البشرية بحيث يكون نتاج العمل فيها أكبر، وخاصة منه العائد بالفائدة على الأمة ككل، هو أعظم وأجل في ميزان رسول الله من تسخير تلك المواهب والثروات بشكل تعود بربح أو نتاج صغير او لمنفعة شخصية حتى لو كانت المنفعة هي في إقامة الشعائر الدينية.
انهزام المسلمين في مؤتة خلق فرصة لالحاق المسلمين بهزيمة أخرى من قبل القبائل العربية الموالية للروم بالي وقداحة. شهور قليلة بعد انهزام المسلمين في مؤتة اجمعت طوائف بالي وقداحة النصرانيتين للهجوم على المسلمين وهزيمتهم مرة أخرى. موقف رسول الله من هذا التجمع أن أرسل عمرو بن العاص على رأس 300 مقاتل لتشتيت وإخضاع ذلك التجمع.
لكن لما وصل عمرو إلى حدود سورية تبين له أن أعداد المحاربين النصارى أكبر بكثير مما كانوا يتوقعون. لهذا أرسل بطلب الإمدادات، فأرسل له رسول الله 200 رجل على رأسهم أبو عبيدة بن الجراح. الخمس مئة مقاتل تقدموا نحو التخوم السورية غير أنهم لم يجدوا أي من الجموع.
كانت هذه الأماكن عبارة عن معسكرات مهجورة اختفى سكانها الحديثي العهد. عاد عمرو دون معرفة موقع التحالف العربي الروماني.
سنتان بعد الحديبية نقضت قريش العهد. في عتمة الليل قريشا أعانت قبيلة بني بكر في الانقضاض على قبيلة خزاعة، حليفة النبي وقتلت منهم عشرون نفرا. مع العلم أن خزاعة التجأت إلى المسجد الحرام لدرع قريش من القتل، لكن ذلك لم يمنع بنو بكر من المجزرة. قريش ببشاعة انتهكت حرمة البيت وخرقت السلام.
وبعد نقض قريش لصلح الحديبية والجريمة التي ارتكبتها في خزاعة، التقى عشرون رجلاً من خزاعة برسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المدينة المنورة، وأخبروه بما حدث، وطلبوا منه المعونة. فوعدهم رسول الله بذلك. وفي هذه الأثناء، أدركت قريش أنها ارتكبت منكرًا، فأرسلت زعيمها أبا سفيان إلى المدينة لمقابلة النبي والتأكد من صحة معاهدة الصلح. غير أن رسول الله لم يستجب لالتماس أبي سفيان؛ ولذلك عاد إلى مكة خالي اليدين، ولم يستجب رسول الله لنداء أبي سفيان. لقد كان نقض قريش لمعاهدة الحديبية أكثر من سبب وجيه يدفع النبي محمدًا إلى اتخاذ خطوة مدروسة والعودة إلى مكة. غير أن رسول الله لم يكن غريبًا عليه أن ينهى عن العنف ويحافظ على الأمان. فهل كان بإمكانه أن يجعل مثل هذه العودة إلى مكة سلميًا؟
خطة محمد صلى الله عليه وسلم لفتح مكة مع الحفاظ على أمن الناس
كان النبي محمد على وشك تحقيق المستحيل. كان يريد فتح مكة ولكن دون أن يتسبب في انعدام الأمن وجلب الرعب لسكانها. فهل استطاع أن يحقق هاتين الرغبتين في آنٍ واحد؟ علاوة على ذلك، فقد كان بعض المكيين يكنون حقدًا شديدًا ويودون خوض قتال مرير مهما كان الثمن لمنع المسلمين من العودة إلى مكة.
محتفظا بنيته في فتح مكة لنفسه واثنين اخرين معه، النبي محمد أغلق كل المنافذ المؤدية الى المدينة، حاشدا جيوشا جسيمة دون أن يصرح جهة الجيش او غايته. هذه الخطوة ضرورية حتى لا تصل اخبار الجموع إلى قريش فتتهيئ لملاقاة المسلمين ولربما يتحتم القتال وسفك الدماء.
بدأ الزحف إلى المدينة بعد العاشر من رمضان لعام 629 م. والتحقت القبائل من حول المدينة وفي الطريق إلى مكة بالنبي محمد حتى وصل تعداد الحشود الى ما يقارب العشرة الاف انسان. بعد عشرة ايام من السفر، وفي أوائل يناير (كانون الثاني) 629 م أحاط المسلمون مكة ليلا من جوانبها الأربع مشعلين الآلاف من النيران في مداخلها وعلى جبالها معربين عن حجم وضخامة الجيوش المحيطة بها والتي ربما تشجع للاستسلام عوضا عن الحراب.
ومن حكمة النبي محمد أنه في ذلك الظلام من الليل، أرسل الى عمه العباس والذي ما زال بين ظهراني قريش إلى أن يحضر أبو سفيان إليه لإقناعه بالاستسلام. وهكذا لما وصل أبو سفيان الى رسول الله دعاه لأن يسلم مكة ويسلم لله. واره الجموع من المسلمين والعشرات من القبائل العربية التي تقف إلى جانبه. بعض المصادر الاسلامية تقول ان ابو سفيان أسلم لله عندها ووعد رسول الله أن يسلم مكة للمسلمين بدون حراب.
عند ذلك، نادى المسلمون أنه من دخل بيت ابي سفيان فهو آمن، ومن دخل البيت الحرام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، ومن ترك سلاحه فهو آمن.
وهكذا كان. تحققت خطة النبي محمد في دخول مكة بدون قتال. وهذا حقا نجاح عظيم. ها هو النبي محمد صلوات الله عليه يدخلها مطرق الرأس، منحنيا لله تعالى الذي أكرمه بدخولها وبقاء أهلها في أمان وسلام فالمعركة الوشيكة بقت وراءهم الآن. الشكر والامتنان لله تعالى الذي أيد نبيه ليدخل البلد الحرام ويبقيه على حرمته.
لقد أثمر جهاد محمد صلى الله عليه وسلم المتواصل من أجل الحفاظ على الأمان والسلام. إتمامًا لفضل الله عليه، فقد دعا أهل البيت الحرام من المكيين وأكرمهم بالعفو عنهم قائلا:
“ما تظنون أني فاعل بكم؟” قالوا خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال “اذهبوا فأنتم الطلقاء.”
مثابرة رسول الله وجهاده ليبقي أمان الوطن والأمة خوله لقطف الثمرة. تحقيقا لفضل الله عليه، نادى محمد بالناس في البيت الحرام لإعطائهم العفو لأهل مكة عمل بأعلى الشهامة والشرف، لأنه في القمة من القوة والعزة، وكان باستطاعته أن يسحقهم. في هذا يقول جون اسبوسيتو البروفيسور في جامعة جورج تاون:
”إن عبقرية النبي هنا كقائد رائعة. ولأنه لم يختر ما كان سيختاره الكثيرون في ذلك الوقت، أي الإخضاع ثم الذبح، بطريقة ما، للانتقام والثأر، فقد ارتقى إلى مستوى أرفع“. جون اسبوسيتو
The Legacy of Peace documentary الفيلم الوثائقي تراث من الإسلام
ثم إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يكره أحدًا على الإسلام؛ لأنه كان ينافي أصول الإيمان.
“لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.” البقرة 256
.لا يحتاج المرء إلى البحث بعيدًا بين ما كُتب عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليجد شهادات وأدلة على شخصيته صلى الله عليه وسلم وحبه الإنساني
ستة رؤيا في شخصية رسول الله من خلال فتح مكة
في طريقهم لفتح مكة، صادفوا كلبة مع جرائها، فأمر رسول الله أن يتحول مسير الجيش بعشرة الافه عنها وجرائها حتى لا يحرمهم حقهم في أمنهم. عظمة أمر فتح مكة وتدبير المعركة والاحتمال في أنه ربما يسوس الجزيرة العربية بعد فتح مكة، كل هذا لم لم يزن شيئا يوازي هضم حقوق الكلبة وجرارها في الأمن الذي وهبه الله لكل الخلق. الواقدي في مغازيه -2/ 804
حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قَالَ: لَمّا سَارَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْعَرْجِ، فَكَانَ فِيمَا بَيْنَ الْعَرْجِ وَالطّلُوبِ، نَظَرَ إلَى كَلْبَةٍ تَهِرّ عَلَى أَوْلَادِهَا، وَهُمْ حَوْلَهَا يَرْضَعُونَهَا، فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ أَنْ يَقُومَ حِذَاءَهَا، لَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ مِنْ الْجَيْشِ وَلِأَوْلَادِهَا. اهـ. ولم نجد من تكلَّم عليه من أهل الحديث، لكن على أي حال، فعبد الله بن أبي بكر بن حزم تابعي، وروايته عن النبي منقطعة؛ وعليه، يكون الأثر مُرْسَلًا.
عندما فتح مكة، لم يتوج محمد نفسه عليها كملك ونزعها من بني امية، بل عين عليها عتبة بن أسيد الأموي. تعيين عتبة أثبتت لقريش، مرة بعد الاخرى، أن رسول الله لم يكن ابدا يطلب الزعامة أو تكن يوما من الأجندة لديه.
خطة رسول الله في دخول مكة محتفظا بامانها وامان أهلها وبدون قتال، بدت عنى على وشك الاندثار عندما أحد قواد الأجنحة الأربع الداخلة إلى مكة وهو سعد بن عبادة، بدآ صارخا بالشعار: “اليوم يوم الملحمة..” فلما علم رسول الله بنداء عبادة، بسرعة عزله عن منصبه وعين بدلا منه ابيه حارثة بن النعمان. واستبدل الشعار ب: “اليوم يوم المرحمة.” عمل رسول الله هذا بتلك السرعة أكد للمكيين صدق النبي في أمنهم وسلامة موطنهم. بالاضافة، أظهر رسول الله حسن إدارته، بالاخص العسكرية، بتبديل قائد احد الاجنحة الأربع بأبيه، مطفأ بذلك نيران خلاف وشقاق في صفوف عسكره.
في طريقهم لفتح مكة كان المسلمون صيام وكان الطقس شديد الحرارة، وشق على الناس الصيام. بين حين وآخر كان رسول الله يرش الماء على رأسه ووجهه من شدة العطش. ولما كان الجيش على واحة الكديد بعد الظهيرة، وقف رسول الله على راحلته حتى يراه الناس، وطلب إناء من الماء وشربه إيذانا للجميع بالإفطار. بعد ذلك قيل له بان بعض الناس لم يفطر، فقال: “أولئك العصاة، أولئك العصاة.” البخاري
فرسول الله بهذا يشير إلى أن المصلحة العامة تقتضي أن يأتمر كل فرد بالقائد وأنه معصية في غير ذلك. ايضا، لربما تكون العبادة موضع تفاوت وجدل.بين الجموع. وهكذا فالدين والانضباطية وإدراك الأسباب ومسبباتها ليسوا في تضارب. غير أن محمد لم يعاقب العاصين، فهو كما ذكر القرآن مرارا مبلغ وليس رقيب ومحاسب.
استثنى النبي محمد من الغفران الذي منحه لأهل مكة عشرة أنفار. هؤلاء العشرة كانوا وبنشاط مثيري الحروب والعنف. غير أنه عندما بعضهم ناشد النبي في الغفران عفى عنهم.
على الرغم من السرية المتسعة التي استخدمها رسول الله للخروج إلى مكة والإحاطة بها، فإن حاطب بن بلتعة، وهو ممن شارك رسول الله في معركة بدر، كتب رسالة إلى قريش يطلعهم فيها على ما يقوم به محمد من بالتهيؤ لغزو مكة. أعطى حاطب الرسالة إلى سيدة من الأنصار الرسالة ونفذت من المدينة نحو مكة. غير أن الله أطلع نبيه على ما فعل حاطب فأرسل على بن ابي طالب مع نفرين خلف السيدة. لما وصلوا إليها وطلبوا منها ايداء الرسالة، انكت ذلك، لكن في النهاية اعترفت واخرجت الرسالة من ضفائر شعرها وسلمتها لعلي.
عندما واجه رسول الله حاطب وسأله عما فعل، اعترف بما فعل ولكنه أتم حديثه بأنه ممن آمن بالله ورسوله، لكن قد ترك أهله في قريش وليس لهم حماية. وانه ان فعل ما فعل فإن قريشا لن تؤذي أهله. عند ذلك قال عمر بن الخطاب للنبي دعني اقطع عنقه، فإنه خان الله ورسوله. عندها أجاب رسول الله لا يا عمر. الا تدري انه كان احد من حضر بدرا؟ ثم تابع القول:
“وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.”
كقاض أو مشرع، النبي محمد ﷺ اطلع على ماضي وتاريخ الجنائي قبل أن يصدر قرار الحكم. من خلال العمق الأخلاقي لما سبق ذكره من تنوير النبي محمد وأفعال، يمكن للمرء أن يدرك لماذا يعشق الملايين من الناس محمدًا ويحبونه.
ما قاله برنارد شو، الفيلسوف البريطاني في محمد والاسلام.
“لقد كنت دائما أكن لدين محمد احتراما كبيرا. إنه الدين الوحيد الذي يبدو لي أنه يمتلك تلك القدرة على استيعاب أطوار الوجود المتغيرة التي يمكن أن تجعله في ذاته نداء إلى كل عصر. جورج برنارد شو
إن تولى العالم الحديث رجل مثله “أي محمد” لنجح في حل مشاكله ووجب له السلام والسعادة المطلوبين بشدة. لقد درست عن الرجل وبرأيي هو أبعد ما يكون عدو للمسيح، بل يجب أن يسمى منقذ البشرية. لقد تنبأت ان دين محمد سوف يكون مقبولا غدا، كما بدا مقبولا عند اوربا اليوم.” السر جورج برنارد شو
بعد فتح مكة، قبيلة هوازن وثقيف وهما أكبر القبائل العربية التي تعيش مناطق الشرق الشمالي والجنوبي لمكة، عزموا أن يقاتلوا محمد علما بأنهم ادركوا انه ليس بطالب للسلطة أو الغنى. واستدعت هوازن وثقيف كل القبائل ومواليهم لاجتماع للبث في الأمر والإعداد له. كانت نتيجة الاجتماع الخوض في معركة ضد المسلمين، وأنه على كل محارب أن يأتي المعركة مع النساء والأطفال والذهب والمعادن الثقيلة والأنعام والزاد والمؤن إلى ساحة المعركة. هذا الشمول يلزم ويحث الرجال لتحارب بعنف لتحمي أعراضها وعائلاتها، وأموالها.
هوازن وثقيف والقبائل الحليفة لهم جمعوا أكثر من 4000 إنسان لحرب المسلمين. هذا الجمع دخل وادي حنين وارتفعوا أعالي الجبال بيوم سابق لدخول المسلمين إليه. ولما دخل المسلمون الوادي وكانوا حوالي 12000 رجل وامراة، انقضت عليهم جموع المشركين بهائل من الحجارة من أعالي الجبال. خلق هذا الانقضاض المفاجئ الرعب والالتباس في صفوف المسلمين،واضطربت الخيول والجمال حتى اختلفت الناس عن رسول الله.
ضخامة الارتباك والخلل في صفوف المسلمين دعت رسول الله أن يدعو الناس وأصحابه ليقبلوا عليه ويلتفون حوله إذ اقترب العدو منه. ودفعت القلة القليلة ممن كان حول رسول الله من المسلمين المشركين ووضعوا صدورهم حصنا لصدره.
سريعا ما استرد المسلمون وعيهم واسترجعوا قواهم ومعنوياتهم وانصبوا حول رسول الله. بدأ القتال إذ التقى الطرفان. ولما سقطت أعداد من المشركين على أيدي المسلمين، بدأت ثقيف وهوازن وحلافائهم بالانسحاب. ودخل المشركون حصن بني ثقيف في الطائف، فحاصرهم المسلمون ثلاثين يوما ولم يستطيعوا فتح الحصن. فك رسول الله الحصار ودعا الله أن يهدي ثقيف ويعيدها إليه مسلمه وعاد إلى مكة.
أما بالنسبة لغنائم المسلمين، فقد بدت وكأن كل حصائل غطفان وثقيف ومن حالفهم من الماشية والذهب والنساء والأطفال غنيمة في أيدي المسلمين. وأمر رسول الله ان تجمع الغنائم في الجِعرانة وأمر عليها من يحرسها. دام رسول الله ثلاثة عشر يوما لم يقسم الغنائم منتظرا وفد هوازن ليحوز ما هو له. ولما لم تأت هوازن بدأ بتقسيم الغنائم فاعطى محمداً نبلاء الناس وقادتهم ليتالفهم ويتألف بهم قومهم ويحببهم في الإسلام، حتى قيل إن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. أعطى من الغنائم المئات والمئات من الأغنام والإبل والذهب لعشرات من نبلاء وزعماء مكة وغيرهم من الناس.
ولما جاءه وفد هوازن وهم اربعة عشر نفراً، خيرهم بين اموالهم او سباياهم فاختاروا أبناءهم ونساءهم. فأعادها إليهم رسول الله والمسلمين من خلفه، وكان عددهم ستة آلاف إنسان.
“ان حب محمد البليغ في انقاذ الناس والإفراج عن كربهم حقا هائلاً وعظيم. فهو لم يعطي الناس نصيبه من الغنائم فحسب بل ونصيب بني طالب. تكريما لعمله الإنساني هذا، اتبعه المسلمون ممتثلين بإنسانيته، فأفرجوا عن سباياهم.” Al-Zayed V2، P 250
يعقب الدكتور عدنان ابراهيم عن حال رسول الله قائلا:
” إن شوق رسول الله ﷺ ليحرر الناس ولرخائهم جاوز رغباته لنفسه.”
كيف لنفس مجبولة في الروح الإنسانية وفعل الخير والسخاء أن يفوتها فرصة لفعل ذلك حتى في الحروب؟ من موقعة حنين نتطلع على بعض ما يكمن في صدر محمد نبله ورحمته لبني البشر ولو كانوا عدوا له، لم يكن ليدعو عليهم، بل دعا لهم بالصلاح.
لما أمر رسول الله قومه بالكف عن حصار الطائف والعودة إلى مكة، ساء ذلك بعض المسلمين، فسألهم أن يغدوا إلى القتال، فغدوا، فأصابهم جراح، فقالوا: يا رسول الله، اخترقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم، قال: “اللهم اهد ثقيفاً وائت بهم.” فسعة قلبه وحبه للخلق لم يدعو عليهم لتسوء أحوالهم، بل دعا لهم بالهداية وأن يصلح أحوالهم، بالرغم من عداوتهم وحربهم له. حقا، استجاب الله دعائه، فعندما رجع الى المدينة وجاءت الوفود من كل أطراف الجزيرة العربية لتعطيه الولاء، قدمت ثقيف وقد أسلمت.
حبس محمد غنائم حنين في الجِعرانة متأملا أن يعود أصحابها فيعيدها إليهم. وبعد حصار الطائف، نزل رسول الله فيها ومن معه من الناس، وأقام فيها ثلاث عشرة ليلة لا يقسم الغنائم، متأملا أن يقدم عليه وفد هوازن مسلمين، فيحرزوا ما أصيب منهم. ولما لم يجئه أحد أمر بإحصاء الغنائم لتوزيعها. وهو بالجعرانة، صلى محمد امام بعير من المغنم، أخذ وبرة من سنامه بين اصبعيه ثم رفعها وقال:
“أيها الناس! والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم…” سيرة ابن هشام.
أعطى النبي الأشراف وزعماء القبائل لتأليفهم وقومهم على الإسلام. أعطى، دون تحفظ، المئات والمئات من الغنم، والإبل، والذهب لعشرات من أشراف مكة وغيرهم من زعماء القبائل. فوهب الكثير من المغانم، حتى أنه وهب لصفوان بن أمية وادياً كاملاً فيه قطعان من الماشية. مثل أبي سفيان، وابنيه يزيد ومعاوية، وحكيم بن حزام، والحارث بن الحارث، وغيرهم من سادات قريش الأعلام، كما أعطى مئات من الإبل ومبالغ مختلفة من الذهب. وأعطى ما لم يعطه أحد غيره، حتى قيل: “أعطى محمدًا عطاء من لا يخشى الفقر”. الزايد ج2، ص 246
الاستاذ الحذق لا يدير المدرسة بأكملها. النبي محمد كان مبلغا لتعاليم الله، وكان كل ما قال أو فعل في خدمة ذلك. مرة اخرى، النبي محمد أثبت لقادة قريش وغيرهم من الناس أنه لا يطلب السيادة والحكم، وأنه لن يسلب الناس مكانتهم الاجتماعية والسياسية. ولكنه منحهم واعطاهم الاكثر من المكاسب. بهذا كسب ثقتهم وثقة قبائلهم، وهم بدورهم أَجَلوا محمداً ﷺ والاسلام.
على غير عادة الحراب الذين يحققون النصر بالتشنيع وقتل النساء والأطفال، بالنسبة لمحمد، حقيقة انتصار المسلم هي تغيير القلوب الغير ربانية الى قلوب وعقول شغفى باحتضان الربوبية والاستقامة والصلاح. هذه السمة لمحمد ﷺ تعكس ارتفاع مقامه، تقديره واشادته للأخلاق الاجتماعية والدينية، وتبنيه للسلم والأمن. دعنا نعتبر القصتين التاليتين.
لما فرت هوازن وثقيف من معركة حنين، أمر رسول الله أن يلاحق المحاربون. وهنا حدث أن بعض المسلمين قتلوا المحارب والأبناء. ولما علم رسول الله بهذا العمل القاسي والتعسفي، معترضا قال:
“ما حملكم على قتل الذرية؟” قالوا يا رسول الله، إنما كانوا أولاد المشركين. قال: “وهل خياركم إلا أولاد المشركين؟ والذي نفس محمد بيده، ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها.” البداية والنهاية
بالنسبة لرسول الله. معظم النساء في المعارك هي لمساعدة الجرحى وأن النساء في الحرب تؤخذ كسبايا. النجاح الحقيقي للمسلم ليس قتل النفوس، بل لحقن الدم من أجل اعتناق الكمال والآداب الإلهية.
لما كان رسول الله يتفقد معركة حنين، مر بامراة قد قُتِلت، “قال ما هذا؟” فقالوا امرأة قتلها خالد بن الوليد. فقال رسول الله لبعض من معه، “أدرك خالداً فقل له: ان رسول الله ينهاك ان تقتل وليدا أو امرأة او عسيفا.” -البداية والنهاية
العسيف هو الشخص الغير محارب. كالطباخ أو الممرضة أو الطبيب أو الخدم أو غيرهم من غير الخائضين في القتال. شكرا للنبي محمد في امتثاله الأخلاق حتى في المعارك.
هذه الصفات الشريفة للنبي صلى الله عليه وسلم دفعت دبليو مونتغمري وات إلى القول:
ما قاله مونتغمري وات في النبي محمد صلى الله عليه وسلم
“استعداده لتحمل الاضطهاد بسبب معتقداته، والأخلاق الرفيعة التي يتحلى بها الرجال الذين آمنوا به وتطلعوا إليه كقائد، وعظمة إنجازه النهائي – كل ذلك يجادل الجميع في اصولية نزاهته.” ويليام مونتغمري واط
ومن حسن حظ المسلمين، والأفضل أن يقال المؤمنين، أن الله تعالى يتداركهم برحمته وحمايته في كل وقت وحين افرادا او جماعات. كما وعد سبحانه وتعالى أن ينصرهم بحوله وقوته في أوقات الشدة والضيق وحتى عند الهزيمة في حرب ما، ما دام المؤمنون قد أدوا ما عليهم من واجبات والأدوار المطلوبة منهم. وتأتي هذه المعونة باشكال وطرق متنوعة. ولغرضنا، سننظر في مثالين قتاليين:
المثال الأول هو غزوة حنين
وفيما يلي آيتان تصفان الوضع الحرج لغزوة حنين وأشكال العون الإلهي. الشكل الأول هو رفع الروح المعنوية لدى المؤمنين والثاني هو إمداد المؤمنين بقوات غير مرئية في ساحة المعركة.
إن مثل هذا التوفيق والمساعدة الحاسمة هي مكافأة لا تقدر بثمن فقط الانسان مؤمنًا صادقا. يقول الله تعالى:
“لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍۢ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًۭٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ 25
ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًۭا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ.” 26 محمد 26-25
والمثال الثاني هو في غزوة بدر
“وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ 123 إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ 124 بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ 125 وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ .” ال عمران 123-126
والمسلمون موقنون بعون الله إن استنفذوا نصيبهم من التقوى والإخلاص والأداء.
في عام 630 م، أرسل قيصر روما جيشًا قوامه 4000 جندي من الخيالة مزودين بأحدث الدروع والأسلحة إلى سوريا الكبرى، التي كانت مستعمرة تابعة للإمبراطورية الرومانية وعاصمتها القسطنطينية. وتمركزوا جنوب دمشق في حصن قوي يسمى تبوك،. أبلغت القوافل التجارية العائدة إلى الجزيرة العربية من سوريا رسول الله بتجمع الرومان.
بعد ذلك، وصلت تعزيزات إضافية قوامها 40 ألف جندي روماني إلى تبوك. بالنسبة للمسلمين، يشكل تجمع الروم هجومًا وشيكًا. وكان الخوف من هجوم البيزنطيين والمسيحيين الغساسنة في سوريا ظاهرًا بين المسلمين. وظهرت علامة على هذا الخوف بشكل محرج في خبر الطلاق المزعج في بيت النبي محمد الذي نقل إلى عمر بن الخطاب. فأفاد عمر أن شريكه في حراسة النبي محمد جاء فجأة وطرق بابه في وقت متأخر من الليل خلال هذه الفترة من الهجوم المتوقع. استيقظ عمر منزعجًا وهرع إلى الباب. وعندما رأى شريكه، كانت كلماته المباشرة هي: “أجاءت غسَّانُ.” اليك الرواية لما حدث به عمر:
…قالَ وَكانَ منزلي بالعوالي في بني أميَّةَ وَكانَ لي جارٌ منَ الأنصارِ كُنَّا نتناوَبُ النُّزولَ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ (لحمايته) فينزِلُ يومًا فيأتيني بخبَرِ الوحيِ وغيرِهِ وأنزَلُ يومًا فآتيهِ بمثلِ ذلِكَ. قالَ كنَّا نحدِّثُ أنَّ غسَّانَ تنعَلُ الخيلَ لتَغزونا. قالَ فجاءني يومًا عشاءً فضربَ على البابِ فخرجتُ إليْهِ فقالَ حدثَ أمرٌ عظيمٌ. قلتُ أجاءت غسَّانُ قالَ أعظمُ من ذلِكَ طلَّقَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ نساءَه. البخاري 2468
https://dorar.net/hadith/sharh/24638
لم تكن رؤية المسلمين لتجمع الروم على الحدود السورية الانتظار حتى تدخل الروم المدينة وان تخل بامنها، بل هي مقابلتهم في تبوك. هذا التحرك الى تبوك ليس بالسهل وخاصة في الجفاف والحر. كما أن هذا العدد الكبير من الجموع يحتاج إلى العدة التي ليس لها وجود. لهذا دعى رسول الله أصحابه للتبرع والاسهام.
وفي خطوة استثنائية، جلب أصحاب رسول الله الكثير من ثرواتهم وأموالهم إلى النبي دعماً لهذه الخطوة الكبرى. أما أبو بكر فجاء بكل ماله، واما عمر فجاء بنصف ماله، وأما عثمان بن عفان فجند خمسين فارس وجاء ب 950 جمل والكثير من الذهب. وأما عبد الرحمن بن عوف فقدم 200 اوقية من الذهب.
لما وصل جيش المسلمين إلى تبوك كان عدده 30,000 محارب. غير أنه لما وصل الجيش تبوك لم يجدوا احدا من الرومان. ما وجدوه هو رحى خالية من أناس قد رحلوا منه حديثا.
على ما يبدو، أنه ما كان للرومان أن يتوقعوا أبدا أن يخرج من جزيرة العرب هذا الحجم من الجيوش بهذا الحر وهذا الجفاف. ولكن ومع ذلك، وصلوا إلى ساحة المعركة. وكما يقال: “إن كان باستطاعة القوم فعل هذا، فمن المؤكد أنهم يستطيعون فعل المستحيل.” فالهروب اولى.
وأمضى المسلمون عشرين يومًا في تبوك ومنطقة الكشافة. وعلى الرغم من أنها لم تشارك في أي مواجهة، إلا أن رسول الله والعديد من الوفود القبلية تفاوضوا على اتفاقات التضامن والسلام على الحدود السورية. وأكثر من مجرد التضامن، اعتنقت بعض قبائل البدو الشمالية الإسلام. علاوة على ذلك، تم الاستحواذ على دومة الجندل، وهو موقع استراتيجي بين المدينة المنورة وسوريا، كونفدرالية جديدة.
قبل مغادرة الجيش منطقة تبوك بقليل، جاء رهبان دير سانت كاترين في سيناء لمقابلة رسول الله. ووفقًا لما ذكره الدكتور جون مورو في ”عهود النبي محمد إلى مسيحيي العالم“، فقد استقبلهم. ومنحهم ميثاقًا مشابهًا لميثاق المدينة الذي قدمه لليهود. وكانت شروطه الرئيسية هي:
-على المسلمين حماية كنائس وأديرة المسيحيين. ولن يهدم المسلمين أي ممتلكات كنيسية لبناء مساجد أو بيوت للمسلمين.
-إعفاء جميع الممتلكات الكنسية (للمسيحيين) من كل ضريبة.
-ولن يجبر المسلمون أبداً أي سلطة كنسية على التخلي عن منصبه.
-لن يجبر المسلمون أبدًا المسيحي على اعتناق الإسلام.
-إذا تزوجت امرأة مسيحية من مسلم، فإنها ستكون حرة في اتباع دينها.
وقد أتاحت إقامة الجيش المطولة في تبوك فرصة للاستجمام من عناء وتعب الرحلة الطويلة. وبعد عشرين يومًا، أشار النبي إلى العودة إلى الوطن.
إعادة مكة إلى حرمتها الاولى وتطهيرها من عبدة الأوثان لكونها قبلة الموحدين
لنتذكر أنه بعد فتح مكة، عين النبي عتبة بن أسيد واليًا على مكة وغادر إلى المدينة المنورة. على الرغم من نبذ كل الأصنام التابعة للعامة وتدميرها، إلا أن بعض طقوس المشركين والأصنام المملوكة من قبلهم لا تزال تُعبد في الحرم المكي. ربما تختفي عادة العبادة هذه، بإعطائها الوقت الكافي. ولكن توقفت عبادة الأوثان وإقصاء المشركين عن مكة، على وجه التحديد، بعد عامين من فتحها، كما سنوضح فيما يلي.
بعد عامين من فتح مكة (631 م)، نزل على النبي محمد تشريع جديد ينظم معاهدات المشركين القائمة مع المسلمين وإعادة مكة لحرمتها الأولى وإنهاء عبادة الأوثان في السورة التاسعة، براءة.
توضح سورة براءة فسخ العهود مع المشركين ممن نقض بنودها والاستمرار في احترامها مع القبائل التي لم تنتهك الشروط. كما أن سورة براءة أسست لإنهاء عبادة الأوثان ضمن حدود مكة لتعيدها الى حرمتها الاولى كما في عهد سيدنا إبراهيم، فهي إنما قبلة الموحدين. أنزلت هذه الآيات في موسم الحج الذي كان بقيادة أبو بكر الصديق (631 م).
لما نزلت سورة براءة أرسل النبي محمد على وجه السرعة علي بن أبي طالب، ابن أخيه، إلى مكة ليعلن للحجاج عن التشريع الجديد في السورة. ويتجلى إعادة حرمة مكة في وصية رسول الله صلوات الله عليه على “أن لا يقرب هذا البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.” الفخر الرازي، التفسير الكبير ج 8 ص 226
وكان أبي هريرة هو من مجموعة المؤذنين لهذه السورة فهو القائل:
“عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ في الحَجَّةِ الَّتي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، في رَهْطٍ، يُؤَذِّنُونَ في النَّاسِ يَومَ النَّحْرِ: لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ.” مسلم
تفاصيل دستور البراءة هو كما يلي:
الخطوة 1. إعلان براءة الله ورسوله من المشركين الذين نقضوا عهودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم. الخطوة 2. الاستمرار بالوفاء بالعقود القائمة، أو جزء منها إلى الوقت المحدد، ما لم تنقض، الخطوة 3. لن يكون هناك مزيد من المشركين وعبادة الأوثان في الحرم وحدود مكة حتى تعود إلى حرمتها الاولى.
ملاحظة: حرم مكة المكرمة بالنسبة للمسلمين يشبه إلى حد كبير حرم الفاتيكان بالنسبة للمسيحيين، إلا أن مكة قبلة الصلاة لجميع المسلمين.
الخطوة 4. مهلة أربعة أشهر للذين نقضوا المعاهدة السلمية (معاهدة الحديبية) واختاروا الاستمرار في عبادة الأوثان والشرك بالله، إما أن يتركوا الحرم (فسيحوا في الأرض) أو يعتنقوا الإسلام. يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير حول قوله تعالى، “فسيحوا في الأرض أربعة أشهر،” (أصل السياحة الضرب في الأرض والاتساع في السير والبعد عن المدن وموضع العمارة.) وهذا إقرار ظاهره وباطنه ابعاد المشركين عن الحرم المكي وما حوله. الخطوة 5. إنذار شديد بالحرب الفعلية على المشركين الذين نقضوا المعاهدة واصروا على قتال المسلمين والبقاء في أرض الحرم ورفض الدخول في الإسلام بعد انتهاء فترة الإمهال.
انظر التفسير المنير ج10 ص 99، والتفسير الكبير، ج 8 ص 223
ومن المؤسف أن الآية ذات الخطوة الخامسة يساء استخدامها أو تفسيرها لاتهام الإسلام بتاصيل العنف وقتال الغير، وخاصة المسيحيين واليهود.
الآية 5 من سورة براءة تنص:
“فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.”
تناول نقطتين أساسيتين في إيضاح الاية اعلاه:
“مُشْرِكُونَ” جمع مشرك من اسم شرك، وهو الازدواجية في العبادة. وثنائيات العبادة من دون الله يمكن أن تكون أصناماً، أو أشخاصاً، أو مادة، أو تجارة، أو مالاً، أو منصباً، أو سلطة، أو عبادة الإنسان لأموره الشخصية واهوائه. فالناس قد يكونون مشركين عندما تصبح هذه الثنائيات أثمن عندهم من الله ودستوره.
وكثيرا ما تترجم كلمة المشركين ب الكفار وهذه الترجمة غير دقيقة. كلمة الكفر تضم كل من لا يؤمن بالله وبما أُنزِل على انبيائه. بالإضافة، فإن الجوانب التاريخية والسياقية لهذه المناسبة هي في اعادة مكة إلى حرمتها الأولى – أي محورها مشركي مكة، وليس المسيحيين واليهود او غيرهم من المشركين.
ومن الجدير بالملاحظة أن عبد الله يوسف علي، وبيكتال، وم. شاكر، ومؤخرًا ترجمة مطبعة أكسفورد العالمية للقرآن ترجموا المشركين بدقة إلى “عبدة الأصنام” وليس الكفار.
إن التأثير النفسي لقدوم حرب مفرطة وشنيعة يدفع الناس إلى تغيير أو تسوية لمنع تلك الحرب واختراق الأمن. وبعد مهلة الأربعة أشهر، كما بينا أعلاه، تحققت رؤية الآية الخامسة من براءة في اجتناب الحرب – فلم يقم قتال، ولم يخرج أحد من مكة.
انظر المزيد من الآيات القرآنية التي أسيء تفسيرها في: ”تأملات حول العقوبة في الشريعة الإسلامية“.
فيما يلي الآيات من 1 إلى 5 من سورة براءة، التي توضح موضوع الآيات وسياقها.
“بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ
فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ
وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.
وَإِنْ أَحَدٌۭ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌۭ لَّا يَعْلَمُونَ ٦” براءة، 1-6
بشير عام الوفود إلى وصول المئات من الوفود القبلية إلى المدينة المنورة لتعطي البيعة للنبي محمد. ويرجع الفضل بذلك الى فتح مكة وإسلام قريش وهوازن وغطفان وثقيف قبائل عربية في قوية وعريقة.
معركة تبوك أيضًا تركت شمال الجزيرة العربية موالية للمسلمين باتفاقيات السلام. وفي وقت لاحق، وصلت العديد من الوفود القبلية إلى المدينة المنورة، معلنة ولاءها للنبي. ومن بين الوفود قبيلة عبد قيس المسيحية؛ دخلت عبد قيس في الإسلام؛ وفد نجران المسيحي؛ نجران لم تدخل الإسلام، وأقام وفد نجران في المسجد النبوي أياماً عديدة. وأدوا أثناء إقامتهم صلواتهم وطقوسهم في المسجد النبوي. وعلى الرغم من أنهم اختاروا عدم اعتناق الإسلام، إلا أن النبي محمد أعطاهم عهدًا يضمن لهم حرية العبادة والسلامة.
“ولنجران، وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي على أنفسهم، وملتهم، وأرضيهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وبيعهم، وأن لا يغيروا مما كانوا عليه، ولا يغيروا حقًّا من حقوقهم، ولا ملتهم، ولا يغيروا أسقفًا عن أسقفيته، ولا راهبًا من رهبانيته، ولا واقهًا من وقيهاه، وكل ما تحت أيديهم من قليل، أو كثير، وليس عليهم دنية، ولا دم جاهلية، ولا يحشرون، ولا يعشرون، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل فيهم حقًّا فبينهم النصف غير ظالمين، ولا مظلومين بنجران.” سيرة، ج2، ص320
لقد مرت سنتان منذ آخر زيارة قام بها النبي محمد لمكة. الآن يستعد لأداء فريضة الحج. وصلت المئات من الوفود والأفراد القبلية إلى المدينة المنورة عندما علموا بالزيارة. وانضم إليه العديد من الناس في طريقه إلى مكة. الحضور كان أكثر من 114 ألف حاج. وبينما كان يؤدي النبي مناسكه، كان الحجيج يتعلم ويقلدونه في كل خطوة. وفي جبل عرفة، خطب النبي الجمهور في ما يدعى خطبة الوداع.
“إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت، وإن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حق، استوصوا بالنساء خيرا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلِمُه….” متفقٌ عَلَيهِ.
واستمع الناس إلى النبي محمد، وهم يعلمون أن هذه الخطبة ستكون في الأرجح هي المرة الأخيرة التي يسمعون فيها كلامه. لكنهم لن ينسوا أبدًا وجهه اللطيف، وكلماته المليئة بالحنو وارحمة.
“كيف يمكنك التقاط الجوهر الحقيقي لما بطن في صدر النبي محمد صلوات الله عليه في بضع صفحات؟ الأمر يمكن أن يسهل – كما تم التعبير عنه – من خلال ما أملى ومن أفعاله. إن روحه ونفسه واضحة كوضوح صباح كاشف عن يوم باهر ورائع.”
ألا يكفينا قسم الله تعالى، “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ.” القلم 4
“في مماته، كما في حياته، لم يرتدِ النبي سوى عباءة التواضع والفضيلة.” في 8 يونيو 632 م، همس محمد كلماته الأخيرة بين ذراعي زوجته عائشة ثم استسلم بسلام لإرادة الله.
“في نفس اليوم الذي تُوفيَ فيه، كانت أمواله عبارة عن عدد قليل من العملات المعدنية، بعضها، كما هو أمر، ذهب لسداد دين، والباقي للصدقة. كانت الملابس التي لفظ فيها أنفاسه الأخيرة مرقعة… [حتى أن] المنزل الذي منه انتشر النور إلى العالم كان مظلمًا لأنه لم يكن في المصباح زيت.” البروفيسور ك. س. راماكريشنا راو
هل هناك عظمة تفوق هذه العظمة؟ هذا هو محمد بن عبد الله، نبي الله ورسوله. صلى الله تعالى عليك وعلى آلك وأصحابك ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين.
يرجى مراجعة المصادر والوسائط الأخرى لمعرفة المزيد من المزايا الانسانية التي تركها النبي محمد خلفه هدى لكل الناس والخلائق. انظر مثلا:
– معاملة محمد الأطفال بالبهجة.
– محمد يعجل الصلاة من أجل طفل يبكي.
– رحمة محمد بالحيوان.
– الصيد لا يكون من أجل الرياضة.
– توصية محمد في رعاية الحيوان.
– محمد يحذر من تعذيب الحيوانات.
– عَلَم محمد أنه لا ينبغي استخدام الحيوانات كأهداف.
References:
1- https://books.google.com/books?id=3ZK98cShxwYC&pg=PA170&lpg=PA170&dq=Gerbert+Of+Aurillac+studied+at+Vich&source=bl&ots=IivBERjAOK&sig=a-4ganZh7jkR9Galup3ChXLuWGg&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwii_5mW_63QAhWqjlQKHaY9ChMQ6AEISzAJ#v=onepage&q=Gerbert%20Of%20Aurillac%20studied%20at%20Vich&f=false https://www.britannica.com/biography/Sylvester-II Richard Erdoes، 1000 AD (Berkley: Seastone، 1998)، 60-61.http://everything2.com/title/Historical+Evidence+Regarding+the+Libraries+of+Muslim+Spain Muslim Spain http://www.webpages.uidaho.edu/engl257/Don%20Quixote/moorish_influence_on_renaiss.htm 2- www.supremecourt.gov/about/figures of justice.pdhttps://en.wikipedia.org/wiki/United_States_Supreme_Court_Building https://blogs.wsj.com/law/2015/01/14/muhammad-sculpture-inside-supreme-court-a-gesture-of-goodwill/ 3- http://www.newworldencyclopedia.org/entry/Muhammad Byzantium Viewed by the Arabs، By Nadia Maria El-Cheikh، Harvard CMES. Copyright. https://books.google.com/books?id=QC03pKNpfaoC&pg=PA48&lpg=PA48&dq=abu+sufyan+meeting+with+heraclius&source=bl&ots=Bk2IYjbC8U&sig=-TSOe6jfbQ2I4bLrQNWrL25QeFc&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjH9PuV953SAhUOzmMKHSKxDoMQ6AEIPzAG#v=onepage&q=abu%20sufyan%20meeting%20with%20heraclius&f=false Byzantium Viewed by the Arabs Author: Nadia M El Cheikh-Saliba. Publisher: Cambridge، Mass. [u.a.]: Harvard Univ. Press، 2004. 4- https://en.wikipedia.org/wiki/Kaaba