حياة النبي محمد ﷺ ونشوء الاسلام
المؤلف فيصل صالح برهان
تاريخ النشر بالانكليزية 2020
تاريخ النشر بالعربية 2022
تقديم
هذه رسالة الى كل انسان وبالاخص المسلم منهم والتي تعرض الدين كرسالة نظرية، تطبيقية، وواقعية لتحاكي طبيعة الحاجات البشرية سواء في القرن السابع او القرن الواحد والعشرين بحيث تعطي نتيجة إصلاحية في كل الاوقات . يقول الله تعالى مخاطبا رسوله: “يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك.” المائدة 67. وتبليغ الرسالة تكون بمطابقة الكلام لحال السامع كما عرفها الدكتور عبد الواحد وجيه، رئيس مؤسسة التوجيه والبحوث العلمية حيث قال: “علم البلاغ هو أن يكون الكلام مطابقا لحال السامع.”
وهكذا فالقرآن وبكلمة “بَلِّغ” يحمل طريقة سامية وابدية تتضمن تبَلَّيغ الخطاب الديني بلسان العصر ولغته. ولقد وضحنا هذه الميزة لكتاب الله تعالى في الفقرة “تبليغ الرسالة بما يطابق حال المُبَلَغْ،” من هذا المنطلق، ونتيجة للتطبيق الواقعي لآيات القرآن في الحياة العملية لرسول الله صلوات الله عليه، فإن رسالة هذا الكتاب، تلقي الضوء على التطبيق العملي للنبي لمفهوم التبليغ الذي استطاع من خلاله أخراج هذه الأمة من أزماتها و ضعفها ليجعلها خير أمة أخرجت للناس علما وعملا و روحا.
فيصل صالح برهان
مواضيع الكتاب
الجزء الأول
تمهيد
ولادة النبي ﷺ
محمد الصادق الأمين
جنوح النبي للسلام
الوثنية ووأد البنات
إنسانية النبي
محبة الرسول ﷺ لعمل الخير
نزول الوحي
هل آمنت خديجة بنبوة رسول الله قبل أن يؤمن هو نفسه بها؟
بعض المبادئ القرآنية
ا- شمولية الإسلام للشرائع السماوية
ب- صلاحية القرآن وعالميته
ت- مرونة الرسالة
ث- تبليغ الرسالة بما يطابق حال المُبَلَغْ
ج- نشوء علم البلاغة
توصية
ح- إقامة العدل
خ- تشييد التقوى والابتعاد عن الابليسية
د- تحتيم الحرية
ذ- حرية الاعتقاد
ر- تعاون الناس بعضهم مع بعض
ز- الحض على الرحمة
س- الرحمة الاستباقية والتفاعلية
ش- الله هو الرحمان الرحيم
ص- حرمة النفس البشرية
ض- فصولية الدين عن الدولة
الجزء الثاني
استشعار الخطر
تأسيس قاعدة جماعية واسعة 610 م
معجزة الإسراء إلى المسجد الأقصى والعروج إلى السماء 621 م
رسول الله يرفض السلطة
هجرة المسلمين إلى يثرب 613 م
هجرة النبي نموذج في التخطيط والتأني 623 م
خطة نجاة محكمة
الخيبة الكبرى
تطوير المدينة المنورة
بناء المسجد النبوي
عَقَدَ اتفاقية صلح بين الأوس والخزرج
تكليف مشروع صحي
إقامة مؤاخاة مؤقتة بين المهاجرين والأنصار
تطوير المياه ونظام الري
تأسيس دستور المدينة
الوسط السياسي في المدينة
استراتيجية البقاء على الحياة
الإذن بالدفاع عن النفس 623 م
حظر الاضطهاد الديني
حكم قتل المرتد بدعة
وفي معرض شرحه لقصة البدوي، قال المالكي
المفهوم الخاطئ للجهاد
وماذا عن الحرب في الإسلام؟
الجزء الثالث
تعطيل الأمن الذي وهبه الله للناس هو ظلم وفساد
غزوة بدر 624 م
نهج رسول الله التشاوري والعقلاني في غزوة بدر
الأسطورة: المسلمون يدخلون الجنة بقتل المسيحيين أو اليهود
نبوءة من الكتاب المقدس
النفاق
غزوة أحد 625 م
رحمة ﷺ حتى في أرض المعركة
أزمة الأيتام وتعدد الزوجات
غزوة ذات الرقاع 624م
محمد يستجوب أمر الطيور المزعوجة
معركة الأحزاب أو الخندق 627 م
مماثلة مبدأ الشورى في الإسلام للديمقراطية
استفزازات قريش والإجراءات الإسلامية الوقائية لعدم وقوع الحرب
تأمر الرجيع وبئر معونة 625 م
خطاب التنصيب
نقلاً عن موسوعة بريتانيكا
الغلو- لا إفراط ولا تفريط في الدين
العمرة فرصة للصلح (628 م)
صلح الحديبية (628 م)
حرية المعتقد
التواصل الإلهي – التفاوض والمصالحة
استيفاء شرط العمرة (629 م)
التفسير الخاطئ للآيات التي تتناول قضية لها ظروفها التاريخية
ثلاثة أيام في مكة
مصلحة الاسلام تعلو
غزوة المَيفَعَة 629م
معركة خيبر 629 م
إلقاء نظرة على زواج النبي
منع التسلح الشبه عسكري
السمو والتعالي- النبي يتزوج من سيدة يهودية، صفية
المسلمون أطلقوا سراح أسراهم اليهود تشريفا لزوج النبي صفية اليهودية
توسع دعوته دبلوماسيا 629 م
اختيار السفراء
الجزء الخامس
قبول واسع النطاق للإسلام في الجزيرة العربية
رد فعل عدائي للإسلام من الخارج
الحرب مع البيزنطيين
الأعمال العدائية المسيحية ضد المسلمين
معركة ذات السلاسل 630م
قريش تنقض عهد الحديبية 629 م
فتح مكة 630 م
عبقرية النبي محمد تظهر في فتحة مكة وبنفس الوقت ابقائه على السلام وأمن الناس
الخطة السرية والتنفيذ السري
ستة رؤيا في شخصية النبي من خلال فتح مكة
1- تغيير مسير الجيش البالغ 10000 مقاتل بغية كلبة وجراءها
2- النبي محمد لم يسلب زعامة مكة من قريش
3- إطفاء شرارة العنف والقتال على أبواب مكة
4- الدين والمصلحة العامة متلازمان
5- مشني الحروب لم يُتركوا بدون عقاب
6- من قضاء النبي النظر إلى تاريخ المجرم قبل إصدار العقوبة
الإقرار بالمكانة الاجتماعية والسياسية للناس
الأخلاق هي الأساس في كل شيء حتى في المعارك والحروب
أمر النبي بعدم قتل الأطفال
أمر النبي بعدم قتل النساء والعسيف
في نهاية المطاف تتدخل قوة الله ولطفه
المثال الأول هو غزوة حنين
والمثال الثاني هو في غزوة بدر
الجزء السادس
غزوة تبوك (630 م)
عهد محمد مع مسيحيي سانت كاترين
تناول نقطتين أساسيتين:
حجة الوداع
عرض من خطبة الوداع
الختام
الجزء الأول
تمهيد
بدأت فترة التنوير في شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن السابع الميلادي، إذ شهدت الإنسانية جمعاء نقطة تحول أنارت طريق البشرية وتمثلت في الابتعاد عن تاريخ طويل محكوم بالظلم والعنف والاستبداد والخرافات إلى واقع جديد يسوده العلم والحكمة والحرية والأخلاق.
فلم يكن دخول النبي محمد قلوب ملايين البشر نتيجة حروب وغزوات، بل كان نتيجة القيم الإنسانية التي استرجعت كرامة المرأة والضعيف وجعلت المجتمع والفرد ينخرط في البنية الاجتماعية والسياسية والأخلاقية على حد سواء.
اليوم، وفي القرن الواحد والعشرين، ما زالت تعاليم النبي ذات الرحمة والإحسان تعيش في قلوب ملايين المسلمين، وهي ليست سوى انعكاس لروح النبي محمد ﷺ.
خلَّصَ النبي محمد عليه الصلاة والسلام الإنسانيّة من الكثير من العادات جاهلية كعبادة الأصنام، والكبّرياء، والأنانيّة، حاملاً معه رسالة الإسلام الذي يتمثل بالإيمان بالله الواحد والعدل والسلام والمساواة في كل مفاصل الحياة. فالجميع متساوون أمام القانون، الغني كالفقير والحر كالعبد ولا فضل لعربيّ على أعجمي الا بالتقوى.
لم يعد التعليم والتربية محصورا للطبقة العليا في المجتمع. فالأعجمي والعبد كبلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي، والنساء كخديجة وعائشة وأم سلمة أصبحوا رايات ومصادر للعلم والتنوير.
من هذا المبدأ أعطت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية وسام امتياز إلى النبي محمد ﷺعام 1935 كأعظم مشرّع عرفته البشرية.
فرسالته ودعوته تنبع من قول الله تعالى:
“إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.” سورة النحل الآية 90
مهّدت هذه المبادئ والتعاليم السبل للبشرية لتحقيق رغبتها في بناء مجتمع آمن ينعم بالرخاء والتطور.
واستطاعت الحضارة الاسلامية التأثير حتى في الشعراء والفلاسفة والمؤرّخين والقادة العظماء حتى يومنا هذا.
قال صموئيل بارسونز سكوت في كتابه “تاريخ الإمبراطورية البربرية في أوروبا”:
“يمكننا رؤية تأثير العبقرية العربية في روايات بوكاتشيو، ورومنسيات ثيرفانتيس، كما في فلسفة فولتير ومبادئ نيوتن الأولى، وكذلك الأمر في تراجيديات شكسبير كونها تتوافق مع المبادئ المدنية الحديثة وبقاء تأثيرها في الصفات والطبائع.”
صموئيل بارسونز، سكوت، تاريخ الحضارة البربرية في أوروبا، فيلادلفيا، منشأة ليبينكوت، كاليفورنيا 1904
من هذا المنطلق وتحت عنوان مهد النهضة الأوروبية، تقول مجلة العلوم والإيمان الأمريكية، عدد 12/2019:
“بدأ عصر النهضة فعليا في إسبانيا وليس في إيطاليا في القرن الخامس عشر ميلادي بل بفترة تسبقه بكثير، إذ كانت إسبانيا المهد الأول لنهضة أوروبا بأكملها وجاء نتيجة لاحتكاك الأوروبيين بالحضارتين العربية والبربرية (الإسلامية)، وتعتبر العلوم بمختلف مجالاتها المساهمة الأكبر التي قدمها العرب للحضارة الحديثة.”
من النابذين الذين تأثروا بالحضارة الإسلامية التي أحيت أوروبا نذكر جلبرت اوريلاك المعروف بسلفستر. ففي كتابه “1000 ميلادي والعالم على حافة القيامة،” يقول ريتشارد أوردوس،
“كانت تعرف الأندلس بكونها أرض العلم والعلماء والمكتبات ومحبي الكتب وجامعيها، فعندما درس جلبرت اوريلاك المعروف ب (سلفستر) من فيتش شمال إسبانيا (995-999)، كانت المكتبات الإسلامية الأندلسية تحتوي ما يقارب المليون مخطوطة. أما مكتبة قرطبة التي أسسها الحكم الثاني كانت أكبرها إذ ضمّت ما يقارب الـ 400,000 مجلد بمختلف المواضيع العلمية والأدبية…هناك درس جلبرت الأرقام العربية وأساسيات الفقه للمذهب المالكي وبهذا أصبح معروفاً بإنجازاته العلمية وعلمه الواسع.”
من هنا كتبت السيدة نانسي ماري براون Nancy Marie Brown كتابا دعته، المعداد (الحاسوب القديم الخرزي) والصليب The Abacus and the Cross والتي تحكي فيه كيف وصل سلفيسثر الى منصب البابا عن طريق العلوم والحساب. الفيديو القصير التالي باسم “البابا العالم،” يحدثنا عن الكتاب وسلفيستير.
ومن الجميل انه في برنامج برنامج TED Show يُوضّح تيري مور أن X في المعادلات الجبرية اتت من الحضارة الإسلامية.
ومثالنا الأخير هو ما قاله الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، ديويت دي أيزنهاور:
“إن الحضارة (حضارة اليوم) مدينة للعالم الإسلامي ببعض أهم أدواتها وإنجازاتها. فمن الاكتشافات الأساسية في الطب إلى أرقى مستويات علم الفلك، أضافت عبقرية المسلمين الكثير إلى ثقافة جميع الشعوب.” ديويت دي أيزنهاور، رئيس الولايات المتحدة الامريكية
حياة النبي محمد ﷺ ونشوء الاسلام
نبحث في هذا التدوين حياة النبي العملية والواقعية ونسبر أغوار شخصيته: أسباب نجاحه، حكمته، روحانيته، انسانيته، حياته كفرد، كأب، كزوج، كقائد ورجل دولة، كمدير، كمعلم، كتاجر ونبي بعثه الله تعالى لهداية الناس.
ولادة النبي ﷺ
ولد محمد بن عبد الله ما يوافق سنة 570 م لعائلة عريقة الشرف ومتواضعة من بني هاشم من قبيلة قريش في مكة، توفي والده عبد الله قبل ولادته بستة أشهر، ثم توفيت والدته آمنة عندما كان عمره ست سنوات، وتربى في كنف جدّه عبد المطلب، وبعد مرور عامين توفي جده عبد المطلب فكفله عمه أبو طالب الذي أصبح رائد بنو هاشم.
عمل في أولى سنوات شبابه برعاية الأغنام، فكان يرعى ماشية عمّه أبو طالب، وعندما بلغ الثانية عشرة رافقه في رحلة تجارية إلى بلاد الشام ليكتسب الخبرة في التجارة. تخبر كتب التاريخ الإسلامي أنه عندما كانت القافلة التجارية في مدينة بصرى قابل النبي ﷺ راهباً يدعى بحيرا الذي تنبّأ بنبوته.
استمرّ محمد بالعمل في مهنة التجارة بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، ووفق بحوث أجراها الدكتور جون مورو في كتابه (عهود محمد لمسيحيي العالم ) يظهر أنه من الممكن أن تكون تجارة النبي محمد ﷺ وصلت قبل الإسلام إلى مصر عبر شبه جزيرة سيناء.
يقدّم د.مورو دليلاً على عهود النبي ﷺ مع مسيحيي دير القديسة كاترين في شبه الجزيرة وأن محمد عليه السلام ذهب إلى ذلك الدير قبل الإسلام.
https://www.litencyc.com/php/members/showprofile.php?contribid=49777
محمد الصادق الأمين
قبل النبوة، اكتسب رسول الله لَقب “الصادق الأمين،” إذ لم يعرف عنه قط أنه كذب، و لنيله ثقة الناس بائتمانه و معاملته وحسن أخلاقه.
جنوح محمد للسلام
كان رسول الله ﷺاً محبا للسلام حتى قبل نزول الوحي. بفضل حكمته في قضايا قومه جَنَبَهم حربا قبلية وشيكة. فعندما تعرّضت الكعبة لعاصفة قوية وفيضان كبير في عام 600 م تضررت قوامها مما تطلب إصلاحات كبيرة لاعادة بنائها.
وفي عام 605 م أخذت أربع قبائل ذات سلطة على عاتقها مهمة ترميم الكعبة، وخلال مراحل الترميم الأخيرة، وتحديداً قبل وضع الحجر الأسود في مكانه، نشب خلافٌ بين رؤساء القبائل، فكل من كبار القادة اعتبر نفسه الأجدر في إعادة الحجر الأسود الى مكانه، حتى أن قبيلة بنو عبد الدار أحضروا إناءً من الدم ليغمسوا أيديهم فيه دلالة على استعدادهم لإراقة الدم لنيل شرف وضع الحجر في مكانه.
ومع آخر محاولة لإيجاد حل منطقي، اتفق القواد الأربعة أن يقبلوا بحكم أول رجل يدخل يأتي من باب الصفا، فكان رسول الله أول الداخلين، ففرح القوم بمقدمه فسماته كانت معروفة للجميع.
فما كان من رسول الله إلا أن طلب عباءة بسيطة ً وسأل القواد الأربعة أن يمسكوها، كل واحد بطرف، ووضع الحجر الأسود في منتصف العباءة. ثم طلب منهم أن يمشوا معاً حاملين الحجر إلى مكانه ثم وضعه رسول الله في مكانه. وبهذا نال كل من قوّاد القبائل الأربعة شرف حمل الحجر. وبحكمته استطاع نزع فتيل للحرب بين القبائل ربما استمرت لشهور أو لسنوات قادمة.
قبل الإسلام كانت الوثنية هي ديانة معظم العرب، ومارست بعض القبائل وأد البنات حديثي الولادة.
كانت القبائل العربية تميّز أولادها الذكور عن الإناث لدور الذكور في حماية القبيلة والدفاع عنها وكانوا يدفنون البنات بسبب الفقر أو مخافة العار لأهلها وقبيلتها، وعادة كان الوأد بعد الولادة بفترة قصيرة ولكن في قصتنا التالية، الحال مختلف.
روى ميسرة ابن معبد أن رجلا جاء إلى رسول الله فقال:
“كنا قوماً من الجاهليّة نفوسنا مليئة بالتيه و الغطرسة، عبدنا الأصنام وقتلنا أطفالنا. كان لدي فتاة، وكانت تسعد دائماً عندما أناديها وأحادثها، وفي يوم من الأيام ناديتها لتأتي إلي وأخذتها خارجاً إلى حفرة كان أهلي قد حفروها ودفعتها إلى الحفرة وهي تناديني وتستنجد بي. أبي!! أبي ! ولكنني تابعت رمي التراب عليها وكانت آخر كلماتها.. أبي، أبي. وصف الراوي عيون النبي محمد ﷺ بالدموع تنسكب على وجنتيه اذ كان يمسح دموعه ما بين تارة وأخرى وقال:
“ولولا أن رحمته سبقت عقوبته لعذبنك.” سنن الدارامي
بحكمته تعالى جعل الناس يُسألون عن أعمالهم، إذ قال: “وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت.” التكوير، 5
ولضمان أن أحداً من قومه لن يقدم على دفن ابنته حيّة، أخذ النبي محمد ﷺ عهداً من السبعين نفراً من المدينة الذين قدموا إليه معتنقين الإسلام بأنهم لن يقوموا بواد البنات، إذ قال: “إن الله حرم عقوق الأمهات ووأد البنات.” البخاري ومسلم.
وقد شجع النبي أيضا الآباء على تربية البنات، إذ قال:
“مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها أدخلَه اللهُ بها الجنة.” رواه أحمد
اعجابا بتعاليم النبي محمد ﷺ، كتب البروفيسور راما كريشنا راو:
“كان محمداً أكثر من صادق، لقد كان إنساناً حقيقياً حتى النخاع، كان شخصا لطيفا والحب لروحه هو الغذاء المستمر لخدمة البشرية والنهوض بالإنسانية وتطهير نفوس الناس وتعليمهم وجعلهم بشراً حقيقيين وكان هذا أساس دعوته.”
إنسانية النبي محمد
كان من الشائع في زمن الجاهلية وخاصة في أيام القحط والمجاعة أن تغزوا القبائل بعضها البعض من أجل الطعام والماشية وكل ما تقع عليه أيدي الغزاة، حتى الصبيان يصبح غنيمة.
وكان أحد ضحايا تلك الاختطافات صبيّ يبلغ من العمر ثمانية أعوام يدعى زيد بن حارثة.
اختُطف زيد عندما كانت أمه تزور أهلها على تخوم الشام. عندئذ هاجم الغزاة القرية واختطفوا زيد ثم باعوه كعبد في مكة. ولحسن الحظ اشتراه حكيم بن حزام وأهداه إلى عمته خديجة بنت خويلد وكانت حديثة العهد بالزواج من النبي وأهدته اليه. عاش زيد بن حارثة في كنف النبي بعطف يفوق الأبوة والحنان. بخلاف المجتمع الذي نشأ فيه، لم يعامل النبي زيد على أنه عبد مملوك، فطلباته واحتياجاته منه كانت كما لو كان حرّاً سيّد نفسه.
اما بالنسبة لاهل زيد فقد كان حزنهم شديد. ونظم أبو زيد الشعر الذي روي حزنه وولعه على ابنه. وكيف خيم الحزن على القبيلة، والتساؤل عن مصير وحال ابنهم.
سُرَّ والد زيد كثيرا اذ علم ان ابنه في بيت النبي من بني هاشم؛ اهل الحرم وجيرانه فجمع هو وأخاه مبلغاً من المال وسافرا إلى مكة آملين باسترجاع زيد إليه. دخل الاثنان مكة فوجدا النبي عند الكعبة وقالا: جئناك في ابن لنا عندك. فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائّه… فقال: “من هو؟” قالا: زيد بن حارثة، فقال محمد: “فهلا غير ذلك؟” قالا: ما هو؟ قال: ادعوه فخيروه فان اختاركم فهو لكم بغير فداء، وان اختارني فو الله ما انا بالذي أختار على من اختارني أحدا.” قالا: قد زدتَنا على الْنَصْف وأحسنت. فدعاه الرسول فقال له: “إن شئت فأقم عندي، وإن شئت فانطلق مع أبيك.” فقال: بل اقيم عندك… فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك واهل بيتك؟ قال نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا. لم يكن أبا زيد وأخيه مدركين مدى تأثير روح محمد ﷺ المفعمة بالإنسانية والعطف والرحمة.
فما كان من رسول الله، ولحفظ كرامة والد زيد إلا أن خرج بزيد إلى الكعبة وأعلن لقريش تبني زيد. ومنذ ذلك الحين أصبح زيد يدعى زيد بن محمد، حتى حرّم الإسلام التبني. ، انظر مختصر الجامع في السيرة النبوية سميرة الزايد
“تشير السجلات التاريخية إلى أن كل من عاصر النبي سواءً أكان صديقاً أم عدوّاً أقرّ بصفاته النبيلة وصدقه الطاهر وفضيلته ومصداقيته التامة وأن رسول الإسلام كان أهلاً للثقة في كل مجالات الحياة وكل جزء من النشاط الإنساني.” راما كريشنا راو، عن النبي محمد ﷺ.
محبة رسول الله لأعمال الخيرية
شارك النبي في منهج العدالة الاجتماعية لدى قريش في فترة ما قبل الإسلام وأقرّها في الإسلام، فقد حضر اجتماعاً مع عمّه لنصرة المظلوم والدفاع عن حقوق المستضعفين الذين يتم استغلالهم من قبل سادتهم. وبعد ظهور الإسلام قال النبي:
“لقد شهدت حلفا في دار ابن جدعان ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، و لو دعيت به لأجبت.” البداية والنهاية.
نزول الوحي
اعتاد رسول الله على الذهاب إلى جبل النور في شمال مكة للتأمل في خلق الله ولتصفو نفسه للخالق. كان احياناً يمكث هناك شهر كاملاً. وخلال إحدى تأّملاته، وهو في سن الأربعين، حدث لقاءٌ غيرُ متوقعٍ جعله في حيرة كبيرة من أمره، حيث جاءه كيانٌ غريبٌ فقال له:
وهكذا بدأ الوحي بكلمة اقرأ وتتابع نزوله على مدى 23 عامًا والذي شكل القرآن الكريم.
ونتيجة نزول هذا الكتاب، ازدهر المنطق والروحانية والتجارة والعلوم والفنون حتى كون العصر الذهبي للإسلام. ومن عصر الإسلام الذهبي هذا نبتت بذور النهضة الحديثة والتي كانت بداية خروج أوروبا من عصور الظلام، حيث رفضت العقلانية والمعرفة معا.
بعض المبادئ القرآنية
يتبنى القرآن العديد من المبادئ التي تدعو إلى الخير والرشد والروحانية والحرية والتجارة والمعرفة العلمية والاجتماعية وغيرها. وتتجلى هذه المبادئ كذلك في الحياة العملية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الرسالة. وفيما يلي بعض هذه المبادئ.
ا- شمولية الإسلام للشرائع السماوية
ينص القرآن الكريم على أن اسم الدين الاسلام، الخضوع الكامل لله وان جميع الأنبياء السابقين، آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل هم مسلمون وبعثوا لهداية أقوامهم إلى طاعة الله تعالى. هذا نص إحدى هذه الآيات:
بعد قراءته لهذه الآية، قال الدكتور غاري ويلز،
.الدكتور غاري ويلز حاصل على جائزة بوليتزر (نوبيل)، التي تعتبر على نطاق واسع أرفع جائزة صحفية في الولايات المتحدة.
ب- صلاحية القرآن وعالمية
:القرآن هدى للناس كافة، وليس للمسلمين فقط. يقول الله تعالى
شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًۭى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ۚ.” البقره 185
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌۭ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًۭى وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ.” يونس 57”
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.” ٦٢ البقرة
مستعرضًا العديد من آيات ومفاهيم القرآن الكريم، قال الدكتور غاري ويلز لجمهور مهرجان شيكاغو للعلوم الإنسانية:
“أنا كمسيحي أعتبر أن عيسى هو نبي الله الواحد. لذا، كمسيحي أنا أعبد الله.”
ت- مرونة الرسالة
القرآن هو مناسب لجميع الأزمنة والأمكنة. آيات القرآن، كلماته، وحروفه ثابتة. لكن معاني تلك الآيات والكلمات مرنة وفيها من البيان ما يتناسب مع كل زمان ومكان. يقول الدكتور عبد الواحد وجيه أن القرآن نزل “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ” (26:195)؛ بمعنى أن اللسان بفصح عن ألوان من البيان بما فيها الأدب والشعر. ويعكس عادات وتقاليد المجتمع. أي أن كلمات القرآن فيها مرونة تحمل الوانا من البيان والمعاني بحيث تتناسب مع الظروف البشرية العديدة القابلة للتطور عبر الأزمنة والامكنة.
ث- تبليغ الرسالة بما يطابق حال المُبَلَغِ اليهم
أمر الله تعالى نبيه محمدا بتبليغ الوحي بكلمة “بلغ.”
“حَدِّثُوا النَّاسَ، بما يَعْرِفُونَ أتُحِبُّونَ أنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ ورَسولُهُ.” البخاري
وقد دفعت هذه الآية (المائدة:67) علماء الإسلام واللغويين الأوائل إلى إنشاء علم البلاغة. ومن كبار اللغويين ونقاد الأدب معمر المثنى ( (110 هـ – 209 هـ / 728 م – 824 م) الذي ألف كتاب “مجاز القرآن”. ثم جاء من بعده الجاحظ (159 هـ–255 هـ) الذي ألف كتاب “البيان والتبان.” الجاحظ يعتبر أمام علم البلاغة. ولاحقا الخبير باللغة العربية محمد الجرجاني (400 – 471هــ/1009–1078م) أسس هذا العلم في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز.
هذه القاعدة القرآنية الذهبية المبينة لآلية توصيل المادة الدينية “تلقائيا” تبقي المسلم أو الداعي على اتصال دائم بالواقع والحضارة المتنامية. وهذا ما يبين واقعية الإسلام وحيويته ومواكبته للحياة وتحديات التطور والتحضر.
ويتساءل المؤلف عن السبب الذي جعل هذه القاعدة القرآنية الذهبية للتبليغ الديني بما يناسب المتلقين وظروفهم لم تصبح القاعدة المعيارية التي يعتمدها رجال الدين الإسلامي في الخطاب الديني.
على سبيل المثال، لماذا يفرض بعض علماء المسلمين على اتباعهم تطبيق التفسيرات والأحكام الدينية التي أصدرها علماء القرنين التاسع والعاشر، على أبواب القرنين العشرين والحادي والعشرين والتي يمكن أن كانت مناسبة لعصور مضت؟ والأسوأ من ذلك أن الأحكام التي يصدرها علماء اليوم، بلغة العصر، إما ان تُتهم بالانحراف أو تُرفض لأنها لا تتفق مع فتاوى العلماء التقليديين القدامى.
بل الأسوأ من ذلك أن بعض رجال الدين القدامى وضعوا الآلاف المؤلفة من الفتاوى الدينية والفقهية والفكرية حيث غدت وكانها التراث الاسلامي للكثير حتى هذا اليوم، ولكنها في حقيقتها من صنع الإنسان. المصدر الإسلامي الرئيسي يجب أن يبقى القرآن والأحاديث النبوية التي توافقه.
توصية
ويرى المؤلف أن هذا الانزواء عن مبدأ التبليغ القرآني قد ساهم إلى حد كبير في إبعاد المسلمين وغير المسلمين من المنهج القرآني، ومن ثم تراجع المسلمين وفشلهم دينيا ودنيويا لانهم، كثيرا من الاحيان، يتبعون فتاوى وضعت لعهود مضت ولظروف وبيئات وسياسات مختلفة تماما عن بيئات وظروف القرن الحادي والعشرين.
ح- إقامة العدل
العدل هو من أبرز أهداف القرآن. يقول الله تعالى:
” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا.” المائدة 8
ومن العدل أيضًا أن القرآن يحضّ الناس على أن يتنزهوا عن كل عمل شيطانيّ مشين.
“ان الله يامر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.” النحل 90
“إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ.” البقرة 169
خلق الله الإنسان حراً طليقاً.
“إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا.” 3 الانسان
ويدعو القرآن الكريم إلى حرية الاعتقاد والتعبير والمتاجرة.
ذ- حرية الاعتقاد
“وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَـَٔامَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ.” يونس ٩٩
لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.” البقرة ٢٥٦
يقول الدكتور عدنان ابراهيم: “ان الجوهر في مبدا “لا اكراه في الدين” هو بسط الحريات وحياطة الحقوق.”
انظر أيضا،
يقول الله تعالى:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۭ.” الحجرات 13
تضع هذه الآية (49: 13) معايير التعايش السلمي والتعاوني بين جميع الناس وجميع الأمم. وتعني كلمة “تعارفوا”: “تعلموا عن بعضكم البعضً للتعاون لبناء والتتقدم في الحياة”. هذا التعاون ربما ينطبق على جميع جوانب الحياة ولا حدود له. يمكن أن يكون التعاون في الدبلوماسية والتجارة وتبادل الموارد والتكنولوجيا والصناعة والزراعة وحماية البيئة، وغيرها من مناحي الحياة. ايضا، “التعلّم” يشمل العادات الاجتماعية، والموارد الطبيعية، والتكنولوجيا، والصناعة، والزراعة، والعناصر البيئية الأخرى المشتركة بين جميع الناس.
على عكس الفهم الكلاسيكي للرحمة في الغرب على أنها الرأفة بالمسيء، فإن الرحمة في الإسلام يمكن أن تكون أيضًا نعمة وهبة للبشرية من الله تعالى للتعامل مع بعضهم البعض بطرق رحيمة. وقد شرح الدكتور سعيد خان هذا المفهوم في الفاتيكان ثم في وقت لاحق لشبكة سي إن إن.
الرحمن والرحيم، صفات الله سبحانه وتعالى في رحمانيته والتي لا حصر لها ولا نهاية. أولًا: الرحمن: التجليات في الرحمن اكبر من الرحيم لان زياده المبنى تدل على زياده المعنى. فالرحمان تشير الى نعم الله الكونية والمركزية، كالشمس التي تهب الدفء للمخلوقات على الأرض لتبقى على قيد الحياة، وتسخير الرياح لتحمل السحاب من المحيطات محملة بالأمطار الغزيرة، وتنزلها على الأرض الميتة لتخرج الثمار والزروع والنباتات ليقتات بها الناس وسائر المخلوقات; وطبقة الأوزون لحماية الإنسان والحيوان من الإشعاعات الفضائية الضارة، وهيأ الغلاف الجوي ليتنفس الناس وسائر المخلوقات الأخرى، وأتاح الليل والنهار للعمل والراحة، وخصص الجنة والنار ثوابًا للترغيب في الخير، وعقابًا لمنع الشر.
والرحيم: تشمل رحمات الله تعالى الذاتية والشخصية والظرفية والظرفية التابعة للشخص مثلا. وهذا الصنف من رحمات الله لا يمكن حصره أو إحصاؤه. ومن الأمثلة على ذلك: خلق الفرد: شكل الوجه، والشعر، والعينين، وما إلى ذلك، والنجاة من الإصابة بحادث أو كارثة طبيعية، وحنان الأمهات على مواليدهن ورعايتهن، ورضاعة المولود من ثدي أمه، وتنوع ومستوى خدمات الإنسان للإنسان، وقائمة نعم الله ورحماته على الإنسان وبقية الخلق لا تنتهي ولا يمكن حصرها أو استيعابها.
يعلمنا القرآن الكريم أنه لا تُزهق روح الإنسان إلا بالطرق القانونية، وإن قتل نفس واحدة كقتل كل البشرية.
“مَنْ أَعَانَ عَلَى سَفْكِ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ عَلَى جَبْهَتِهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.” . ابن ماجه والبيهقي وأبو يعلى والبيهقي وأبو يعلى
ض- فصل الدين عن الدولة
الفصل بين الدين والدولة هو امر بالغ الاهمية في الغرب. وهو البند الأول من فقرات الدستور الأمريكي للحرية الشخصية. وهذه العبارة تعني أنه “لا يحق للكونغرس الامريكي أن يضع أي قانون يتعلق بإقامة الدين.” تعود جذور “الفصل بين والدولة” إلى المخاوف الأمريكيين المبكرة من تدخل الحكومة في فرض ديانة ما على المواطنين.
-
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿٩٩ يونس﴾.
-
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٥٦ البقرة﴾
-
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴿١٠٧ الأنعام﴾
-
إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴿٤١ الزمر﴾
-
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴿٦ الشورى﴾
-
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴿٤٥ ق﴾
-
قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴿١٠٤ الأنعام﴾
-
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴿٨٦ هود﴾
-
مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴿٨٠ النساء﴾
-
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴿٢١﴾ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ﴿٢٢ الغاشية﴾
-
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٥٢ الأنعام﴾
-
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴿٤٥ ق﴾
-
وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ﴿٤٠ الرعد﴾
-
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٢٨ آل عمران﴾
-
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ﴿66 الأنعام﴾
-
فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ.” النحل 82
معجبًا بهذه المبادئ النبيلة نابليون بونابرت كتب يقول:
“آمل أن الوقت ليس ببعيد عندما أتمكن من توحيد جميع الحكماء والمتعلمين في جميع البلدان وإقامة نظام موحد قائم على مبادئ القرآن التي هي وحدها الحق والتي وحدها تستطيع أن تقود الإنسان إلى السعادة.” مقتبس في كتاب كريستيان شير فليس ”بونابرت والإسلام“، باريس، 1914
الجزء الثاني
توقع النبي محمد عليه السلام أن قريشاً ستكذبه وتنكر رسالته، لأن مكة أصبحت مركزا تجاريا مهمّاً ومحطة لمرور القوافل التجارية عبرها، وان قريشا كانت تستغل الناس بقوانينها الغيرعادلة. مارك غراهام في كتابه كيف صنع الإسلام العالم الحديث؟
“نقضت الرسالة التي بُعِث بها النبي محمد مكانة قريش وعاداتهم وتقاليدهم بشكل مباشر. فقد دحض محمد الخرافات التي تبِعها آبائهم ومنعَهم عن عبادة الأصنام. كانت القوانين المطبّقة عند كبار قريش واغنيائها تختلف عن قوانين باقي أفراد المجتمع. فقريش لم تعترف بالمساواة بين القوي والضعيف وبين النساء والرجال وبين الحر والعبد.”
وجاء في اقتباسٍ كتبه مارك غراهام تعقيباً على هذا الأمر: ” لقد كان الاغنياء المضطهِدين والمعذِّبين في مفاجأة كبيرة، فما جاء به محمد كان أقوى من مالهم وسلطانهم وجبروتهم.
“قتل الإنسان ما أكفره، من أي شيءً خلقه، من نطفة خلقه فقدّره، ثمّ السبيل يسّره، ثم أماته فأقبره.” سورة عبَسَ الآيات 17-21
فجأةً أصبح النظام الجديد الذي يحكم هو الإسلام لله تعالى وحده، والذي ألغى ما قبله من مفهوم الثروة والجاه والانتماءات القبلية.” (كيف صنع الإسلام العالم الحديث، مارك غراهام)
عندما أدرك محمد أن الوحي الذي جاءه هو وحي النبوّة من عند الله، سرعان ما بلّغ صديقه أبا بكر برسالته التي بُعث بها والتجارب التي عاشها، فسارع أبو بكر بالتصديق والإيمان بما جاء به محمد. بدأت الدعوة سريّة خلال السنوات الثلاث الأولى من نزول الوحي، حتى لا يكون الإعلان عنها دافعاً لعرقلتها ومواجهتها بالعنف. دعى النبي محمد ﷺ أفراداً من جميع عشائر قريش ودعاهم للإسلام، فصار اتباعه يزيدون شيئاً فشيئاً حتى بلغ عددهم ما يقارب المئة رجل وامرأة من مختلف عشائر قريش. وبفضل وبفضل هذه الخطة كون قاعدة واسعة من المسلمين تضم كافة الطبقات الاجتماعية والعشائر القرشية. وهذا مما سيكون رادعاً لهجوم قريش على المسلمين لكون العديد منهم من أبناء قبائلها.
اتخذت معارضة قريش لرسالة محمد أشكالاً عدّة منها: اللجوء لتقديم الاغراءات وحتى الرشوة بالعروض المربحة والصفقات. وعندما لم تنجح هذه الوسائل عادوا إلى التنديد والتعذيب وقتل الخدم والضعفاء. فتحمل النبي وأصحابه الكثير من الأذى الجسدي واللفظي، كالسجن والتعذيب بالنار والخنق والصّلب. وعندما لم يجدي هذا نفعاً، لجأت قريش إلى إخراجهم من ديارهم ونفيهم خارج مكة.
أتّخذ النبي محمد نهجاً قويماً واضحاً بعيداً عن المكر والخداع وكان يدرك جيّداً كل كلمة يقولها وكل فعل يقوم به، وخير مثالٍ على ذلك كان العرض الذي قدّمه قيادات قريش لمحمد عن طريق عمّه أبو طالب، والذي عرف بدفاعه عن النبي وحمايته له. فقالوا أنهم سيّزوجونه أجمل الفتيات وينصّبونه ملكاً للقبائل العربية على أن يترك ما جاء به، فرفض محمد ذلك العرض وقال:
“والله يا عمّ، لو وضعوا الشّمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلكَ من دونه.”
مع العلم أن محمداً كان بإمكانه خداع قريش بقبول عرضهم وعندما يصبح ملكاً لهم يستغل منصبه في نشر رسالته. ولكنه لم يكن ليخدع الناس ويتخذ الكذب والاحتيال. فحتى لو وضعت قريش الشمس في يمينه والقمر في يساره، لا منصب ولا رئاسة ولا مُلْك ولا كلُّ هذا مُجتمعاً كان يشكّل دافعاً لخيانة عهد الله تعالى.
وهذا مما يوجب التساؤل في وجود جماعات من المسلمين الذين يقدمون على المكر والخداع والقتل وتدمير الممتلكات في سبيل الوصول إلى المنصب، مخالفين بذلك رسول الله والقيم الالهية والانسانية.
على الرغم من سوء المعاملة التي تلقاها محمد وأصحابه ورغبة الصحابة برد الأذى بمثله، رفض النبي مجابهة الكفّار واستخدام العنف، وبدلاً من ذلك، حثّ أصحابه على الصبر وتحمّل الأذى والعذاب، وظلّ دائماً يبحث عن حلول سلمية لمواجهة المشاكل في طريق دعوته.
وهكذا، بينما كانت المشاكل تُحل بالعنف والأذيّة عند العرب في شبه الجزيرة، أصر النبي محمد على إيصال رسالته وإيجاد الحلول الإنسانية السلمية للتصدي للظلم والاستبداد الذي تمارسه قريش ضد أتباعه. فطلب من بعض من الصحابة ميسوري الحال شراء الخدم والعبيد المستضعفين ومن ثمّ اعتاقهم، كما جعل دعوته سرية في دار ابن الأرقم. ووجّه النبي محمد أتباعه لعدم إشهار إسلامهم في الكعبة وأن يؤدوا الصلاة سراً وليس جهراً حتى يسود أجواء مكة الامن ولا يكون الدين سببا لرفع الأمان من المجتمع، ولو كان ذلك على حساب تعديل الصلاة.
كانت رسالته ومازالت باعثاً على العواطف الإنسانية والتقوى، والابتعاد عن التنازع وبث الكره بين الناس. والجدير بالذكر أن المسلمون حول العالم إلى يومنا هذا يؤدون صلاة الظهر والعصر سرّاّ تَمثُلا برسول الله في حفظ أمن الناس.
إن الأمن والسلام في المجتمع عامليْن أساسيين لنماء الأمة على كل الأصعدة. فقد رفض النبي محمد ﷺ الرد على قريش على الرغم من أذاهم المتكرر والتهديد والتعذيب، وكان من السهل الانجرار وراء رغبة العديد من الصحابة بمهاجمة قريش، وحتى عندما أصبح المؤمنون أكثر عدداً وقوّةً، كما في المدينة. إن النبي كان مدركاً تماماً أن العنف ليس هو الطريق الصحيح
استجابة لأمر الله بإعلان نبوته ورسالته لأقاربه على وجه الخصوص (بنو هاشم)، دعا النبي خمساً وأربعين من عشيرته إلى الطعام في منزله، وبعد الفروغ من تناول العشاء، وفور بدء محمد بالكلام، قاطعه عمّه أبو لهب الحديث قائلا: “ما رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشرٍّ مما جئتهم به.” فما كان جواب النبي لهذا الاتهام والإهانة والاستفزاز؟ كان جوابه نبيلا للغاية، كان جوابه الصمت ولم يتكلم بكلمة.
بهذا الصمت تفادى النبي صراعاً وشيكاً بين أفراد عائلته، واجتَثَ الجدل والعداوة من جذورهما.
كان النبي يدرك أن غاية الله تعالى في الأرض هو إعمارها وليس خرابها، بل تحقيق مجتمع قويم. وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا في محو الشقاق وتثبيت الأمن والاستقرار. والى هذه الحقيقة كتب للدكتور خالد أبو الفضل في كتابه، السرقة الكبرى – انتزاع الإسلام من المتطرفين :
“كلّما ازداد الفساد والخراب في الأرض، كلّما ابتعد الناس عن التقوى وخشيته الله،”
ملقياً الضوء على القيم الإنسانية السامية التي دعا إليها الإسلام في إعمار الأرض بالخير والرحمة والعدل والسلام. وأراد النبي محمد أن ينهل الجميع من نبع المعرفة التي جاء بها، بما فيهم عمّه أبو لهب، فجمع رسول الله أهله وعشيرته مرّةً ثانية على الطعام، وبادر بالحديث فقال:
“يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا؟” رواه البيهقي
لم يستجب لدعوة النبي عليه السلام سوى ابن عمّه اليافع علي بن أبي طالب، فاعتنق الإسلام. أما عمّه أبو طالب فلم يُسلم ولكنّه تعهد بحماية النبي والوقوف بجانبه. واستمرّ عمّه أبو لهب في معارضته. والجدير بالذكر أن جميع الحاضرين كانوا منصتين للنبي وبمثابة فرداً من أسرتهم. بفضل أسلوب النبي الراقي والمتمثل بالهدوء في إيصال تعاليمه، حال دون انتشار الكره والفرقة في عائلته ومجتمعه فكانت شخصيته مثالاً حيًا في الإصلاح باللين وإحترام الآخر.
الإسلام والعالم
يشترك الإسلام في كثيرًا من المبادئ الجلية في العالم. ويعتقد المسلمون أن الإسلام هو الشكل النهائي لنفس الدين الذي أنزل على الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجميع أنبياء إسرائيل. يقول العلامة حسن المالكي:
إن الإسلام يشترك في عدة سمات فطرية مع جميع الشعوب والأمم. العدل والإحسان والرحمة، واستخدام العقل، وحرية الفكر والدين، ونشر المعرفة والعلوم المفيدة لبناء العالم وتثبيت الجمال هم مما يشارك الاسلام امم الارض.”
بالإضافة، الإسلام يدعو الأمم والشعوب للتعاون: إن خير الناس عند الله أكثرهم تعاونا. كما في قول النبي محمد
“المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس.” رواه الطبراني
وقال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.” الحجرات: 13
يرى المالكي أن التعاون المطلوب في الاية غير محدود. فهو يقوم على المستوى الفردي والوطني والدولي. يمكن أن يكون التعاون في الحيز الدبلوماسي، أو التكنولوجي، أو الاجتماعي، أو السياسي، أو الفكري، أو غيرها من الموارد البشرية، وما إلى ذلك. ويوضح أن مصطلح التقوى في الآية هو اجتناب الأذى ووقف العداوات في التصرفات والمعاملات. مما يمثل المبدأ الأفضل لبناء حياة جميلة وكريمة.
ملجأ آمن عند ملك مسيحي 615/616 م
وعلى الرغم من أن معظم آل النبي اختاروا قبوله وحمايته، إن لم يكن إتباعه، فقد استمرت قريش في إيذائه وإذلاله وتعذيب العديد من أصحابه وقد اوصى النبي محمد هؤلاء الصحابة الذين لم يستطيعوا تحمل العذاب وأرادوا الهجرة إلى الحبشة ليعيشوا في حماية من ملكها مسيحي العادل الذي يدعى النجاشي. يدل فعل النبي هذا على ان النبي محمد يدعو الى التعاون مع أهل الكتاب من النصارى واليهود.
وحول هذه النقطة، يتحدث الدكتور مزمل صديقي، أحد العلماء والقيادات الإسلامية البارزة في أمريكا فيقول:
“لما كان المسلمون في الحبشة، بعث أهل مكة قومًا في أثرهم؛ ذهبوا إلى الملك وقالوا له الا يحمي، بل ويطرد هؤلاء الخدم الذين هربوا من قومهم. فقال الملك: “لكنني أريد أن أسمعهم.” دعهم يأتون ويتكلمون. وعندما تحدث جعفر نيابة عن المسلمين الآخرين وشرح رسالة الإسلام، قال النجاشي لا، لديهم كل الحق في ممارسة دينهم. وسمح لهم بالعيش هناك. علاوة على ذلك، بادل المسلمون الولاء لذلك الملك؛ لقد ساعدوه في قتال أعدائه لأنهم قدروا الخير الذي فعله لهم.”
https://en.wikipedia.org/wiki/Muzammil_H._Siddiqi
إقصاء محمد وعشيرته إلى المنفى 616-619 م
بعد ثماني سنوات من نزول الوحي على محمد، وسَّعت قريش حملتها الهجومية ضده لتشمل عشيرته بأكملها، مسلمين أو غيرهم. لقد وضعت خطة غير إنسانية لمقاطعة الأسرة اجتماعيًا واقتصاديًا واجبرتهم على الخروج من مكة إلى منطقة قاحلة تعرف باسم وادي أبي طالب. ولم يكن مسموحاً لأي فرد من أفراد العشيرة أن يتعامل أو يتزوج أو يشتري أو يبيع أو يختلط ببقية قبائل قريش. واستمرت هذه العقوبات ثمانية وعشرين شهراً، أثرت على النبي وآله حتى أكلوا من الأعشاب والجذور والشجيرات.
زيارة الوفد المسيحي 619 م
لقد زرع عمل النبي الدعوي خارج الجزيرة العربية بذورًا غالبًا ما تنمو لتعود بعلاقات مفيدة مع الأديان المختلفة. لقد عرف النبي بحكمة أن مهمته لم تكن إدخال كل نفس في الإسلام، بل تعزيز العلاقة السلمية والمحترمة بين الإسلام والديانات الأخرى. على سبيل المثال، أرسل النجاشي ملك الحبشة وفداً مسيحياً مكوناً من ثلاثة وثلاثين شخصاً لزيارة النبي في منفاه وأعرب عن قلقه على أحوال المسلمين. ويعتقد البعض أن هذه الزيارة أدت إلى رفع العقوبات المفروضة عليهم.
وعندما زار الوفد النصراني النبي، غمرتهم حكمة النبي والنص القرآني الذي تلاه عليهم. لكن زعماء قبائل قريش أهانوا اللجنة المسيحية لإظهارها الاهتمام والتعاطف مع المسلمين.لكن الوفد امتنع عن الرد على إهانة قريش. ونزل بهذه المناسبة وحي سماوي يعظم رسالتهم الانسانية وتعاطفهم. سورة 28، الآيات 52-55، تقول:
اَلَّذِيۡنَ اٰتَيۡنٰهُمُ الۡـكِتٰبَ مِنۡ قَبۡلِهٖ هُمۡ بِهٖ يُؤۡمِنُوۡنَ ﴿28:52﴾ وَاِذَا يُتۡلٰى عَلَيۡهِمۡ قَالُوۡۤا اٰمَنَّا بِهٖۤ اِنَّهُ الۡحَـقُّ مِنۡ رَّبِّنَاۤ اِنَّا كُنَّا مِنۡ قَبۡلِهٖ مُسۡلِمِيۡنَ ﴿28:53﴾ اُولٰٓـئِكَ يُؤۡتَوۡنَ اَجۡرَهُمۡ مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُوۡا وَيَدۡرَءُوۡنَ بِالۡحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنٰهُمۡ يُنۡفِقُوۡنَ ﴿28:54﴾ وَاِذَا سَمِعُوا اللَّغۡوَ اَعۡرَضُوۡا عَنۡهُ وَقَالُوۡا لَنَاۤ اَعۡمَالُنَا وَلَـكُمۡ اَعۡمَالُـكُمۡ سَلٰمٌ عَلَيۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِى الۡجٰهِلِيۡنَ ﴿28:55﴾
كشفت زيارة الوفد الحبشي عن المعاملة اللاإنسانية التي يمارسها زعماء قريش على المسلمين وبعض من اختلفوا معهم من أهلهم. وربما كانت تلك الزيارة قد أيقظت ضمير بعض زعماء قريش، حيث اتفق هؤلاء القادة على “وقف العمل الأحمق المتمثل في المقاطعة.” فجمعوا الناس عند الكعبة وطالبوا قريش بإنهاء الحصار. ونتيجة لهذا الاجتماع تم رفع الحظر.
وهكذا كانت زيارة الوفد المسيحي مثالاً صادقاً وجميلاً للمعنى الحقيقي لتضافر الأديان المختلفة لخدمة الإنسانية.
وفاة عم النبي وزوجته 619 م
وبسبب الظروف القاسية التي فرضت على قوم النبي، أصيب بعض أفراد عائلته بالمرض. فبعد فترة وجيزة من انتهاء المقاطعة، توفي عم الرسول أبو طالب، ومن ثم توفيت زوجته خديجة. وكانت وفاتهما نتيجة السنوات الطويلة من سوء التغذية والمصاعب في المنفى. لقد كان حزن النبي حزنًا شديدًا لفقد اثنين من كبار أنصاره، وعُرف هذا العام باسم عام الحزن.
الهجرة إلى الطائف
620 من ضمن العرف في شبه الجزيرة العربية حماية جميع من ينتمي إلى القبيلة، وكلما ازداد عدد أفراد القبيلة، ازدادت قوتها وقدرتها على حماية نفسها. الآن وبعد خسارة النبي لعمّه وزوجته، فقد فقد حماية عمه، بدأ النبي محمد ﷺ بالبحث عن مكان آخر غير مكّة ليكون مركزاً لدعوته خوفاً من تصاعد أذية قريش.
قرر رسول الله الذهاب إلى الطائف، على بعد 150 كيلومترا جنوب مكة. وعلى الرغم من علمه بأنه سوف يعرض حياته للخطر في الصحراء، إلا أنه ظل يأمل في إيجاد تأييدا من أهلها. ولكن للأسف الشديد، قوبل النبي بالرفض القاطع من أهل الطائف، بعدما قابل الثلاثة من كبار قادتها, بني ثقيف، وعرض عليهم رسالته، كان رد الحاكم الأول:
“سأمرط ثياب الكعبة، إن كان الله أرسلك حقا.”
أمّا الثاني فقال:
“أما وجد الله أحداً غيرك ليرسله؟”
أما القائد الثالث فرفض مقابلة محمد ولكنّه أرسل خادمه حاملا الرد على دعوته والذي جاء فيه:
“والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك.”
فقام رسول الله من عندهم وقد يئس من خير ثقيف. وعندها طلب منهم أن يكتموا عليه ولا يشيعوا خبره فيشتدّ عليه أذى قريش، فلم يلبوا رجاءه، بل أرسلوا سفهاءهم وغلمانهم ليرمونه بالحجارة فأصيب، بجروح بليغة حتى أدْمي عقبيه. وانتهى به المطاف إلى شجرة كرم استظلّ بها وهنالك دعا الله قائلاً:
” إلهي إليك أشكو إليك ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو وكلته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي …”
وبعد مناجاته هذه نزل ملك الجبال على النبي محمد وقال له: “لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين.” لكن النبي وبالرغم من جراحه البليغة وخيبته من ثقيف، رد قائلا:
“بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً.”
ما كان رسول الله ﷺ لغضب لنفسه، بل رغم كل ما حصل معه، كان رحيب الصدر طيب النفس، وتمكن من التحكم بغضبه والأذى الذي تعرّض له. فنزل وحي سماوي يمجّد قدره واهتمامه ببني الإنسان قائلا،
“وإنك لعلى خلُقٍ عظيم.” سورة القلم الآية الرابعة
وجاء أيضا في سورة سبأ:
“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.” الآية 21
الآن، وبعد الطائف لم يجد النبي محمد أمامه خياراً سوى العودة إلى مكّة، والخطوة المستوجبة لدخولها هي إيجاد قبيلة تحميه فيها. فأرسل غلامه زيد حاملاً معه أسماءاً للعديد من قواد القبائل، آملاً أن يلبي أحد منهم دعوته، وجاءت الاستجابة من قائد مشرك يدعى المطيع بن عدي.
ولمدة ثلاث سنوات تالية، كان محمداً تحت حماية مشرك، ولكنه تمكن بفضل حكمته ورشده من التعامل مع الظروف الجديدة، فلم يكن يهين آلهة قريش واصنامها بشكل متكرر كما في السابق، وبدلا من ذلك ضاعف جهوده في مقابلة زوار مكة، وخاصة خلال مواسم الحج. ساعد أسلوب النبي محمد الواعي والعقلاني الى إيصال دعوته بشكل مجدٍ ومثمر.
وفي موسم الحج لهذا العام، اجرى النبي محمد لقاءا مع البعض من أهالي مدينة يثرب الذين أيّدوه وصدّقوا نبوته. وعندما عاد المعتنقين الجدد للإسلام إلى قومهم دعوهم إلى الإسلام فأجابوه وازداد المسلمون عدد اً. وفي موسم الحج للعام التالي اجتمع النبي مع اثني عشر فرداً منهم بالسرّ، وعاهدوه على الولاء له وحمايته والتحلي بمكارم الأخلاق. وطلب النبي من الصحابي مصعب بن عمير مرافقتهم إلى يثرب ليكون ممثلا له فيها.
نجح مصعب بن عمير وأصحابه من إدخال الكثير من أهل يثرب في الإسلام. وفي العام المقبل لموسم الحج، اجتمع المسلمون من أهل يثرب مع النبي سرياً مرة أخرى وكان عددهم عندئذ سبعين نفراً. جدد هؤلاء النفر مبايعة النبي على التخلّق بالصدق والتحلي بمكارم الأخلاق وحمايته، وقد سمّيت هذه البيعة بالعقبة الثانية.
اختار النبي محمد 12 شخصاً منهم يمثلون قبائلهم، وعين عليهم مصعب. وبفضل قيادة مصعب الحكيمة أصبح المجتمع المسلم في يثرب ذو قوة معتبرة وبدأ ميزان القوى النسبي بين قريش والمسلمين بالتحول لصالح المسلمين.
وهذا النظام في الانتخابات هو تقرير للفصل بين الدين والدولة. وخير دليل على هذا كان بيعتا العقبة الأولى والثانية. هذا المبدأ تجلى بشكل ملحوظ قبل دخول معركة بدر مع قريش. هناك أخذ النبي محمد رأي الأنصار في الدخول في المعركة. إذ أنهم بايعوا الرسول في العقبتين الاولى والثانية على الطاعة والحماية والوقوف بصفّه في المدينة، وليس خارجها كما هو الحال في بدر والذي لا يلزمهم بالقتال. لكن سعد بن معاذ قائد الأنصار أجاب:
“…فقد آمنّا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد..”
بعد إعطاء الأنصارالولاء، وبعد موافقة المقداد بن عمرو وباقي قادة المسلمين، جاء قرار النبي بخوض المعركة مع قريش. إن كان سلوك النبي بإجراء تصويت واستشارة أصحابه يدل على شيء، فهو يدلّ على مبدأ ديمقراطي وأنه لم يستخدم مكانته في النبوة في تقرير يمس امر الجميع، بل جعله من خلال مساهمتهم في اختيار شؤونهم وخاصة المهمة منها. وهكذا هو الحال في الأنظمة الديمقراطية اليوم.
بالاضافة، يعتقد البعض أنه إن اختار الله تعالى قائدا بشرياً ليكون له خليفته في الأرض فسيكون هناك الكثير من الظلم بسبب الطبيعة البشرية الدائمة السعي وراء الثروة والقوة والتسلط. كما في فرعون الذي قال متكبّرا ومتجبّر اً، “أنا ربكم الأعلى.” هذه بعض المعايير التي ربما أوجبت الشريعة الإسلامية بها فصل الدين عن الدولة.
معجزة الإسراء إلى المسجد الأقصى والعروج إلى السماء 621 م
ما كان الرفض الذي قوبل به النبي من أهل مكّة والطائف ليحط من عزيمته في مواصلة مهمته ولو لدقيقة. ومواساة له، أسرى الله تعالى به الى القدس في معجزة إلهية ومن ثم عرج به إلى السماء السابعة. وقابل النبي في هذه الرحلة الاستثنائية الأنبياء جميعهم بدءاً بإبراهيم، وموسى، وعيسى، وباقي الأنبياء. كما وصلى بهم في المسجد الأقصى ومن ثم عرج إلى السماء السابعة. وفي طريقه قابل الأنبياء ثانية وعندما كان بجوار عرش الرحمن فرض الله تعالى عليه والمسلمين إقامة الخمس صلوات اليوميّة.
لقاء النبي محمد مع الأنبياء خلال رحلته ما هو إلا تأكيد على أصول اخوية الأنبياء والديانات الإلهية وحتمية وضرورة التضامن بين أتباع الأنبياء.
محمد يرفض السلطة
قابل النبي محمد صلوات الله عليه العديد من زعماء القبائل العربية في مواسم الحج وطلب منهم تلبية دعوته للإسلام ودعمه في تبليغ الرسالة. بينما رفضت بعض هذه القبائل قبول دعوته، اكتفت قبائل أخرى بالاستماع لما أنزل عليه من الوحي. ومن بين القبائل التي تأثرت بالقرآن بشكل عميق كانت قبيلة شيبان، ومع ذلك رفضت القبيلة تلبية دعوة النبي بسبب اتفاقية حماية بينها وبين الإمبراطور الفارسي.
أما قبيلة سعسع المعروفة ببنو عمير ابن سعسع، كانت من ضمن القبائل التي قبلة تلبية دعوة النبي ولكن بشرط أن يحتفظوا بقيادة العرب بعد احراز النصر. فكان رد النبي،
“الأمر لله يضعه حيث يشاء.”
فكان جواب زعماء سعسع:
“اذاً فدينك لا يلزمنا،” رافضين تلبية دعوته. الزايد 215
مع الأسف، كانت سعسع على استعداد للتخفي في ثياب الدين لخدمة مصالحها الخاصة والحفاظ على سلطتها ومكانتها. ولما استقر المسلمون في المدينة، هذه القبيلة نفسها تآمرت على المسلمين وقتلت سبعين منهم عند آبار معونة، جاءت هذه المذبحة بعد عدّة شهور من معركة أُحُد. الزايد ج1ص15
هجرة المسلمين إلى يثرب 613 م
نتيجة لنبذهم وتصاعد الاعتداء عليهم هاجر أغلب مسلمي مكة إلى يثرب حيث الامان تاركين وراءهم أهلهم وأموالهم.
هجرة النبي نموذج في التخطيط والتأني 623 م
غير قادرة لردع محمّد عن نشر دعوته؛ وقمع انتشر الإسلام في يثرب، لجأت قريش إلى استخدام العنف وحالت الى ان تقتل محمد. تآمرت قريش على أن يشارك في عملية القتل كل قبائل قريش. بحيث ان كل قبيلة تقدم شاباً جلدا مهنا ثم يجتمع الشبان أمام دار محمد، ولما يخرج من بيته يضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فلا تقدر عشيرته على حرب قريش بأكملها.
وهكذا، في أواخر عام 623 ميلادي نزل الوحي على النبي محمد مؤذنا له بالهجرة إلى يثرب. فما كان من النبي إلا أن يرسم مخطط الهجرة بحكمة وتبصرة. فكان أول ما فعله هو إعلام صاحبه أبو بكر بالهجرة وأوصاه بكتمها. وطلب منه إعداد اثنين من الإبل للرحيل وتجهيز الطعام وعدة السفر. كما واستأجر رسول الله صلوات الله عليه عبدالله بن أُريقط، سرا، كدليل للطريق. وكانت الليلة التي خططت قريش فيها للقضاء على محمد هي ليلة الانطلاق للهجرة.
خطة نجاة محكمة
وعند حلول ليلة السفر أعطى النبي التعليمات لأسماء ابنة أبي بكرٍ وأخيها عبدالله بإيصال الزاد إليهم وتقصي أخبار قريش ثم إعلامهم بها، بينما هو وصاحبه متخفّيان في غار ثور. ووجّه أيضا غلاماً لأبي بكر يدعى عامر بن فهيرة ليرعى قطيعاً من الغنم حيث سار النبي وصاحبه والرسل من بعدهم لمحو آثار أقدامهم. وبهذا سيصعب على مقتفي الأثر والقتلة معرفة طريقهم ومكان اختبائهم.
وعند حلول الليل حاصر القتلة منزل النبي استعداداً لقتله، اوصى النبي علي بن أبي طالب أن ينام في فراشه وأن يلبس عباءته، وهو يعلم أن قريش لن تؤذيه. وفي منتصف الليل، إذ القتلة نيام، خرج النبي وأبو بكر وتوجها جنوباً واختبأ في غار ثور. حكمة النبي في الاتجاه نحو الجنوب هو أن قريش كانت ترى، على أكثر الاحتمالات، أن محمدا، سيسلك الطريق التي سلكها المسلمين من قبله ويتجه شمالا نحو يثرب.
الخيبة الكبرى
شعر المتآمرون لقتل النبي بخيبة كبيرة عندما رأوا على بن أبي طالب هو الذي خرج من بيت محمد وأنه هو الذي كان راقداً في فراشه. عندئذ ثار غضب زعماء مكة ودعوا الناس لطلب محمد ولمن يقبض عليه جزاؤه مائة ناقة. استقطبت المكافأة الثمينة هذه العديد من الناس للبحث عن محمد، لكنهم لم يتمكنوا من العثور عليه بفضل حكمته وخطته للهجرة.
بقي النبي محمد وصاحبه أبو بكر في كهف ثور ثلاثة أيام، وفي الليل كان عبد الله بن أبي بكر يأتيهم بالطعام والأخبار والتطورات الحاصلة في مكة. وبعد الثلاثة أيام استأنف محمد وأبو بكر الرحلة والتقوا بدليلهم عبد الله بن أريقط وبدؤا المسير إلى يثرب غربا متخذين طريق البحر الأحمر بدلا من الاتجاه شمالا في الطريق المباشر إلى يثرب. وفي منتصف شهر يونيو /حزيران من العام 622 ميلادي وصل النبي محمد وصديقه أبو بكر بأمان إلى يثرب بعد رحلة دامت ما يزيد عن السبعة أيام. وجعل هذا اليوم فيما بعد بداية التقويم الإسلامي.
استُقْبِل محمد بالترحيب في يثرب، وسمى أهل يثرب مدينتهم بمدينة النبي، اختصاراً المدينة. في المدينة بدأ النبي عمله ببناء أول مسجد في الإسلام، ومنه بدأ بنشر رسالته. ثم ساهم رسول الله في تطوير المؤسسات الاجتماعية والسياسية في المدينة إضافة إلى الجانب الروحاني والديني. أدت هذه التطورات إلى إحلال السلام وتمتين الروابط الاجتماعية بين الناس.
تطوير المدينة المنورة
أراد الله بحكمته الازدهار والنجاح لعباده في كافة ميادين حياتهم، وجاء في القرآن الكريم أن امانة الله في عباده لاستخدام الأرض تكمن في إعمارها. وبدراسة دور محمد القيادي في المدينة يمكن بسهولة رؤية بناءها وتحولها إلى مدينة حيوية ومركز للدعوة. من أهم الأعمال التي شيدها النبي محمد هي مايلي:
بناء المسجد النبوي
قام محمد و أصحابه ببناء مسجد ليكون مركز العمل الديني والاجتماعي.
عَقَدَ اتفاقية صلح بين الأوس والخزرج
الإنجاز الثاني هو عَقَدَ اتفاقية صلح بين اثنتين من أكبر قبائل المدينة المنورة الأوس والخزرج.
تكليف مشروع صحي
مرض الكثير من المهاجرين في المدينة لعدم وجود مناعة ليهم ضد الأمراض المنتشرة في المدينة. فشكل النبي محمد لجنة لتنظيف شوارع المدينة من النفايات وجمعها ونقلها إلى مكان بعيد في البادية يدعى الجحفة. هذه العملية جعلت المدينة مكاناً أكثر صحية واصلح للجميع.
إقامة مؤاخاة مؤقتة بين المهاجرين والأنصار
الانجاز الرابع هو حل أزمة المهاجرين من مكة الى المدينة الذين باتوا بدون مأوى ولا عمل. تدفق مهاجري مكّة إلى المدينة خلق أزمة لا بد من تدبيرها. فمعظم من هاجر ترك امواله خلفه او أُجبر على تركها في مكة. بالاضافة، لم يكن لمعظم هؤلاء المهاجرين في المدينة مأواً ولا عملاً. لحل هذه الأزمة، ابتكر النبي محمد عملية غير مسبوقة وهي مؤاخاة مؤقتة بين المهاجرين والأنصار. وتتمثل الخطة بأن يتخذ كل شخص من المدينة أخاً له من مكة ويشاركه المنزل والمأكل ويعامله تماماً كفرد من العائلة.
ويمكن للفرد المكي أن يساعد في عمل وتسيير أمور عائلته الجديدة. و لإتمام هذه المهمة، شكل النبي محمد لجنة كفؤ لدراسة وربط مهارات الناس ومهنهم من كلا الطرفين للتوفيق بين المؤهلات والاحتياجات في تلك العوائل.
بهذه الطريقة ربما ستكون المشاركة عملية وإيجابية وليست تراجعية. أمثلة على التآخي: شخص يمتلك مهارات في التجارة مناسب لأن يتآخى مع تاجراً، والعامل يتم مؤاخاته مع المزارع، والمهاجر المتعلم يناسب عائلة لديها أطفالاً، والعامل الماهر يشارك في أعمال الأسرة بقدر استطاعته، وهكذا. ونجحت خطة التناغم هذه بشكل رائع بحيث بعد سنة من المشروع أصبح الجميع في سعة، ولم يعد هذا التآخي ضروريا وتم إنهاؤه. وكل هذا بفضل قيادة النبي محمد الاصلاحية وفي إيجاد حلول للواقع الذي يواجهه.
تطوير المياه ونظام الري
المشروع الخامس كان في تطوير نظام الري في المدينة الذي حال دون تقدمها. أنفذ النبي محمد بالتعاون مع خبراء التنقيب عن المياه في المدينة مشروعاً كافياً لري المدينة وما حولها وذلك بحفر 54 بئر. بإتمام هذه العملية، اُمنت احتياجات المدينة من مياه الري والشرب. عندئذ، أصدر النبي سندات ملك لتحسين الأراضي الشاغرة، إذ قال: “من أحيا أرضًا ميتة، ليست لاحد، فهي له.” – رواه البخاري
تأسيس دستور المدينة
المهمة السادسة والأكثر مصيرية التي تولاها النبي كانت بتأسيس دستور ذو نهج تعددي (فيه من مختلف الملل والجنسيات) ليحكم المدينة كوحدة سياسية واحدة. وقد سمّيت هذه المجموعة الدستورية بصحيفة المدينة. هذه الصحيفة تؤكد ضمان أمن وحرية مواطني المدينة والتي تضم ثلاث عشرة قبيلة يهودية. هذا الدستور أقر حماية الحقوق الفردية السياسية، وحرية المعتقد وحرية المؤسسات والتجارة. تتضمن هذه الوثيقة أيضاً واجبات المواطن الأساسية، صون النفس البشرية، منع انتشار الجرائم، الحفاظ على قوانين البلديات، ضمان كرامة الفرد والمساواة بين أفراد المجتمع الخاضع لقانون هذه الصحيفة.
نال النبي محمد ﷺ عظيم التقدير من عظماء العالم لقيادته الاستثنائية ودوره في وضع القوانين وتنظيم بنية المدينة.
علما بان هذه الانجازات والتي تغطي معظم ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية تمت بمدة عام واحد، وحيث أن بعض هذه المهام بالغة الأهميّة والتي تتطلب الكثير من التخطيط والتنسيق والإدارة.
يدرك المؤرخون وزعماء العالم بسهولة حجم ما أسس محمد صلى الله عليه وسلم للحضارة الإنسانية. ومن بين هؤلاء الفيلسوف الانكليزي جورج برناردشو
“لطالما حملت دين محمد – صلى الله عليه وسلم – تقديراً عالياً لما فيه من حيوية رائعة. إنه الدين الوحيد الذي يبدو لي أنه يمتلك تلك القدرة على استيعاب التطور المتغير للوجود.
لقد درسته – هذا الرجل الرائع وفي رأيي أنه بعيد كل البعد عن أن يكون معادياً للمسيح، بل يجب أن يطلق عليه منقذ البشرية.”
الوسط السياسي في المدينة
إن تحسين الموارد الحياتية في المدينة لم تكن لتيزيل خطر قريش الوشيك؛ ولم يعتقد النبي والمسلمون أن مضطهديهم قد تخلوا عن مطاردتهم ولو للحظة. الثلاثة عشرعامًا من تعرض المسلمون للقمع والإذلال والتعذيب والاضطهاد والطرد على أيدي قريش لم تنتهي هذه حتى بعد هجرتهم الى المدينة، فقريش مازالت تنتهز فرصة لضربهم. فقد جيشت عدد من القبائل المحيطة بالمدينة ضد المسلمين وللاغارة على المدينة. علاوة على ذلك، كانت الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، الواقعتان خارج حدود الجزيرة العربية مباشرة، تنظران إلى المسلمين على أنهم خصوم.
تطلب هذا الوضع العدائي مسارًا جسيما يعتمد على التخطيط والاستراتيجية. ولذلك، كان على الحفنة الاسلامية الناشئة حاجة إلى استراتيجية دفاعية قوية حتى لا تتمكن قريش وحلفاؤها من القضاء عليهم.
استراتيجية البقاء على الحياة
كانت الشؤون الاجتماعية والسياسية في المدينة مختلفة عن تلك التي في مكة. ففي المدينة مارس المسلمون شعائرهم بحرية، لكن النفاق في الداخل والخارج سرعان ما سلط الضوء على سلامتهم واستقرارهم. وبما أن المسلمين كانوا أقل عدداً من خصومهم، فقد قرروا اتباع استراتيجية “الوقاية” من أجل “القضاء” على الخطر. وفي تفصيل هذه الحقيقة، قالت كارين أرمسترونج في كتابها محمد – سيرة النبي:
“كان المسلمون بحاجة إلى إظهار صورة القوة والحسم من أجل البقاء على قيد الحياة في الدولة العربية التي ينعدم فيها القانون في القرن السابع. لذلك، في المدينة المنورة، كلما سمع النبي أن قبيلة واحدة، بتحريض من مكة، تستعد لغزو المدينة، كان يسير بقوة لإحباط الهجوم. ونتيجة لذلك، تؤول المعارضة إلى الذوبان بمجرد وصول المسلمين.”
الاذن بالدفاع عن النفس 623 م
على مدى السنوات الـ 14 الماضية، لم يستخدم المسلمون القوة للدفاع عن أنفسهم من أجل الحفاظ على أمن وسلامة مكة المكرمة. والآن بعد أن أصبح المسلمون يتمتعون بالاستقلال الذاتي، أصبح لزامًا عليهم الدفاع عن أنفسهم ضد عدو خارجي وشيك. وفي الوحي التالي، أذن الله بحكمته البالغة للمسلمين بالدفاع عن أنفسهم:
“أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ, الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ. ۗ ” سورة الحج الآية 39-40
ولضرورة إظهار القوة واستراتيجية الدفاع عن المدينة، قام المسلمون بعدة غزوات على القبائل المحيطة بالمدينة. هذه الحملات كانت بمشاركة النبي المباشرة أو بدونها. عملت هذه الحملات على إنهاء محاولات لغزو المدينة، واقامة اتفاقيات سلام وتحالفات مع تلك القبائل وقبائل اخرى. من هذه المعاهدات، معاهدات قبائل ضمرة ومدلج. علاوة على ذلك، مارس المسلمين ضغوطًا اقتصادية على قريش من خلال اعتراض قوافلهم التجارية. ولم تتم مصادرة أي بضائع على الإطلاق، باستثناء مهمة واحدة أُرسلت لمراقبة تحرك قريش، لا للاستيلاء
على القوافل وهي سرية عبد الله بن جحش الى نخلة.
حظر الاضطهاد الديني
أشرنا في الفقرة السابقة في إرسال فرقة استطلاع إلى نخلة لترصد لتحرك قريش، وهي أنه في عام 632 أرسل النبي محمد حملة استخبارية على قريش والتي آلت إلى الهجوم على قافلة مكية وقتل قائدها، واحتجاز اثنين كرهائن حرب ومصادرة بضائع القافلة. كان هذا الحدث في اليوم الأخير من آخر الأشهر الحرم. والمتعارف عليه عند العرب أنه خلال هذه الشهور يسود الأمن والسلام ولا إراقة دم فيهم.
وعندما عادت فرقة الاستطلاع مع أسيرين والبضائع المصادرة، غضب النبي محمد ورفض قبول الأسرى والبضائع قائلا:
” ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرم.” الزايد ج1 ص 330
على اثر ذلك أسرعت قريش في الإعلان بأن محمدا انتهك قداسة الأشهر الحرم.
وقبل الكثير من الضغط على أعضاء الحملة لقتلهم امرئ في الأشهر الحرم، نزل الوحي على النبي محمد معلناً أن القتل في الأشهر الحرم إثم كبير ولكن الاضطهاد الديني إثم أكبر، فجاءت الآية تقول:
“يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ..”سورة البقرة الآية 217
حكم قتل المرتد بدعة
يوضح الباحث حسن المالكي في كتابه “حرية الاعتقاد في القرآن الكريم والسنة النبوية” أن حكم قتل الشخص بسبب ارتداده عن الإسلام هو بدعة ونتيجة دوافع سياسية، ولا أساس له في الإسلام. ويعلل المالكي حرية الاسلام في الاعتقاد وعدم قتل المرتد الى المبادئ العليا للقرآن الكريم التي هي الابتلاء والعدل والايمان كما يلي.
“الابتلاء
:الدليل من كتاب الله على علة الابتلاء واختبار الإنسان في ما أعطاه الله من نعم الحواس والعقل والقلب والمال والصحة و غيرها كثير، منها قوله تعالى في سورة المائدة
“وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةًۭ وَمِنْهَاجًۭا ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۖ فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًۭا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.” المائدة 48
فالابتلاء يبني عليه التكليف. والتكليف ينبني عليه حرية الاختيار، فلا ابتلاء في حق غير المكلف من حيوان ونبات وجماد وإنما هم مجبولون على أداء وظائف معينة.
“العدل
فطرة العدل في القرآن الكريم مقدمة عن فطرة الايمان. فالقرآن جعل الايمان اختيارا و العدل إلزاما فقال عن الإيمان: “وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ.” الكهف 29 وقال عن العدل: إن الله يامر بالعدل.. وقال
“لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ۖ. الكهف 25
الايمان
يعلل المالكي ان “قضية الإيمان قضية مركزية في الرسالات السماوية، والإيمان عدة قضايا تتفاوت من حيث الأهمية –وكل على أهمية كبيره- ولكن أهم قضايا الإيمان أمران؛ الإيمان بالله والايمان باليوم الآخر، وهما أهم من الإيمان بالرسل والكتب والملائكة، لان الذي يؤمن بالله ويعرفه، يكون بحسب معرفته بالله أقوى على تحمل البلاء والاستعداد له…
فالإيمان بلا شك من أكبر دلائل النجاح في الابتلاء، ومن مثبتتات العدالة ومحفزات الفضيلة، فالدنيا لا تستحق من الإنسان أن يضحي فيها بضميره وصدقه وشهادته لله ونصرته للعدالة.”
إن الفكرة المنتشرة في إعدام المرتد، تنتهك تعاليم القرآن ومبادئه العليا المتمثلة في الحرية والابتلاء والعدل. ويوضح المالكي أن الردة عن الإسلام حصلت في حياة النبي، ومع ذلك، فالنبي لم يقتل المرتد، لأن المحاسبة على مثل هذه الأفعال هي لله وحده، وليست لأي شخص آخر. يستثنى من هذا من ارتد وقام بمحاربة الإسلام والمسلمين فأمره داخل في آيات الحراب.
والآيات التي تحدثت عن الردة والمرتدين لم تأمر بقتلهم، يقول الله تعالى:
كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًۭا كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓا۟ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّۭ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ 86 إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌ 87 أُو۟لَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ 87 خَـٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ 88 إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌ 89.
يعقب الباحث فرحان المالكي على هذه الاية قائلا:
“هذه الآيات أيضا صريحة جدا بان بعض المسلمين (الصحابة) كفروا بعد ايمانهم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وكفروا بعد ما جاءتهم البينات، فماذا كانت عقوبتهم في الدنيا؟ الجواب: لا شيء، إنما أخبر الله عز وجل بأن هؤلاء ظلموا أنفسهم، وأن عليهم اللعنة، ومع هذا كله دعاهم إلى التوبة ولم يقطع باب الرجاء عليهم…” حرية الاعتقاد ص 77
ثمة ايات اخرى تقول:
“اِنَّ الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا ثُمَّ كَفَرُوۡا ثُمَّ اٰمَنُوۡا ثُمَّ كَفَرُوۡا ثُمَّ ازۡدَادُوۡا كُفۡرًا لَّمۡ يَكُنِ اللّٰهُ لِيَـغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَـهۡدِيَهُمۡ سَبِيۡلًا .”ؕ ﴿4:137﴾ النساء
“إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُوا۟ كُفْرًۭا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ.” ٩٠ آل عمران
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ.” 54 المائدة
لم يرد في أي مقطع من المقاطع القرآنية السابقة ما يأمر النبي او المسلمين باستخدام العنف أو القتل، بل تُرِكَ أمرهم إلى الله.
أيضا، نقرأ في السيرة النبوية قصة بدوي أعلن إسلامه أمام النبي محمد، وفي اليوم التالي عاد إليه طالبًا سحب ولائه للإسلام. غير أن النبي أعرض عنه، كما في الحديث التالي للبخاري:
روى جابر بن عبد الله، “أنَّ أعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ، فأصَابَ الأعْرَابِيَّ وعْكٌ بالمَدِينَةِ، فأتَى الأعْرَابِيُّ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبَى، فَخَرَجَ الأعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمم إنَّما المَدِينَةُ كَالكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، ويَنْصَعُ طِيبُهَا.” البخاري
وفي معرض شرحه لقصة البدوي، قال المالكي:
“إن النبي – صلى الله عليه وسلم – تصرف بهدوء، وأنكر طلب الرجل، ولم يأمر بإعدامه، ولم يرسل من يقتله.” وقال أيضًا: “إن حكم إعدام المرتدّ بالقتل، “غريب عن الإسلام وهو وبدعة،” وقال ايضا: ” وباب التوبة لله تعالى مفتوح دائما. ولذلك فإن قتل المرتد هو تدخل في شئون الله وحكمه سبحانه وتعالى ورحمته. ثم لماذا يتصرف النبي – صلى الله عليه وسلم – بما يخالف ما أوحي إليه من مبادئ حرية الإيمان؟ ألا يخالف بذلك حكمة الله تعالى وشريعته؟”
انظر “حرية الاعتقاد في القرآن الكريم والسنة النبوية“
المفهوم الخاطئ للجهاد
لقد أساء بعض المسلمين استخدام فكرة الجهاد في الإسلام من دفاعي الى هجومي وبشكل فاضح. ونتوجه الى كتاب الدكتور خالد أبو الفضل، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة كاليفورنيا، “السرقة الكبرى – استرجاع الإسلام من المتطرفين،” ليشرح وجهة نظر الإسلام في الحرب والجهاد.
“إن مفهوم الجهاد في الإسلام كثيرا ما يساء استخدامه ويساء فهمه. بعض التصريحات الإسلامية جعلت مفهوم الجهاد أكثر إرباكًا وحتى فوضوية.” ص. 220
“إن الجهاد، الذي تدعيه وسائل الإعلام الغربية وكما يستغله الإرهابيون، غالبًا ما يرتبط بفكرة الحرب المقدسة التي يتم نشرها باسم الله ضد الكفار، وغالبًا ما يتم مساواتها بأكثر الصور المبتذلة للتعصب الديني.”
“إن كلمة الجهاد تعني أدبياً “السعي والجهد والنضال والمثابرة.” وهي تساوي النضال من أجل تحقيق الأعمال الروحية والمادية السليمة.” إن التقوى والمعرفة والصحة والجمال والحقيقة والعدالة مستحيلة دون العمل الجاد والمستمر. ولذلك فإن التطهير من الغرور والتفاهات، وطلب العلم، وعلاج المرضى، وإطعام الفقراء، والدفاع عن الحق والعدل، حتى مع المخاطر الشخصية الكبيرة، كلها أشكال من الجهاد.
“لقد علَّم النبي محمد مراراً أن أعظم أشكال الجهاد هو الكفاح ضد أهواء المرء…. وبنفس المنطق، فإن الجهاد أو الاجتهاد في الحرب، بشرط أن تكون الحرب عادلة، هو أيضًا جهاد.
إن عبارة “الحرب المقدسة”، التي صيغت خلال الحروب الصليبية، لا يمكن أن تساوي الجهاد. وقال: “إن الحرب في الإسلام ليست مقدسة على الإطلاق، فهي إما مبررة أو غير مبررة، وعندما تكون مبررة، فإنها تستخدم فقط كملاذ أخير.”
وماذا عن الحرب في الإسلام؟
:تابع الدكتور أبو الفضل قائلاً
“.وفقاً للقرآن، قد تكون الحرب ضرورية، بل وقد تصبح ملزمة وواجبة، لكنها ليست أبداً خيراً أخلاقياً
لا يستخدم القرآن كلمة الجهاد للإشارة إلى الحرب أو القتال؛ تسمى مثل هذه الأفعال بالقتال. وفي حين أن دعوة القرآن إلى الجهاد غير مشروطة وغير مقيدة، إلا أن القتال مشروط. فالجهاد جيد في حد ذاته، والقتال ليس كذلك. الجهاد أمر جيد وأشبه بأخلاقيات العمل عند البروتستانت: العمل الجاد من أجل القضايا النبيلة.
لكن القتال أمر مختلف تمامًا. كل إشارة في القرآن إلى القتال تأتي مقيدة ومشروطة (وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين البقرة 190). أما الحث على الجهاد، كمثل العدل أو الحق، فهو مطلق وغير مشروط. وفي كل مناسبة يحث فيها القرآن المسلمين على القتال، فإنه يسارع إلى تأهيل النداء بأمر المؤمنين ألا يعتدوا، بل يجتهدوا في العفو والسلام.”
الجزء الثالث
هضم الأمن الذي وهبه الله للناس هو ظلم وفساد
وهناك أسباب أسمى لصيانة الأنفس والممتلكات في الإسلام. فالحقيقة، إن النبي محمد أمر المسلمين بالامتناع عن العنف في مكة والمدينة، وأماكن أخرى لرحمة إلهية: حفظ الأمن والسلام للخلق. يعتبر القرآن إثارة الخوف، والرعب، والعنف، وتعطيل نظم الحياة هم من الظلم والفساد.
إن خلق الاضطراب والتعدي والاغتيال وخلق البلبلة والاعوجاج وما شابه ذلك مما يثير المخاوف وينتهك حقوق الناس في أمنهم الذي شرعه الله لهم، يمكن أن يؤدي إلى حروب أهلية وشق صفوف الامة.
احد اسباب وجود الانسان على الارض (واستعمركم فيها)، هو لبنائها، لا لهدمها. من أجل هذا أعطى الله تعالى الأمن الضروري للناس كفرصة حتى يقيموا حياتهم الدينية والدنيوية بالسلم. ولذلك سخر الله تعالى الأرض والسماوات (هود 61) لخدمة الإنسان.
ولهذا لم يسمح النبي محمد في مجتمعه بأي قلقلة أو اضطراب أو عنف.
يقول الدكتور عدنان إبراهيم، أنه عندما طلب بعض أصحاب النبي محمد أن يغتال صناديد قريش، رفض قائلاً:
“الإيمان قيد الفتك. لا يفتك مؤمن.” الإمام أحمد بسندٍ صحيح
تضم كلمة “فتك” كل الشرور من خيانة، خداع، بلبلة، تضليل، إبادة، اغتيال، تعدي، هجوم، سحق، تدمير، واستئصال. ربما يمكن للمرء أن يرى لماذا امتنع رسول الله صلوات الله عليه عن القيام بأي انتقام أو أعمال فيها العنف والشدة. والشيء الجيد هو أن المجتمع الإسلامي أصبح عندئذ مستقلاً في المدينة ويمكنه الدفاع عن نفسه من الهجمات الخارجية. انظر الموضوع الهام: هضم الحقوق الأمنية للإنسان ظلم وفساد
غزوة بدر 624 م
تذكر أن المسلمين حاولوا الضغط على قريش باعتراض قوافلهم. وقد وقعت معركة بدر بسبب إحدى محاولات الاعتراض هذه. كانت القافلة التي يقودها أبو سفيان تحمل الكثير من بضائع قريش. فأرسل أبو سفيان رسولاً إلى مكة يستنجد بقريش لإنقاذ قافلتهم. وفي هذه الأثناء، كانت القافلة قد نجت من المسلمين إلى مكة. وبعد أن علمت قريش بمحاولة المسلمين اعتراض القافلة، استدعت حلفاءها وجهزت جيشًا قوامه ألف مقاتل لنجدة القافلة. وعلى الرغم من وصول قريش الأخبار بنجاة القافلة، إلا أن قائدهم أصر على مهاجمة 314 مسلمًا الغير مجهزين للحرب. ونصح بعض شيوخ قريش، مثل عتبة بن ربيعة، بعدم الهجوم على المسلمين والعودة إلى مكة. لكن الزعيم البارز في قريش، أبو جهل، رفض الطلب وأصر على لقاء المسلمين لهلاكهم.
نهج محمد التشاوري والعقلاني في غزوة بدر
وعلى عكس القادة المتشبثين بآرائهم، تصرف النبي محمد بعقلانية ورشد. وكان من عادته أن يستشير قومه في الأمور المصيرية، خاصة فيما يتعلق بحياتهم وشؤونهم الخاصة، ولم يكن ليتمسك برأيه وهو النبي. على سبيل المثال، قبل الاشتباك مع قريش في غزوة بدر هذه، استشار النبي قومه حول ما إذا كانوا يرغبون في قتال قريشً أم لا. وكان جوابهم هو قتال قريش.
عندما وصل 314 رجلاً إلى آبار بدر، وبدأ النبي في تركيز الرجال بمواقع استراتيجية، تساءل الحباب بن المنذر في قرار النبي بشأن مكان المعركة. “أرأيك يا رسول الله أم وحي من عند الله؟” وكان رد النبي: “هذا رأيي”. قال الحباب: لم يكن هذا هو الاختيار الصحيح؛ والخيار الأفضل أن تكون آبار الماء خلفنا حتى نستخدمها، وقريش عندئذ لا تستطيع ذلك. بسهولة، أخذ النبي بنصيحة الحباب وجعل آبار المياه خلف صفوف الرجال.
في 8 يناير 624 م، اشتبك 1000 من المكيين مع 314 مسلمًا نحو آبار بدر. وكانت قريش تتفوق على المسلمين ثلاثة إلى واحد.
”اللَّهمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني، اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدً.ا”
ومد محمد يديه وهو يدعو. ثم ما أن اشتبكت القوات، حتى هبت عاصفة عنيفة هبت في وجوه المكيين. ”صرخ النبي بنشوة ’جبريل‘، ’مع ألف من الملائكة يهبطون على الأعداء‘.
“والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا ادخله الله الجنة، فقال عمير بن الحمام أحد بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء وقاتل حتى قتل.”
وعلى الرغم من أن المسلمين قاتلوا بجرأة وهزموا الوثنيين، إلا أن الله تعالى قال لهم:
“فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.” الأنفال 17
وكان مجموع القتلى من المسلمين والمشركين أربعة عشر وسبعين على التوالي، فيهم عدد من قادة قريش. تم أخذ أكثر من سبعين مشركين آخرين كأسرى حرب. وفي وقت لاحق، دفع كل سجين فدية. وكان على أولئك الذين لم يتمكنوا من الدفع أن يعلموا عشرة أطفال كيفية القراءة والكتابة.
الأسطورة: المسلمون يدخلون الجنة بقتل المسيحيين أو اليهود!
ومن الحكمة أن نفحص الأسطورة القائلة بأن المسلم يدخل الجنة بقتل مسيحي أو يهودي. ومصدر هذه الأسطورة هو استعمال قول النبي أعلاه في غير موضعه: “والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا ادخله الله الجنة، فقال عمير بن الحمام أحد بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء وقاتل حتى قتل.” ففي غزوة بدر لم يكن هناك نصارى ولا يهود. بل على العكس من ذلك، فإن مبادئ الإسلام لا تسمح بالهجوم على اي انسان من اي ملة، وخاصة المسيحيين واليهود. على سبيل المثال، يقول الله تعالى:
“إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.” البقرة 62
من المثير للاهتمام أن المسلمين يقدسون جميع أنبياء الكتاب المقدس لإسلامهم لله،
“قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون.” آل عمران 84
وأخيرا، فإن فلسفة الاستشهاد في الإسلام المتمثلة في دخول الجنة لا ينبغي أن تكون مفاجئة؛ لأنها لا تختلف عن مفهوم الاستشهاد في المسيحية أو اليهودية. حتى يكون فهمنا صحيحا بالنسبة للقتال في الإسلام، انظر، السياسة الخارجية للإسلام سلام أم حرب؟
نبوءة من الكتاب المقدس
المسلمون يؤمنون بالعديد من نبوءات الكتاب المقدس عن مجيء الإسلام. ولكن من اللافت للنظر أن الآية التالية من الكتاب المقدس، بتفصيل كبير، عبرت عن حدث وصول النبي إلى المدينة وانتصاره في بدر.
الإصر يقع لدى العرب، في وعر العرب ستبيتون يا رفقاء الددانيين. سكان أرض تيماء يقدمون الماء للعطشى ومن خبزهم. تقبلوا من هرب لأنهم هربوا من السيوف، السيوف المسلولة و القوس المشدودة وشدة الحرب. لأنه هكذا قال لي الرب في سنة، الأجير يَفني كل مجد قيدار وبقية أبطال بني قيدار تقتل. لأن الرب إله إسرائيل تكلم. إشعياء، 13:21-17
وفي المدينة المنورة، كما في مكة، تعامل النبي مع سيئي النية والنفاق البشري. فقد شعر بعض أصحاب الأهواء الشخصية أو الحقد أن النبي أو ظهور الإسلام قد سلبهم أعمالهم أو زعامتهم مثل أبي عامر الكاهن. وقد بدأ هؤلاء الأفراد في إثارة العداء للنبي والمسلمين بخبث ودهاء. وكان بعضهم يستثيرون أفرادًا من اليهود للطعن في النبي. وكان آخرون يحرضون قريشًا على مهاجمة المسلمين.
غزوة أحد 625 م
وفي عام 625 م، قامت قريش، التي حشدت العديد من القبائل وجمعت جيش قوامه ثلاثة آلاف شخص لمهاجمة المسلمين والانتقام لقتلاهم في معركة بدر، من العام السابق. واستشار النبي قومه في مكان اللقاء. والخياران هما إما البقاء في المدينة أو الخروج إلى شمال المدينة أمام جبل أحد.
واختار معظم المسلمين الخيار الأخير الذي اتخذه النبي. ومع ذلك، فإن هذا “التصويت بالأغلبية” أو القرار الذي تم التوصل إليه ديمقراطيًا كان غير مريح لرأس النفاق عبد الله بن أبي سلول. وفي الطريق إلى ساحة المعركة، انقسم ثلث جيش المسلمين وعادوا إلى المدينة المنورة بقيادة عبد الله بن أبي سلول القائل متذمراً: “لقد أطاع (محمد) الصغار وعصاني.”
وأسفرت معركة أحد عن هزيمة المسلمين. وأصيب النبي وكثير من أصحابه بالجروح. وكان عدد قتلى المسلمين 73؛ معظمهم من من المدينة. وكان عدد القتلى من المشركين 35.
لمنع هجمات مكية أخرى على المدينة، أمر محمد المسلمين بمطاردة الوثنيين. هذه المطاردة تدل على عزم المسلمين للدفاع عن المدينة من أي محاولات هجوم أخرى. وأقام المسلمون بحمر الأسد ثلاثة أيام حتى ذهب خطر قريش.
رحمته صلوات الله عليه حتى في أرض المعركة
أن تطلب الرحمة لخصمك في أوقات اعتيادية شيء، لكن ان تطلب المغفرة لعدوك، وفي ساحة المعركة هو شيء آخر يعلو في سماه.
ففي أحد، عندما انهزم المسلمون، أصيب النبي، ونزف وجهه وجبهته دما. فقال بعض أصحابه المشفقين عليه: يا نبي الله، ألا تلعنهم؟ فقال:
“إني لم أبعث لعاناً ولكن رحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.” رواه البخاري
لا يمكن للأشخاص العادلين والمحترمين إلا أن يستطيبوا النبي محمد. ومن بين هؤلاء المهاتما غاندي. – مهاتما غاندي
“أردت أن أعرف أفضل ما في حياة الرجل (محمد) الذي يتمتع اليوم بأثر لا يقبل الجدل على قلوب الملايين من البشر. لقد أصبحت مقتنعًا أكثر من أي وقت مضى بأن السيف لم يكن هو الذي أعطى مكانًا للإسلام في تلك الأيام في برمجة الحياة. لقد كانت البساطة الصارمة، نكران النبي لذاته، واحترام العهود، إخلاصه الشديد لأصدقائه وأتباعه، وجرأته، وشجاعته، وثقته . المطلقة بالله وفي رسالته. هذه المزايا، وليس السيف، من الذين عالجت كل شيء صادفها وتغلبت على كل عقبة. – مهاتما غاندي.
أزمة الأيتام وتعدد الزوجات
خلقت خسارة الثلاثة وسبعين رجلاً مسلمًا في معركة أحد، معظمهم من المدينة مشكلة جديدة للمسلمين؛ حيث كان العديد من الأرامل والأطفال بدون رجل يحميهم ويعطف عليهم وليس لهم أي عمل لكسب العيش. غيرهم من فقدن أزواجهن لهم ممتلكات واعمال تتطلب الإدارة والرعاية. كيف لعلاج هذا الوضع؟كان الحل الإلهي لهذه المشكلة الإنسانية هو تعدد الزوجات للرجل. والرجل الذي يستطيع إعالة زوجة إضافية وأطفالها بعدل يستطيع أن يفعل ذلك. على الرغم من أن تعدد الزوجات في العوالم السابقة ليس له حدود، إلا أن الإسلام حدده بأربع سيدات للرجل، مرة أخرى، بشرط أن يتمكن من معاملة الجميع على قدم المساواة. وتعدد الزوجات بهذه الطريقة يعالج ظرفاً إنسانياً. تتمتع الأرملة الآن بالأمان والعطف ولديها من يهتم بأطفالها وأعمال أسرتها. في العصر الحديث، توفر بعض الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية للأمهات للأرامل وأطفالهم الدعم المالي والطبي بعيدًا عن عطف الزوج والتراحم.
مماثلة مبدأ الشورى في الإسلام للديمقراطية
إن مبدأ الشورى يتوازى في بعض جوانبه مع الديمقراطية، وبتشجيع من الله تعالى:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴿١٥٩﴾ ال عمران 159
ويؤيد القرآن بتشييد الشورى، حتى لو كان ذلك على حساب خسارة ثلث الجيش، في وقت حرج قبل الاشتباك، في حالة معركة أحد. استعرض عبد الله بن أبي سلول طريقة السيطرة القبلية الاستبدادية، حيث انخزل مع 300 شخص من اتباعه وتركوا جيش المسلمين عرضة للعدو. وإذ قال “إن محمد انحاز إلى الأولاد وليس لي،” والذين كانوا هم الأغلبية. على الرغم من أنه ليس من المفترض أن يصوت المسلمون على الله وأوامره كالمحظورات أو المأذونات، إلا أنهم أحرار في الإدلاء بالأصوات والآراء حول العديد من الأمور والعوائق المتعلقة بصحتهم ومصالحهم، على غرار المجتمع الديمقراطي.
استفزازات قريش والإجراءات الإسلامية الوقائية لعدم وقوع الحرب
وكما ذكرنا سابقًا، ومنعا لأي هجمات مكية أخرى على المدينة، أمر رسول الله جيش المسلمين بمطاردة المكيين في عرض لاستعدادهم للدفاع عن المدينة من أي هجوم جديد. ونزل المسلمون بحمراء الأسد ثلاثة أيام.
قريش في ادعائها بأن “هزيمة المسلمين في أحد قد قرَّبت نهايتهم، “قامت بحملة تاجيجية لدى العديد من القبائل المتحالفة معها للتهجم على المدينة. بهذه العملية، تحاول قريش إخضاع المسلمين – إيقاف تجارتهم وعلاقاتهم مع القبائل الأخرى، وإفساد أي وسيلة لإستقرارهم في مجتمعهم. بعد بضعة أشهر من وقعة أحد، بدافع من دعايات قريش، بدأت قبيلتان في التجمع لمهاجمة المدينة. ولكن بفضل تحرك رسول الله السريع لإحباط الهجمات، منع المزيد من العداوات.
فقد بعث رسول الله 150 رجلاً إلى قبيلة بني أسد الذين فروا إلى الجبال، وبعثة مثلها إلى قبيلة بني هزيل. قُتل خالد الهذلي، الذي أعد ونظم العديد من الرجال، من عدة قبائل، مما أنهى الخلل في المجتمع والاضطراب. لقد استبقت إجراءات رسول الله الوقائية كلاً من دوافع التحرش والتدخل والتدمير. العمليات في منع الحروب هي التي حفظت المدينة بالأمن والأمان والسلام الذي وهبها الله إياها.
تأمر الرجيع وبئر معونة 625 م
أدت مؤامرات أخرى إلى تعطيل استقرار المسلمين في مجتمعهم. ففي حادثتين منفصلتين، اقتربت قبائل مضمنة السوء إلى النبي محمد ﷺ سائلة اياه توفير الدعاة لقبائلهم القاطنة حول المدينة.
في الحالة الأولى، الرجيع، قامت قبيلة هزيل برشوة قبيلة عدل لقتل الدعاة المسلمين لديهم. وفي الرجيع، تعرض الدعاة للخيانة، حيث تم أخذ اثنين منهم كرهائن، وقتل الباقي. وبعد ذلك تم بيع الرهائن لقريش وصلبهم في مكة.
أما الحادثة الثانية فكانت في قتل سبعين مسلما في قبيلة صعصع. خان زعيم القبيلة السبعين مبشراً عند بئر معونة. قُتلوا جميعًا باستثناء واحد. على أثرها، أمر النبي محمد، الذي حزن عليهم كثيرًا، بغارة لمعاقبة قتلة صعصعة الذين اختفوا في الجبال. وعادت البعثة بالإبل والغنائم.
غزوة ذات الرقاع 624م
تلقى النبي محمد أنباءً عن أن قبائل من بني غطفان كانوا يتجمعون في ذات الرقاع لأغراض مشبوهة. وتقدم محمد نحو نجد ومعه 400 شخص. فلما وصل المسلمون لم يجدوا التجمهر الذين انصرفوا إلى الجبال. وهكذا انتهى الخطر المحتمل، ولم يحدث أي قتال.
محمد ﷺ يستجوب أمر الطيور المزعوجة
انه من الممتع أنه خلال حملة ذات الرقاع، جاء رجل بعش طير يحمله فيه فراخ فاقبلت امهن حتى وقعت عليهن معهن وابت الا لزومهن فقال رسول الله لأصحابه:
” أتعجبون لرحم أم الأفراخ فراخها؟ ” قالوا نعم يا رسول الله قال ” فوالذي بعثني بالحق لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن ” فرجع بهن.” سنن أبي داود، السيرة ج 2 34
معركة الأحزاب أو الخندق 627 م
قريش لم تزل مصرة ان لا تترك المسلمين يعيشوا حياتهم. وواصلت حملاتها ضدهم فجمعت العديد من القبائل للانضمام إليهم لمهاجمة المسلمين في المدينة من العام المقبل.
من المعلوم أن حيي بن أخطب، الزعيم القبلي لقبيلة النضير اليهودية، لعب دورًا كبيرا في إثارة قريش وغطفان والعديد من القبائل العربية لتشكيل تحالف لمهاجمة المسلمين في معركة الاحزاب أو الخندق عام 627 م.
أعدت قبيلة النضير 2000 رجل و300 فارس وأقنعت قبائل أسد وسليم بالانضمام إلى الحلف. وفي خلال عام وصل الحلف إلى ما يقارب 10000 شخص، وخرجوا لمهاجمة المسلمين في المدينة. ما هو مصير نحو 2500 مسلم يواجهون جيشا قوامه 10000 شخص في المعركة؟ هل يمكن أن يعني هذا نهايتهم؟ مرة أخرى، استشار النبي محمد قومه في توصياتهم ومقترحاتهم. وكانت إحدى التوصيات هي توصية سلمان الفارسي الذي اقترح حفر خندق عميق أمام قوات التحالف لمنعهم من الوصول إلى المدينة. الامتنان والشكر لرسول الله على مشورة الآخرين، ورأي سلمان القيم.
وسرعان ما خطط النبي محمد عملية مفصلة ومتكاملة لحفر الخندق. وفي غضون 25 يومًا، وفقط، قبل وصول الأحزاب، اجتهد المسلمون في حفر خندق ضخم، عرضه حوالي 4 أمتار، وعمقه من 4 إلى 6 أمتار، وطوله حوالي 2000 متر. لا يمكن لأي شخص على ظهر حصان عبور الخندق بسهولة قبل مواجهة الخط الأول من دفاع المسلمين. تفاجأ الأحلاف عندما واجهوا الخندق ولم يتمكنوا من عبوره. ومع ذلك فقد نزلت جيوش قريش أمام الخندق. لقد فشلوا في إدخال المسلمين في معركة للأيام القليلة القادمة.
وبعد ذلك، قام شعراء قريش (عمرو بن ود العامري وضرار مرداس) لفظيًا باغراء المسلمين على القتال، وإلقاء قصائد تسب المسلمين وتذلهم وتحديهم للقتال، ولكن دون جدوى. ويستمر المسلمون في الامتناع عن دخول المعركة. واستمر حصار قريش للمدينة أربعين يومًا. وفي هذه الأثناء حاول فرسان قريش مراراً وتكراراً عبور الخندق لكنهم فشلوا. والشكر للمسلمين الذين كفوا أيديهم عن التحدي ولم يرتكبوا العنف أو سفك الدماء. وبعد نفاذ الخيارات، دعا وأقنع حيي بن أخطب كعب بن أسد، زعيم قبيلة قريظة، بنقض العهد مع محمد وطعن المسلمين في الظهر. وهذا يعتبر خيانة عظمى.
وفي هذه الأثناء، أقنع النبي محمد قبيلة غطفان، احدى قبائل الاحزاب العملاقة، بالانفصال عن قريش. أدى رحيل غطفان إلى تدهور الأوضاع وإضعاف الحلف بشكل كبير. وأدرك زعماء قريش عجزهم عن إشراك المسلمين في القتال. وان إمداداتهم من الغذاء والماء تستنزف بسرعة. وإلى جانب هذا كله تأتي معونة الله – ريح شديدة تضرب الرمال والأتربة في وجوه الحلف، يهدم خيام قريش وممتلكاتها، مما يعرضهم للطقس البارد. هذه العوامل دفعت زعماء قريش إلى الإعلان بالانسحاب والعودة إلى مكة.
وكان الانسحاب بمثابة انتصار كبير للمسلمين. لقد استنفدت قريش كل إمكاناتها؛ وكانت الأحلاف أقصى ما تستطيعه (الجرعة الأخيرة). وفي وصفه لإرهاقهم الحربي، قال النبي محمد لأصحابه: “الآنَ نَغْزُوهُمْ ولَا يَغْزُونَنَا.” البخاري. وبعد فترة وجيزة من انسحاب الحلف، شرع رسول الله في تأديب قبيلة قريظة بسبب خيانتها خلال معركة الخندق.
وهل ينبغي أن يكون تَشَعثْ هذا الحلف والقضاء عليه مثالاً آخر على مسعى الإسلام نحو الأمن والسلام؟ بل بالإضافة على ذلك، كان ذلك عملاً أدى إلى القضاء على المزيد من الأعمال العدائية اللاحقة وانعدام الأمن وإراقة الدماء.
مبدأ الشورى في الإسلام يجسد الديمقراطية في بعض نواحيه
.تتجلى الديمقراطية، أي تشارك الناس في الحكم، عند الخلفاء الراشدين الأولين. ولندع خطابي تنصيب الخليفتين يتحدثان عن نفسيهما. الخليفة الأول، أبو بكر
خطاب التنصيب
ومن المثير للاهتمام أن الشريعة الإسلامية تضمن حماية غير المسلمين وكرامتهم وأمنهم وسلامتهم، لكنها لا تفرض أي قواعد دينية على حياتهم الخاصة. تاريخيًا، كان للمسيحيين واليهود في المجتمعات التي يحكمها الإسلام نظام محاكم خاص بهم تحكمه قوانينهم ومراسيمهم الخاصة. على سبيل المثال، طلبت مجموعة من اليهود من النبي محمد ﷺ التحكيم في قضية بينهم. ومع ذلك، لم يحكم رسول الله في قضيتهم بالشريعة. وبدلاً من ذلك، أمرهم بتطبيق حكم الإنجيل. تنص الفقرة القرآنية على ما يلي:
وفيما يتعلق بموقف الشريعة الإسلامية من غير المسلمين، كتب محمد حميد الله يقول:
https://en.wikipedia.org/wiki/Ottoman_law
https://www.britannica.com/topic/Shariah
علاوة على ذلك، تشرح موسوعة بريتانيكا Encyclopedia Britannica الاختلافات الرئيسية بين أنظمة القانون الغربي والشريعة على النحو التالي:
”تختلف الشريعة في شكلها الكلاسيكي عن أنظمة القوانين الغربية من ناحيتين رئيسيتين. في المقام الأول، إن نطاق الشريعة أوسع بكثير لأنها تنظم علاقة الفرد مع الجيران والدولة، وهو الحد الأقصى لمعظم النظم القانونية الأخرى، وكذلك مع الله وضمير الفرد نفسه… فالشريعة تعنى بالمعايير الأخلاقية كما تعنى بالقواعد القانونية، وتبين ما يحق للفرد أن يفعله أو يلتزم به قانونًا، وما يجب على الفرد أن يفعله أو يمتنع عنه ضميريًا، ولكن هل هناك جزاء قانوني بالعقاب أو الثواب أو البطلان أو الصحة في كلتا الحالتين؟ فالشريعة إذن ليست مجرد نظام قانون، بل هي مدونة شاملة للسلوك تشمل الأنشطة الخاصة والعامة.
والتمييز الثاني المهم بين الشريعة والأنظمة القانونية الغربية هو نتيجة للمفهوم الإسلامي للقانون باعتباره تعبيرًا عن الإرادة الإلهية“.
الجمال والعقل جزءان لا يتجزأن من الإيمان
وقد علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان ليس بالجفاء ولا بالتشدد ولا بالغلو. قال:
إن معالجة محمد – صلى الله عليه وسلم – لقضية ”لقد هلكت“ هذه، بشكل أو بآخر، تكشف بشكل طبيعي تمامًا عن جمال قلبه وطيبته وفهمه وسعة صدره وانفتاحه وعاطفته. فالرجل جاء يقول، ”لقد هلكت“ متوقعًا أن يَحكم عليه رسول الله بقسوة، ولكنه غادر رسول الله بمكافأة! لم تكن المكافأة لنفسه فقط بل لأهله أيضًا.
بيّن محمد أن الإيمان هو الترقي…البشاشة والمرونة واليسر والمحبة. الإيمان يرتقي ويملأ القلوب بالجمال والطمأنينة.
لا إفراط ولا تفريط في الدين، الغلو
ومع تنامي الإسلام في العديد من الأقطار، ظهر ميل من قبل البعض إلى التطرف في تطبيقه. ومن الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى أن تسير دروس العقلانية والصواب جنبًا إلى جنب مع تعاليم الإسلام. فبينما علّم النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن المرونة والعقلانية والرفعة جزء لا يتجزأ من الإسلام، حذر من الغلو والإفراط والتشدد في الدين. وقال إن الغلو يؤدي إلى الهلاك.
”اتَّقُوا الْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ“. ابن ماجه”
كما حذر الله تعالى:
“يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لَا تَغْلُوا۟ فِى دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ.” النساء 171
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ لِخَلْقِهِ الْيُسْرَ وَلَا يُحِبُّ الْعُسْرَ قَالَ:
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر“. البقرة: 185”
لقد كان الاعتدال والتوسط واختيار الأصلح من أي الخيارين من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه الخصال الحميدة هي صفات إيمانية ضرورية لكل مؤمن لأنها مفاتيح الحياة الطيبة للجميع.
لقد أثرت تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم الإلهية وشخصيته الجميلة تأثيرًا عميقًا في النفوس. لقد أيقظت جمال وعقل الناس ومن احتضنوه ”الصغار والكبار والرجال والنساء والمتعلمين والفلاحين. لقد أيقظت حكمته ومعاييره ومحبته وعي كبار المفكرين والفلاسفة والشعراء والمؤرخين وقادة العالم وأثرت في قلوبهم“. ويقول الدكتور غوستاف ويل في كتابه ”تاريخ الشعوب الإسلامية“:
”كان محمد مثالاً ساطعًا لقومه. كانت شخصيته صافية نقية نقية… متواضعًا لدرجة أنه لم يكن ليتلقى من أصحابه أي علامة خاصة من علامات التبجيل، ولا يقبل من خادمه أي خدمة يمكن أن يقدمها لنفسه. كان في متناول الجميع وفي كل الأوقات. كان يزور المرضى وكان مليئًا بالعطف على الجميع. وكان إحسانه وكرمه غير محدود كما كان اهتمامه وحرصه على رفاهية المجتمع غير محدود“. فايل، الدكتور غوستاف في بروكلمان، كارل (محرر): تاريخ الشعوب الإسلامي، كورنويل 1947. المرجع 2 صفحة 158
لقد امتد مثال محمد صلى الله عليه وسلم في الرحمة وقبول الجميع ليشمل المؤمنين من جميع الأديان. لا ينبغي أن يكون اعتزاز المرء بمعتقداته أساسًا لازدراء قيم الآخرين. وعلى عكس ما يدعيه المتطرفون والمتعصبون، فإن الإسلام يعتز بحرية الاعتقاد. ويذكر الدكتور مصطفى زيد الأزهري في مجلدين من 600 صفحة من كتابه ”آيات القرآن المنسوخة“ أن هناك 141 آية في القرآن تدعم حرية الاعتقاد. علاوة على ذلك، احتقر الإسلام الاضطهاد الديني. يقول القرآن إن الإيمان لا يصح إلا بالاقتناع القلبي وليس بالإكراه:
“قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ. فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ“. البقرة 18
في آية أخرى، قال الله تعالى:
”لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. فَقَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ“. البقرة 256
كما هو صريح أن تكون الصراحة
-يأمر الله -سبحانه وتعالى- أن لا يؤمن أحد بأي دين من الأديان، بما في ذلك الإسلام؛ يقول الله تعالى:
”وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ! أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ!“. يونس 99
إن حرية المرء في اختيار معتقداته وحرية التعبير عنها أمران أساسيان في تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم. لم يكن دور رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض هو فرض معتقدات معينة، بل كان دوره صلى الله عليه وسلم هو تبليغ كلام الله وترك الناس يختارون معتقداتهم ويعيشون بها. قال الله سبحانه وتعالى:
”قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ. وَقُلْ إِنِّي لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ بِمَا تَعْمَلُونَ“. الأنعام 104
وجاء في آية أخرى:
”مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [يحكم بينهم]“. النساء 80
ومقطع ثالث:
”وَإِنْ تَوَلَّوْا [عن هدايتك يا أيها النبي فاعلم أنه]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا: ليس عليك أكثر من تبليغ الرسالة [الموكلة إليك] …“ الفتح 42
وقد خلق الله تعالى بحكمته الناس قادرين على التمييز بين الخير والشر، وأطلق لهم حرية اختيار طريقهم وإيمانهم. ثم إن الإسلام بعد ذلك يؤيد الطبيعة البشرية في التفكير الحر. وفي الوقت نفسه، ذمّ من يتسلط على عقيدة المرء، لأنه يخالف ركن الله الأساسي في ”حرية الاعتقاد“. فالشريعة الإسلامية تعترف بالأخلاق والصفات الأخلاقية التي تنطبق على جميع الناس على حد سواء، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية.
لقد كان وضع المرأة في المنزل والمجتمع والحكومة والمجتمع مصدرًا للنقاش والصراع في كثير من الأحيان منذ البداية، ولا يزال كذلك. فمنذ المجتمعات القديمة وحتى مجيء النبي محمد في القرن السابع الميلادي، ”كانت المرأة تتوسل إلى سيدها الرجل يائسة من أجل إنصافها وإنزالها مكانتها، لكن نداءها ظل غير مسموع ومهملًا“. لم تكن الجزيرة العربية مختلفة. كانت النساء أدنى من الذكور في جميع النواحي ويعاملن ككائنات ذليلة عديمة القلب. ومع ذلك، وبشكل لافت للنظر ومدهش، غيّر رسول الله صلوات الله عليه من منظور مكانة المرأة إلى الأبد. ففي المدينة المنورة، استمع محمد بعناية إلى أحزانهن ومظالمهن، فاكسبهن كرامتهن ومكانتهن وشرفهن المجتمعي. قال:
”ما كرمهن الا كريم وما اهانهن الا لئيم.” كنز العمال
”خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ.وانا خيركم لاهلي.“. سنن ابن ماجه
وجعل مكانة المرأة مساوية لمكانة الرجل، فقال صلى الله عليه وسلم
”النساء شقائق الرجال“. سنن أبي داود
روى أنس خادم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن امرأة كبيرة السن جاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأخذت بيده وهي تقص عليه قصتها. فجلس معها بصبر ثم ساعدها في حل مشكلتها. البخاري
:كما كان يقدس دور الأمومة. جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له
”يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحبتي“؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: ”أمك“. ”، فقال الرجل: “من التالية؟ ” قال النبي: ’أمك‘. ”سأل الرجل مرة أخرى “من التالي؟ ”أمك“، أجاب النبي. ”أصر الرجل قائلاً: “من يليها؟ ”قال النبي صلى الله عليه وسلم: ’أبوك‘. البخاري
وَطَاعَةُ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ وَاجِبَةٌ، قَالَ النَّبِيُّ:
”الجنة تحت أقدام الأمهات“. السيوطي
كما أن استحقاق الجنة يأتي أيضًا من الاستماع إلى الأم ومعاملتها معاملة حسنة. حقوقها في الميراث والزواج والطلاق مثل حقوق الرجل. وقد علَّم رسول الله أن موافقة المرأة شرط في انعقاد النكاح. وجاء في القرآن الكريم:
”لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا“. النساء 7.
”بالنسبة لي، يكفي أن محمداً هو أعظم نسوي عرفه العالم حتى الآن ولم يعرفه العالم إلا قليلاً… أنا شخصياً ممتنة لمحمد امتناناً لا حدود له. فهو لم يتعاطف فقط مع صوت بكاء المرأة اليائسة والمستغلة. ومع ذلك فقد اتخذ تدابير جليلة ضارباً بعرض الحائط كل معارضة للتخفيف من نصيبها وتقويتها من الناحية الواقعية. فعلى مدى عصور وعصور، وجدت المرأة نفسها تتوسل وتتذلل أمام سيدها الرجل، ولم تكن توسلاتها التي تدمي القلب من أجل العدالة مسموعة ولا تلقى آذانًا صاغية. غير محمد هذا الوضع إلى الأبد. لقد أخرج محمد المرأة من موقفها المحرج. لقد انتشلها محمد من عبوديتها للرجل لتكون سيدة نفسها. لقد حوّلها محمد من متسولة إلى صاحبة حق وصاحب مصلحة قوية. كان محمد قد استمع بعناية إلى أحزانها وويلاتها. كان محمد قد استمع إليها بصبر محب ورأفة وقلب يفيض بالعطف والتفهم.
كان محمد قد عالج شكواها وفقًا للأمر الإلهي حتى قبل أن تشتكي. كان محمد قد وجد مكان ألمها ورتب لها الشفاء. كان محمد قد وجد لها؛ هويتها المفقودة. عرّفها محمد بمكانتها وأهميتها الحقيقية. كان محمد قد قدم للمرأة شخصيتها وعزتها كما وهبها الله. لقد كسب محمد للمرأة ما انتزعه منها في مكان ما على طول الطريق – احترامها وحقوقها. لقد منح محمد المرأة حريتها. حوّل محمد المرأة من كونها غير ذات كيان إلى فرد واثق من نفسه. أعاد محمد للمرأة مجدها. كان محمد ولا يزال نصير المرأة الذي لا مثيل له. في كل هذه الأقسام من الأنشطة، فهو بمثابة بطل!“. (راي، أنيتا، أنيتا، محمد، كشف القصة الحقيقية، 2007، المرجع 2، صفحة 159)
وبعد أن ضمن المسلمون الصلح مع خيبر، وكانت غزوة قريظة آخر قشة في يد قريش، بدت استراتيجية المسلمين مناسبة تماماً لمواجهة قريش. ومع ذلك، من السهل أحيانًا أن ننسى أن إحدى فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرئيسية كانت تقديم التنازلات في ظل المواقف الصعبة. فما قد يبدو ظاهريًا هوة لا يمكن عبورها، سرعان ما كان يبني جسرًا يجمع بين الطرفين المتعارضين في تسوية متبادلة. وكانت اللبنة الأولى في جسره التالي هي إتمام مناسك العمرة أو الحج الأصغر إلى مكة.
تقليديًا، لم يكن بإمكان قريش منع الحجاج من أي عرق أو دين من أداء المناسك في البيت الحرام. وبما أن المسلمين كانوا جزءًا من الديانات الإبراهيمية، فقد كان يحق لهم أداء المناسك. وقد رأى النبي محمد بروحه التصالحية العميقة فرصة جيدة للتصالح والسلام مع قريش. ومن هذا المنطلق، دعا رسول الله الناس جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، إلى الانضمام إليه في رحلة لأداء العمرة أو الحج الأصغر. وقد توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ومعه 1400 من أتباعه لأداء مناسكهم.
ولما علمت قريش، خادمة البيت الحرام، بتحرك المسلمين، أرسلت خالد بن الوليد على عجل مع خمسين فارسًا ليصدوا المسلمين قبل أن يصلوا إلى حدود مكة المكرمة. فإذا ما دخل المسلمون حدود المدينة المقدسة، فلن تستطيع قريش أن تصدهم لأن قريشًا ستخل بواجبها في دخول الناس إلى مكة. ولم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كعادته ليواجه الخمسين راكبًا.
وعلى الرغم من أن الحجاج المسلمين كانوا أكثر عددًا وكان بإمكانهم أن ينتصروا انتصارًا سهلاً على قريش، إلا أن النبي الحصيف سلك طريقًا آخر عبر أودية غير مستخدمة وضيقة وصخرية للوصول إلى مكة. ومن خلال هذا التغيير، جاءت الفرصة لتحقيق الأمن وتجنب العنف. عند وصولهم إلى الحديبية، بالقرب من مكة، خيم المسلمون لمدة خمسة أيام. وفي اللحظة التي ترجل فيها عن ناقته، أعلن محمد الحليم:
”والذي نفسي بيده لا يسألوني [[ أي قريش ]] خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها“. النِّهَايَة 2/ 48 سِيرَة مُجَلَّد 2، ص 99.
صلح الحديبية 628 م
وقد بدأ الحوار، وأبلغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قريشاً أنه لا ينوي إلا أداء العمرة، فرفضت قريش ذلك. واصرت قريش على عدم السماح للمسلمين بدخول مكة. وعلاوة على ذلك، حاولت قريش تحريض المسلمين على القتال لأن القتال داخل الحرم سيمنعهم تلقائيًا من دخول البيت الحرام.كما سجنت قريش مبعوث النبي، عثمان بن عفان، لتحريض المسلمين على سفك الدماء. إلا أن رسول الله لم يكتفِ بعدم القيام بأي عنف، بل إنه أعاد ثمانين أسيرًا من المهاجمين الذين تم أسرهم سالمين إلى قريش، مما جعل سعيهم لاستخدام العنف يفشل. أما الدبلوماسية، من ناحية أخرى، كانت لا تزال مستمرة. كان الحُلَّاث بن علقمة المبعوث التالي. وكان زعيم الأحباش في مكة.
وكانت قبائل الأحباش متعاقدة مع قريش لحمايتها وفي المقابل كانت قبائل الأحباش تتولى رعاية الحجاج. ولما كان الحُلَّاث في طريقه إلى المسلمين رآهم في في ثيابهم البيضاء وبجانبهم ثمانون أضحية ترعى. فلم يكن مقتنعاً بنية المسلمين الخالصة في الحج فحسب، بل كان يرى أن قريشاً قد أخلت بميثاقها برفضها دخول الحجاج إلى مكة. ولذلك عاد إلى قريش دون أن يلتقي بالنبي صلى الله عليه وسلم. كان خطابه لقريش:
”يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا كَانَ حِلْفُنَا مَعَكُمْ عَلَى مَنْعِ النَّاسِ مِنَ الْحَجِّ. فَكَيْفَ تَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ دُخُولِ بَيْتِ اللَّهِ؟ وَالَّذِي نَفْسُ الْحَارِثِ بِيَدِهِ لَتَأْذَنُنَّ لِمُحَمَّدٍ بِمَا جَاءَ بِهِ، أَوْ لَأَدْعُوَنَّ الْأَحْبَاشَ إِلَى الثَّوْرِ عَلَيْكُمْ وَنَقْضِ حِلْفِنَا“.
وكان عروة بن مسعود الثقفي، وهو زعيم بارز من زعماء قبيلة ثقيف من الطائف، من سفراء قريش إلى رسول الله. وبعد ساعات من الحوار والمفاوضات مع رسول الله، عاد عروة إلى قريش بهذا الخطاب:
”يا زعماء قريش: والله لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر والنجاشي والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً، فَوَاللَّهِ لَا يَدَعُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ أَذًى يُصِيبُهُ. فأنشدكم الله أن تعيدوا النظر في موقفكم من محمد“.
وبعد خمسة أيام من المفاوضات الدبلوماسية العسيرة، والفشل في حمل المسلمين على القتال، والنتائج السياسية المترتبة على صد الناس عن زيارة البيت الحرام، والضغوط المتزايدة من السفراء المفاوضين، أخيرًا وافق زعماء قريش على الدخول في هدنة مع المسلمين. وبناءً على ذلك، أرسلوا مفاوضهم للسلام سهيل بن عمرو. وعندما رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المبعوث الجديد سهيل بن عمرو استبشر قائلاً
”قد سهل لكم أمركم“.
بعد ذلك، حدثت تسوية ومصالحة غير مسبوقة مع قريش، مما أثار استياء الصحابة المقربين من النبي صلى الله عليه وسلم وضد كل معتقدات أصحاب العقليات المتصلبة التي كانت تؤطرها الجاهلية القديمة، ”الجاهلية: هي الميل إلى العنف والانتقام والتكبر على الاستسلام أو إعادة النظر في الأمر بشكل مختلف“. -كارين أرمسترونغ
”لقد كان محمد صانع سلام. خاطر بحياته وكاد أن يخسر ولاء أقرب أصحابه إليه لأنه كان مصممًا على الصلح مع قريش. فبدلًا من خوض حرب ضروس حتى الموت، كان محمد مستعدًا للتفاوض والتنازل. وقد أثبت هذا الإذلال الظاهر على حد تعبير القرآن أنه فتح عظيم“.
إن ما أبداه محمد صلى الله عليه وسلم من مرونة ودبلوماسية وإعادة النظر في مواقفه وقبول الذل المتصور هو بصيرة ربانية لا هزيمة وسلبية. لقد أثبتت كل هذه المصالحات أنها كانت عند الله ”نصرًا عظيمًا“. ولم يمض وقت طويل على توقيع المعاهدة حتى نزل وحي سماوي يؤيد موقف رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو سورة الفتح. قرآن 48:1
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًۭا مُّبِينًۭا 1
لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطًۭا مُّسْتَقِيمًۭا 2
وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا 3 هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوٓا۟ إِيمَـٰنًۭا مَّعَ إِيمَـٰنِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًۭا ٤
إن من الأسس السليمة التي يقوم عليها المجتمع هو قدرته على مقاومة إغراء الغدر ونقض العهود مع جيرانه، مما يخلق حالة من عدم الأمان وانعدام الثقة. وفي حين أن إنكار حماية أبي جندل، النبي – صلى الله عليه وسلم – يبدو ظاهرياً غير منصف، إلا أن الفهم الأعمق لمبادئ الإسلام يظهر أن فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هو الأنسب. وفيما يتعلق بهذه المسألة، قال الدكتور عدنان إبراهيم
”إن الاتفاقات السياسية مع غير المسلمين لحفظ السلام والأمن تنسخ جميع المبادئ الإسلامية العامة الأخرى“.
الهدف الأسمى من الإيمان بالله تعالى هو عمارة الأرض، حفظ الأمن والأمان، التقوى والعدل. بيّن الدكتور إبراهيم أن حفظ الأمن بين المجتمعات والأمم أولى من إعانة الأفراد ثم على نقض الهدنة وتعريض السلام للخطر. ولذلك أمر الوحي السماوي المسلمين جميعًا بحفظ هذا المبدأ، فقال تعالى
”… وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ.“ الأنفال 72
أدرك محمد رسول الله أن السلام يمكن أن يحقق أكثر بكثير من العنف. وبمرور الوقت، أثبتت معاهدة الحديبية أنها كانت انتصارًا أكبر. فقد فتحت الأبواب أمام بناء السلام والاستقرار الذي كان المسلمون يتوقون إليه خلال الثمانية عشر عامًا الماضية.
علاوة على ذلك، فإن الحضارة تتطلب استقرارًا سلميًا واجتماعيًا واقتصاديًا. ولهذا الغرض، تجنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم العنف وساعد على خلق مجتمعات متناغمة.
والآن، يمارس المسلمون عقيدتهم في أجواء هادئة ورعاية. دخل كثير من الناس في الإسلام. ولم تعد القبائل البدوية تحت قيود قريش وقبضتها. وانضمت العديد من القبائل بحرية إلى التحالف الإسلامي. انظر, https://www.youtube.com/watch?v=jwKDCb-U70Y
The Welfare of Islam Prevail
التواصل الإلهي – التفاوض والمصالحة
إن أعمال العنف هي ببساطة أدوات للتدمير – تدمير التحالفات والأرواح والممتلكات، وفي نهاية المطاف، تدمير الثقة والاحترام بين شعوب الأرض. إن الدبلوماسية والتفاوض والمصالحة هي وسائل أكثر فاعلية لإحداث تغيير. تأمل شرط المعاهدة الوحيد الذي ظنه بعض المسلمين مهينًا لعدم مساعدة المسلمين القرشيين الجدد. وقد تبين أن هذا الشرط نفسه أضر بقريش. إذ اعتنق عدد من القرشيين الإسلام ولكن لم يُسمح لهم بالانضمام إلى المسلمين في المدينة، ففروا من أهلهم، وابو جندل معهم إلى منطقة على البحر الأحمر. وهناك عرقلوا قوافل قريش التجارية وهددوا تجارتهم. ونتيجة لذلك، كتبت قريش إلى محمد أن يزيل شرط إبعاد القرشيين الذين يعتنقون الإسلام، وأن يجلب إلى المدينة من تجمعوا عند البحر الأحمر. وكان من السهل على رسول الله، أن يرفض طلب قريش بسهولة، ولكنه قبل هذا الطلب بكل سهولة، وكتب إلى قائد جماعة البحر الأحمر أن يلحق به مع بقية المسلمين هناك في المدينة. لم يكن النبي محمد ليخالف حكم الله في حفظ الأمان، حتى بالنسبة لأعدائه. ففي النهاية هو الذي علّم:
”إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَتْكِ (أي الاغتيال والاعتداء والهجوم بشراسة والسحق والتدمير والتخريب والاستئصال)، الْمُؤْمِنَ لَا يَفْتِكُ“. سنن أبي داود
و الأبلغ من ذلك أن الله عز وجل أيد توصية خصم موسى عليه السلام بأن يكون من المصلحين لا من الطاغين.
”فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِٱلَّذِی هُوَ عَدُوّ لَّهُمَا قَالَ الْعَدُوُّ: يَا مُوسَى! أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ؟ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ“. القصص 19
وقد جاء وقت الوفاء بالعُمرة في صلح الحديبية التي تنص على أنه يمكن للمسلمين أن يعودوا إلى مكة بعد عام من توقيع المعاهدة، وقد جاء وقت الوفاء بالعمرة، وهو من أدق الاختبارات لفاعلية الصلح. ومع ذلك، فإن المسلمين لديهم قلق مبرر. ماذا لو لم تف قريش بوعدها بالهدنة واعتدت على الحجاج أثناء دخولهم مكة أو أثناء أدائهم المناسك؟
الفهم الخارج عن نطاقه التاريخي يمكنه الوصول إلى نتيجة خاطئة بسهولة. مثلا من أجل فرضية المسلمين في احتمال هجوم قريش عليهم وهم يقيمون شعائر عمرة القضاء، الله تعالى أنزل الآيات 190 و 191 حتى 203 من سورة البقرة فيما يخص هذه الفرضية.
وقد انحاز الدكتور فتحي عثمان في كتابه ” مفاهيم القرآن ” إلى من أخذ بالمعنى الأخير. ان تفسير الدكتور عثمان هو الأدق لأن جزاء القتل هو موضوع الجزء الثاني من الآية 2: 191 “الَّذِينَ كَفَرُوا بِحرْمَةِ” البيت العتيق. وفي كلا التفسيرين، لا يمكن أن يؤخذ “الذين كفروا” في الآية 2: 191 على أنها تعني النصارى أو اليهود أو أي قوم آخرين غير قريش. ومن الإنصاف أن ننظر إلى الأمور في سياقها الصحيح، إذ يمكن أن تتطور مفاهيم مضللة في غير هذا السياق. المزيد من الآيات القرآنية التي تم تفسيرها بشكل خاطئ في الفقرة إعادة مكة إلى حرمتها الأصلية وكقبلة للمسلمين أدناه.
ثلاثة أيام في مكة
ووفقًا لمعاهدة صلح الحديبية، سُمح للمسلمين بالإقامة في مكة ثلاثة أيام ولم يكن بإمكانهم حمل إلا سلاح المسافر. ومع ذلك، وكإجراء احترازي، وضع رسول الله مائتي مسلم ينتظرون خارج مكة، مجهزين بالخيل وسلاح القتال إذا ما تعرض أي مسلم لهجوم. ولمنع أي أحد من أهلها من الالتقاء بالمسلمين، أشاعت قريش إشاعة كاذبة بأن المسلمين مصابون بحمى يثرب وأمرتهم بالخروج من المدينة والمسلمون في فيها. ومع ذلك، لم تكن خطة قريش للعزل مفيدة جدًا. فقد بقي الكثير من الناس في المدينة وشاهدوا المسلمين وأقاربهم وهم يؤدون المناسك.
مصلحة الاسلام تعلو
من مناسك العمرة هو أن يلبس المعتمر الرداء الابيض وان يدور حول الكعبة سبعة أشواط. لكن لمعالجة إشاعة قريش في أن المسلمين موبوؤون بحمى يثرب، أمر النبي محمد المسلمين أن يروا قريش منهم قوة (رحم الله من أراهم من نفسه قوة،) وان يتركوا مناكبهم اليمنى عارية، إشارة أنفس رياضية. وهكذا دخل رسول الله الكعبة ومعه الفين من المسلمين بعرض رياضي متناسق كاشفي العارض الأيمن، مرددين: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والشكر والنعمة لك لبيك.
بالاضافة، لما وصل رسول الله ناحية الركن اليماني من الشوط بدأ بالهرولة واتبعه المسلمون، حيث انه مقابل الركن اليماني كانت قريش مجتمعة لتشاهدهم. ولما كانوا في الركن المعاكس تابعوا المشي والراحة من الهرولة. وهكذا أراهم من نفسه والمسلمين قوة وابطل بذلك ادعاء قريش.
المسلمون اليوم يُحرِمون وعارضهم الأيمن مكشوف ويهرولون عند الركن اليماني كما هرول رسول الله توقيرا لبراعته وانطلاقه في ظرف كهذا، مبينا أنه على المسلم، إن خُيِّرَ، بين نجاح الإسلام او الكيفية في تأدية المنسك، فالأولى والأوجب اختيار نجاح الإسلام.
نفس محمد الشغفى بالعواطف الإنسانية وذوبانه في الله، لم يكن ليترك أي فرصة فيها أي نجاح للاسلم لاستعمالها. مثلا، لم يكن له ليترك العادة العربية في زواج المرء من قبيلة غير قبيلته، والتي بها يدخل العريس في حماية قبيلة العروسة ويكون له منصب الشرف لكل أفراد قبيلتها. من هذا المنطلق، وهو لم يزل بمكة لقضاء عمرة القضاء، طلب يد ميمونة الهلالية، احدى أشراف قريش. وهكذا عرس عليها وبنى جسرا آخر مع قبيلتها واخمد ناراً من العداء.
تعلم المسلم من القرآن أن الله تعالى خلق الإنسان ونفخ فيه من روحه. وأنه لا تقتل نفس إلا من خلال القضاء. كما اشار رسول الله انه من أعلى الجرائم خطورة هو قتل النفس التي حرم الله، فهو القائل:
و الأبلغ من ذلك أن الله عز وجل اقر توصية خصم موسى عليه السلام بأن يكون من المصلحين ثم وصف القتلة بالطاغين.
”فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِخَصْمِهِمْ1 قَالَ الْعَدُوُّ: يَا مُوسَى! أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ؟ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ“. القصص 19
غرض هذه الغزوة هو تأديب من خان المسلمين في الميفعة، وفيها قتل اسامة رجل نطق الشهادة.
عن أسامة بن زيد – وهذا حديث ابن أبي شيبة – قال: “بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقال لا إله إلا الله وقتلته؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟» فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.” مسلم 227
بعد هذا الحادث بقليل، أرسل رسول الله علي بن أبي طالب الى أهل القتيل لأداء دية القتل. سمو أخلاق رسول الله وحرصه على السلام والأمن ارتفعوا به إلى السمو والمعالي.
“وانك لعلى خلق عظيم.”
” ان كانت عظمة الطلب، واحقر الوسائل، والنتائج المذهلة، هم المعايير الثلاثة لمقياس العقل البشري، من هناك من يجترئ أن يكون مثل من محمد؟
اعظم واشهر الرجال هم من اخترع السلاح، القانون، وامبراطورية فقط. ان اوجدو شيء على الإطلاق، فهي قوي ربما تحطمت امام اعينهم. هذا الانسان لم يسير فقط الجيوش، التشريعات، الإمبراطوريات، الناس (باشكالها والوانها)، والأسر الملكية، بل ايضا الملايين (من البشر) لثلث الأرض المأهولة آنذاك؛ بالإضافة، فقد انهى وغير الظلم الكنسي، الآلهة المختلفة، الديانات (الفاسدة)، والأيدلوجيات… الثبات للنصر، طموحه من أجل أفكاره والتي لم تكن من أجل (خلق) امبراطورية، وصلواته اللانهائية ووصله الصوفي بالله؛ موته، ونجاحه بعد موته، ؛ كل ذلك لا يشهد إلى دجل ولكن الى إيمان راسخ والذي أعطاه القوى لإعادة العقيدة الصحيحة؛ وهي ذات شقين: وحدانية الإله والامادية. الأولى تبين من هو الله والأخرى تبين من هو غير الله.
حكيم، خطيب، نبي، مشرع، محارب، مفتاح للأفكار، معيد الاعتقاد المنطقي، المؤسس لعشرين امبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية – هذا هو محمد.
عندما نأخذ بكل المعايير التي اخترعها الإنسان في مقاييس العظمة، ربما نطرح السؤال، هل هناك رجل أعظم من محمد؟
Alphonse de La Martaine ‘Historie de la Turquie،’ v. ii، Paris، 1854 ref 2 p 164
واحات خيبر تقع على بعد قدره 90 ميل شمال المدينة في شبه الجزيرة العربية. كانت هذه الواحات مأهولة بقبائل يهودية. خيبر مؤلفة من حصون أكبرها ثمانية مبنية على عدد من الهضاب الفولكانية. كل حصن يمثل مستوطنة صغيرة تحتوي على ترسانة (ذخيرة حربية)، أسلحة، مخازن للغذاء والتعزيزات، حظائر ومياه. مزرعة تحيط بكل قلعة. لهذه المزارع نمط معين بحيث تحاط كل مزرعة بأشجار التمور، وقسم لزراعة الحبوب والخضار. هذه المزارع ما هي إلا بمثابة الاكتفاء الذاتي لكل مستعمرة.
https://en.wikipedia.org/wiki/Battle_of_Khaybar
المنظمة الشبه عسكرية لخيبر كانت مصدر تآمر وتدسيس ضد المسلمين. كمثال، نأخذ حيي بن أخطب والذي حاول قتل النبي محمد في المدينة، والذي لعب دورا جوهريا في تحريض قريش والقبائل العربية كغطفان وغيرها لتأليف الأحزاب للهجوم على المدينة وإنهاء المسلمين في معركة الأحزاب.
في سنة 629 م، خرج المسلمون نحو خيبر وطوقوا أول الحصون، الناعم. بعد عدد من الأيام سقط الحصن في أيدي المسلمين. بطريقة مشابهة، سقطت بقية الحصون. غير أن رسول الله لم يعامل اليهود كما يعامل المنتصر غريمه في ذلك العصر، اي ابادتهم. بدلا عن ذلك، اجتمع مع زعمائهم وخرجوا باتفاقية الاستسلام والتي تنص على تجريدهم من السلاح وأن يعطوا نصف المحصول من مزارعهم الذي كانوا يعطوه لغطفان الى المسلمين.
مجموع الخسائر الحربية لخيبر هي 20 قتيلا من اليهود و93 جريح. خسائر المسلمين هي 50 جريحا.
من سبايا خيبر كانت صفية ابنة حيي بن أخطب زعيم القبيلة، وارملة كنانة بن الرابي. هذا الأخير قتل في خيبر. اما ابوها حيي فقد قتل مع من قتل من قبيلة قريظة التي خانت رسول الله في معركة الأحزاب. لكن للحد من اواطفاء العداوة مع بني النضير فقد تزوج النبي محمد من صفية. بهذا اصبحت صفية احدى امهات المؤمنين المكرمات لدى كل المسلمين.
كان رسول الله يعلم أن صحة المجتمع تصبح أصح واجل عندما يُكَرم الانسان او حتى يُكافأ، في مجتمع تختلف به الديانات عن الإسلام. كانت حياته ووجوده مبنيا على تطوير وانشاء المشتركات والمحبة بين الناس والجيرة. فلما تزوج البي من صفية، أطلق أصحاب محمد سراح كل أسير يهودي اكراما لها.
كان زواج رسول الله ﷺ من صفية فعالا في احتضان علاقة اطيب مع اليهود. مناقشا أفكار الغلاة في إضرام نيران العداوة بين المسلمين وأهل الكتاب، يقول الدكتور عدنان ابراهيم
“إن صفية أعطت من ورثتها أخيها اليهودي، وتساءل، بماذا نعلل هذا في ضوء إقامة أسوأ علاقة مع أهل الكتاب؟ من هناك افضل للتشريع من أهل بيت النبي محمد؟”
https://www.youtube.com/watch?v=7XTeIw9MJFs
إلقاء نظرة على زواج رسول الله
علاوة على زواج النبي من صفية، فانه تزوج من ماريا النصرانية. بالإضافة، فإن رسول الله تزوج أم حبيبة ابنة ألد أعدائه، عندئذ، أبي سفيان. بهذا الزواج فإن رسول الله أضعف من عداوة ابيها للإسلام.
الخط التاريخي لزواج رسول الله يبين أن النبي تزوج أول زوجاته، خديجة، كان من العمر 25 سنة وكان عمر الأرملة خديجة 40 سنة. وبقي هذا الزواج احادي حتى بعد وفاتها. كان عمره عندئذ 50 عاما. بعد ذلك تزوج من سودة، لكن بين 53 و 58 من العمر تزوج من الخمس زوجات الآخر. خلال هذا الوقت كان في طور إصلاح بينه وبين قريش وبينه وبين القبائل الاخرى حول المدينة.
فزواج النبي محمد من مختلف الملل والطبقات ما هو الا رمز يثبت أن الإسلام يتجاوز حدود العنصرية الدينية والطبقية والاجتماعية، وأن عمل محمد هذا هو أكثر منه بناء لجسور من العلاقات الودية بين القبائل المختلفة والإسلام، أكثر مما هو كضرورة انسانية. معلقا على زواج النبي محمد، الدكتور جون اسبوسيتو المدرس في جامعة جورج تاون قال:
“زواج النبي محمد حدث لعدة اسباب. هو تزوج من أرامل ونساء لا عون ولا حماية لهم. لكنه اشتبك في زواج أيضا لترميم العلاقات بينه وبين قبائل أخرى.”
The Legacy of Peace documentary الفيلم الوثائقي تراث من الإسلام
توسع دعوته دبلوماسيا 629 م
إدارة النبي ﷺ رسول الله بدأت تأخذ أبعادا لما وراء المدينة. اخبار نبوته وصلت عبر الحجيج ورسل النبي إلى العديد من المواطن على أطراف الجزيرة العربية وما حولها. نتيجة لوجود استقرار نسبي في مجتمعه الصغير، بدأ محمد بإرسال الرسل الى ما يجاوره من الأقوام، البعيد منهم والقريب. كتب رسول الله رسائل إلى رؤساء الأقوام من حول الجزيرة العربية وملوك الفرس والروم، كسرى وقيصر يدعوهم فيها الى الإسلام. كان رسول الله دقيقاً في اختيار الرسل وبما يناسب صاحب الرسالة. الرجاء انظر الى انتخاب السفراء أدناه حول هذا الموضوع.
من هذه المحاولات الدبلوماسية ما أخفق ومنها ما كان فيه نجاح. فكسرى صاحب فارس مزق كتاب النبي وأمر عامله في اليمن أن يحضر له محمد ليقتله. أما ملك الروم تقبل الرسالة وتحدث مع سفير رسول الله بهدوء واتزان.
لم يكن النبي محمد بعيدا عن التحديات السياسية والطرق المثلى الديبلوماسية. فإنه كما تبنى الطريق الديبلوماسي، فإنه بنفس الأسلوب انتخب الطريقة المناسبة لنجاح الخطى الديبلوماسية. كان رسول الله يعلم أن نجاح الخطى الديبلوماسية يعلو إن كان اختياره للسفراء مبنيا على ناتج الاختيار أصلح لهذه السفارة.
هذا يقتضي أن يُاخذُ في عين الاعتبار عددا من الأمور. لننظر الآن الى بعض من اختيارات رسول الله لهؤلاء السفراء. ضحية الكلبي مثلا كان اختيار رسول الله الى هرقل ملك الروم للامبراطورية البيزنطية. بينما كان عمرو الضمري هو اختيار رسول الله الى ملك الحبشة النجاشي. مقارنة تقريبية لهذين السفيرين تنبأ بما يلي.
السفيرين يتميزان بفصاحة الخطاب والذي يعتبر محوري في الديبلوماسية. بالإضافة، لو أمعنا النظر في شخص دحية الكلبي لوجدنا أن شخصه كان طويل القامة حسن الجمال، حتى أنه قيل أن جبريل كان يأتي النبي على شكل دحية الكلبي. كان الكلبي اختيار رسول الله لهرقل لما في شخصيته اِستِعطاف وجاذبية للأوربيين. يحدث المؤرخون ان هرقل تقبل رسالة النبي محمد. وإن دحية وهرقل استغرقا في حديث طويل. من ذلك الحديث أن هرقل سأل دحية عن أخلاق وخصال رسول الله وعن الدين الذي أتى به. بعد أن انتهى هرقل من أسئلته الكثيرة، تفوه قائلا:
أما بالنسبة لاختيار رسول الله لعمير الضمري كرسول الى النجاشي ملك الحبشة، ففي القصة التالية ما ينبا عن هذا الاختيار. لم يكن عمرو الضمري شخصا معروفا أو ذا شهرة لدى الصحابة. غير أنه كان صديق الطفولة إلى النجاشي. يقول المؤرخون أنه عندما توفى أبو النجاشي، الملك، كان النجاشي صغير السن. عمه اخذ الملكية وهرب النجاشي إلى الجزيرة العربية. في الجزيرة العربية عمل النجاشي كراع في قبيلة الضمري نواحي بئر بدر. هنا عمير الضمري والنجاشي كونو صداقة وصلة عريقة.
أثر وانعكاس هذه الصداقة يبدو بوضوح في خطاب عمرو إلى الملك النجاشي. فلقد اختار عمرو أن يخاطب الملك باسمه لايام الطفولة، اصمحة:
“يا أصحمة أنا علي القول وعليك الاستماع : إنك كأنك في الرقة علينا منا ، وكأنا في الثقة بك منك ، لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه، ولم نخفك على شيء إلا أمناه ، وقد أخذنا الحجة عليك من فيك…” سيرة رسول الله، محمد الحبش ص 233
بعد أن اطلع النجاشي على كتاب رسول الله وسمع خطاب الضمري، قال:
“اشهد انه النبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب…”
أيضا، لما توفي النجاشي صلى رسول الله عليه صلاة الجنازة. هذه الامثلة في انتخاب السفراء تسفر عن عمق وجودة الفكر عند رسول الله. يجب علينا أن نكون على يقين أن نجاح رسول الله في عمله ودعوته لم يكن لأنه نبي الله ورسوله فحسب، بل انه بذل الفكر والجهد والتخطيط قبل القيام بالعمل. بعد كل هذا اتكل على الله ودعاه أن يكون معه وينجح عمله.
قبول واسع النطاق للإسلام في الجزيرة العربية
في كتابه، سيرة رسول الله، الدكتور محمد الحبش علق على ان الغزوات التي أرسلها رسول الله الى الاصقاع بأنها لم تكن للحراب ولكن كانت تصالحية في معظمها. وتابع قائلا كل تلك الغزوات أرسلت إلى منطقة الحجاز فقط، لكن، الجزيرة العربية برمتها دخلت الاسلام. الحق أنه كان فضل ذلك إلى العشرات من حملات الدعوة إلى أنحاء الجزيرة العربية. فالدعاة حملوا الإسلام إلى القبائل في اليمن وعمان والخليج العربي وشمال الجزيرة، الشام وبلاد الرافدين.
مماثلا لعداء قيادات الطوائف القريشية وديكتاتورياتهم تجاه المسلمين، بعض من القيادات العالمية أبدت عدائها للمسلمين. مثلا، الإمبراطور البيزنطي وعملائه وبعض القبائل العربية الموالية له اعتدوا على رسل النبي وقتلوا منهم. علما بأن المسلمين لم يقوموا بأي عداء او نوع من الجدل يظهر ويبدي العداء لهم أو للنصرانية.
الحرب مع البيزنطيين
في مكة، المسلمين والنصارى واليهود تعاونوا مع بعضهم للتصدي لعبدة الأصنام، حيث أنهم يشتركون في تراث واحد بدأ من ابي الانبياء ابراهيم. القرآن اعطى النصارى واليهود اللقب اهل الكتاب استثناء وتقربا. النبي محمد تأمل ورجى من أهل الكتاب التعاون كما شاهدنا في هجرة المسلمين الى الحبشة وتعاقده مع اليهود في المدينة. إلا أن السياسة والانا طغيا على جزء من نصارى بيزنطية وحلفائهم من العرب والذي أدى إلى الحرب معهم.
عرض للمواجهات بين المسلمين والنصارى يمكن أن يوضح اضمحلال العلاقة بين المسلمين والنصارى. كما أشرنا في الفقرة السابقة، “توسيع دعوته دبلوماسيا 629 م،” بعث النبي محمد العديد من الرسل الى الافاق ضمن الجزيرة العربية وخارجها، يدعوهم فيها الى الإسلام. منهم الحارث بن عمير الأزدي الذي كان يحمل رسالة إلى حاكم بصرى في سورية. لكن في طريقه للبصرة اعترضه شرحبيل الغساني، حاكم البلقاء. البلقاء والبصرة كانتا تحت تصرف الامبراطورية الرومانية، وكان معظم عامليها عرب من نصارى الغسانيين، تحت تصرف هرقل.
شرحبيل مزَّق رسالة رسول الله الى حاكم البصرى، اهان رسول الله، عذب ثم صلب وقتل الحارث بن عمير الأزدي.
وكان هناك عدوان آخر بشكل دسائس لإفساد الأمة، ولكن لم يكن معروفا حتى أنزل الله تعالى على نبيه آيات تكشفه. انظر الآية التالية من سورة التوبة.
“وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ.” التوبة ١٠٧
والخلفية لهذه الآية هو أن هرقل ملك الروم والراهب أبو عامر الذي خرج من المدينة إلى مكة بائساً لما دخلها رسول الله. بعد عدد من السنين، لما دخل المسلمون مكة، ترك ابوعامر مكة إلى بلاد الروم. هناك تامرهرقل والراهب أبو عامر مع المنافقين ليشقوا عصا المسلمين ببناء مسجد للتدسيس والإفساد واضرار المسلمين. عندها أمر رسول الله بأن يهدم مسجد ضرار لإنهاء هذا التدليس والتداخل الغربي في أمان المسلمين. هذه الأنواع من المعاداة والتدخل لإفساد الأمة أدى إلى معركتي مؤتة واليرموك بين المسلمين والنصارى.
غزوة مؤتة 629 م
كما ذكرنا في الفقرة السابقة، فإن قتل الروم للمسلمين دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إرسال ثلاثة آلاف رجل لمعاقبة القتلة. في مؤتة في سوريا، تغلب الروم على المسلمين وهزموهم، وفروا إلى المدينة المنورة. أقلقت مواجهة مؤتة وتمدد المسلمين في جميع أنحاء الجزيرة العربية القيصر البيزنطي هرقل. فقد شعر هرقل بالتهديد، خاصة بعد سقوط مكة وإسلام زعماء قريش. دفعه هذا القلق إلى حشد المزيد من القوات لمهاجمة المدينة المنورة. وربما أدى التعصب الديني وهيمنة الكنيسة هو الذي خلق هذه المخاوف خلال العصور المظلمة الأوروبية.
الربحية والفعالية في توزيع الموارد
كما كان رسول الله حكيما في اختيار السفراء إلى الأمصار والملوك، وكان يعرف حق المعرفة القيم الفعالة المعارك. من هذا المنطلق، وعندما نادى رسول الله للخروج لتأديب القتلة على تخوم سورية، سال المتطوعين للتجمع شمال المدينة في مكان معين، وانه سوف يلتقي بهم بعد صلاة الجمعة من اليوم التالي.
ما كان المتطلب بالنسبة للنبي والمهم هو الناتج من العملية، في هذه الحالة هو المعركة. فوجود فارس كابي طلحة بين المحاربين له تأثيره معنوي كبير وعميق.
يوم أحد كان ابو طلحة يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ويرمي بين يديه، ويتطاول بصدره ليقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول نحري دون نحرك، ونفسي دون نفسك، حتى ان صوته في المعركة كان بمائة رجل، كما قال رسول الله.
“صوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل.” موطأ ابن مالك
نستخلص من هذا أن تسخير وتوزيع الثروات والمواهب، ومنها البشرية بحيث يكون نتاج العمل فيها أكبر، وخاصة منه العائد بالفائدة على الأمة ككل، هو أعظم وأجل في ميزان رسول الله من تسخير تلك المواهب والثروات بشكل تعود بربح أو نتاج صغير او لمنفعة شخصية حتى لو كانت المنفعة هي في إقامة الشعائر الدينية.
معركة ذات السلاسل 630 م
انهزام المسلمين في مؤتة خلق فرصة لالحاق المسلمين بهزيمة أخرى من قبل القبائل العربية الموالية للروم بالي وقداحة. شهور قليلة بعد انهزام المسلمين في مؤتة اجمعت طوائف بالي وقداحة النصرانيتين للهجوم على المسلمين وهزيمتهم مرة أخرى. موقف رسول الله من هذا التجمع أن أرسل عمرو بن العاص على رأس 300 مقاتل لتشتيت وإخضاع ذلك التجمع.
لكن لما وصل عمرو إلى حدود سورية تبين له أن أعداد المحاربين النصارى أكبر بكثير مما كانوا يتوقعون. لهذا أرسل بطلب الإمدادات، فأرسل له رسول الله 200 رجل على رأسهم أبو عبيدة بن الجراح. الخمس مئة مقاتل تقدموا نحو التخوم السورية غير أنهم لم يجدوا أي من الجموع.
كانت هذه الأماكن عبارة عن معسكرات مهجورة اختفى سكانها الحديثو العهد. عاد عمرو دون معرفة موقع التحالف العربي الروماني.
قريش تنقض عهد الحديبية 629 م
سنتان بعد الحديبية نقضت قريش العهد. في عتمة الليل قريشا أعانت قبيلة بني بكر في الانقضاض على قبيلة خزاعة، حليفة النبي وقتلت منهم عشرون نفرا. مع العلم أن خزاعة التجأت إلى المسجد الحرام لدرع قريش من القتل، لكن ذلك لم يمنع بنو بكر من المجزرة. قريش ببشاعة انتهكت حرمة البيت وخرقت السلام.
فتح مكة 630 م
وبعد نقض قريش للصلح والجريمة التي ارتكبتها في خزاعة، التقى عشرون رجلاً من خزاعة برسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المدينة المنورة، وأخبروه بما حدث، وطلبوا منه المعونة. فوعدهم رسول الله بذلك. وفي هذه الأثناء، أدركت قريش أنها ارتكبت منكرًا، فأرسلت زعيمها أبا سفيان إلى المدينة لمقابلة النبي والتأكد من صحة معاهدة الصلح. غير أن رسول الله لم يستجب لالتماس أبي سفيان؛ ولذلك عاد إلى مكة خالي اليدين، ولم يستجب رسول الله لنداء أبي سفيان. لقد كان نقض قريش لمعاهدة الحديبية أكثر من سبب وجيه يدفع النبي محمدًا إلى اتخاذ خطوة مدروسة والعودة إلى مكة. غير أن رسول الله لم يكن غريبًا عليه أن ينهى عن العنف ويحافظ على الأمان. فهل كان بإمكانه أن يجعل مثل هذه العودة إلى مكة سلميًا؟
خطة محمد صلى الله عليه وسلم لفتح مكة مع الحفاظ على أمن الناس
كان النبي محمد على وشك تحقيق المستحيل. كان يريد فتح مكة ولكن دون أن يتسبب في انعدام الأمن وجلب الرعب لسكانها. فهل استطاع أن يحقق هاتين الرغبتين في آنٍ واحد؟ علاوة على ذلك، فقد كان بعض المكيين يكنون حقدًا شديدًا ويودون خوض قتال مرير مهما كان الثمن لمنع المسلمين من العودة إلى مكة.
الخطة السرية والتنفيذ السري
محتفظا بنيته في فتح مكة لنفسه واثنين اخرين معه، النبي محمد أغلق كل المنافذ المؤدية الى المدينة، حاشدا جيوشا جسيمة دون أن يصرح جهة الجيش او غايته. هذه الخطوة ضرورية حتى لا تصل اخبار الجموع إلى قريش فتتهيئ لملاقاة المسلمين ولربما يتحتم القتال وسفك الدماء.
بدأ الزحف إلى المدينة بعد العاشر من رمضان لعام 629 م. والتحقت القبائل من حول المدينة وفي الطريق إلى مكة بالنبي محمد حتى وصل تعداد الحشود الى ما يقارب العشرة الاف انسان. بعد عشرة ايام من السفر، وفي أوائل يناير (كانون الثاني) 629 م أحاط المسلمون مكة ليلا من جوانبها الأربع مشعلين الآلاف من النيران في مداخلها وعلى جبالها معربين عن حجم وضخامة الجيوش المحيطة بها والتي ربما تشجع للاستسلام عوضا عن الحراب.
ومن حكمة النبي محمد أنه في ذلك الظلام من الليل، أرسل الى عمه العباس والذي ما زال بين ظهراني قريش إلى أن يحضر أبو سفيان إليه لإقناعه بالاستسلام. وهكذا لما وصل أبو سفيان الى رسول الله دعاه لأن يسلم مكة ويسلم لله. واره الجموع من المسلمين والعشرات من القبائل العربية التي تقف إلى جانبه. بعض المصادر الاسلامية تقول ان ابو سفيان أسلم لله عندها ووعد رسول الله أن يسلم مكة للمسلمين بدون حراب.
”إن عبقرية النبي هنا كقائد رائعة. ولأنه لم يختر ما كان سيختاره الكثيرون في ذلك الوقت، أي الإخضاع ثم الذبح، بطريقة ما، للانتقام والثأر، فقد ارتقى إلى مستوى ارفع“. جون اسبوسيتو
The Legacy of Peace documentary الفيلم الوثائقي تراث من الإسلام
ثم إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يكره أحدًا على الإسلام؛ لأنه كان ينافي أصول الإيمان.
.لا يحتاج المرء إلى البحث بعيدًا بين ما كُتب عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليجد شهادات وأدلة على شخصيته صلى الله عليه وسلم وحبه للإنساني
ستة رؤيا في شخصية رسول الله من خلال فتح مكة
1- تغيير مسير الجيش البالغ 10000 مقاتل بغية كلبة وجراءها
في طريقهم لفتح مكة، صادفوا كلبة مع جرائها، فأمر رسول الله أن يتحول مسير الجيش بعشرة الافه عنها وجرائها حتى لا يحرمهم حقهم في أمنهم. عظمة أمر فتح مكة وتدبير المعركة والاحتمال في أنه ربما يسوس الجزيرة العربية بعد فتح مكة، كل هذا لم لم يزن شيئا يوازي هضم حقوق الكلبة وجرارها في الأمن الذي وهبه الله لكل الخلق. الواقدي في مغازيه -2/ 804
حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قَالَ: لَمّا سَارَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْعَرْجِ، فَكَانَ فِيمَا بَيْنَ الْعَرْجِ وَالطّلُوبِ، نَظَرَ إلَى كَلْبَةٍ تَهِرّ عَلَى أَوْلَادِهَا، وَهُمْ حَوْلَهَا يَرْضَعُونَهَا، فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ أَنْ يَقُومَ حِذَاءَهَا، لَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ مِنْ الْجَيْشِ وَلِأَوْلَادِهَا. اهـ.
2- النبي محمد لم يسلب زعامة مكة من قريش
عندما فتح مكة، لم يتوج محمد نفسه عليها كملك ونزعها من بني امية، بل عين عليها عتبة بن أسيد الأموي. تعيين عتبة أثبتت لقريش، مرة بعد الاخرى، أن رسول الله لم يكن ابدا يطلب الزعامة أو تكن يوما من الأجندة لديه.
خطة رسول الله في دخول مكة محتفظا بامانها وامان أهلها وبدون قتال، بدت عنى على وشك الاندثار عندما أحد قواد الأجنحة الأربع الداخلة إلى مكة وهو سعد بن عبادة، بدآ صارخا بالشعار: “اليوم يوم الملحمة..” فلما علم رسول الله بنداء عبادة، بسرعة عزله عن منصبه وعين بدلا منه ابيه حارثة بن النعمان. واستبدل الشعار ب: “اليوم يوم المرحمة.” عمل رسول الله هذا بتلك السرعة أكد للمكيين صدق النبي في أمنهم وسلامة موطنهم. بالاضافة، أظهر رسول الله حسن إدارته، بالاخص العسكرية، بتبديل قائد احد الاجنحة الأربع بأبيه، مطفأ بذلك نيران خلاف وشقاق في صفوف عسكره.
فرسول الله بهذا يشير إلى أن المصلحة العامة تقتضي أن يأتمر كل فرد بالقائد وأنه معصية في غير ذلك. ايضا، لربما تكون العبادة موضع تفاوت وجدل.بين الجموع. وهكذا فالدين والانضباطية وإدراك الأسباب ومسبباتها ليسوا في تضارب. غير أن محمد لم يعاقب العاصين، فهو كما ذكر القرآن مرارا مبلغ وليس رقيب ومحاسب.
عندما واجه رسول الله حاطب وسأله عما فعل، اعترف بما فعل ولكنه أتم حديثه بأنه ممن آمن بالله ورسوله، لكن قد ترك أهله في قريش وليس لهم حماية. وانه ان فعل ما فعل فإن قريشا لن تؤذي أهله. عند ذلك قال عمر بن الخطاب للنبي دعني اقطع عنقه، فإنه خان الله ورسوله. عندها أجاب رسول الله لا يا عمر. الا تدري انه كان احد من حضر بدرا؟ ثم تابع القول:
كقاض أو مشرع، النبي محمد ﷺ اطلع على ماضي وتاريخ الجنائي قبل أن يصدر قرار الحكم. من خلال العمق الأخلاقي لما سبق ذكره من تنوير النبي محمد وأفعال، يمكن للمرء أن يدرك لماذا يعشق الملايين من الناس محمدًا ويحبونه.
ما قاله برنارد شو، الفيلسوف البريطاني في محمد والاسلام.
“لقد كنت دائما أكن لدين محمد احتراما كبيرا. إنه الدين الوحيد الذي يبدو لي أنه يمتلك تلك القدرة على استيعاب أطوار الوجود المتغيرة التي يمكن أن تجعله في ذاته نداء إلى كل عصر. جورج برنارد شو
“إن تولى العالم الحديث رجل مثله “أي محمد” لنجح في حل مشاكله ووجب له السلام والسعادة المطلوبين بشدة. لقد درست عن الرجل وبرأيي هو أبعد ما يكون عدو للمسيح، بل يجب أن يسمى منقذ البشرية. لقد تنبأت ان دين محمد سوف يكون مقبولا غدا، كما بدا مقبولا عند اوربا اليوم.” السر جورج برنارد شو
معركة حنين 630 م
بعد فتح مكة، قبيلة هوازن وثقيف وهما أكبر القبائل العربية التي تعيش مناطق الشرق الشمالي والجنوبي لمكة، عزموا أن يقاتلوا محمد علما بأنهم ادركوا انه ليس بطالب للسلطة أو الغنى. واستدعت هوازن وثقيف كل القبائل ومواليهم لاجتماع للبث في الأمر والإعداد له. كانت نتيجة الاجتماع الخوض في معركة ضد المسلمين، وأنه على كل محارب أن يأتي المعركة مع النساء والأطفال والذهب والمعادن الثقيلة والأنعام والزاد والمؤن إلى ساحة المعركة. هذا الشمول يلزم ويحث الرجال لتحارب بعنف لتحمي أعراضها وعائلاتها، وأموالها.
هوازن وثقيف والقبائل الحليفة لهم جمعوا أكثر من 4000 إنسان لحرب المسلمين. هذا الجمع دخل وادي حنين وارتفعوا أعالي الجبال بيوم سابق لدخول المسلمين إليه. ولما دخل المسلمون الوادي وكانوا حوالي 12000 رجل وامراة، انقضت عليهم جموع المشركين بهائل من الحجارة من أعالي الجبال. خلق هذا الانقضاض المفاجئ الرعب والالتباس في صفوف المسلمين،واضطربت الخيول والجمال حتى اختلفت الناس عن رسول الله.
ضخامة الارتباك والخلل في صفوف المسلمين دعت رسول الله أن يدعو الناس وأصحابه ليقبلوا عليه ويلتفون حوله إذ اقترب العدو منه. ودفعت القلة القليلة ممن كان حول رسول الله من المسلمين المشركين ووضعوا صدورهم حصنا لصدره.
سريعا ما استرد المسلمون وعيهم واسترجعوا قواهم ومعنوياتهم وانصبوا حول رسول الله. بدأ القتال إذ التقى الطرفان. ولما سقطت أعداد من المشركين على أيدي المسلمين، بدأت ثقيف وهوازن وحلافائهم بالانسحاب. ودخل المشركون حصن بني ثقيف في الطائف، فحاصرهم المسلمون ثلاثين يوما ولم يستطيعوا فتح الحصن. فك رسول الله الحصار ودعى الله ان يهدي ثقيف ويعيدها إليه مسلمه وعاد إلى مكة.
أما بالنسبة لغنائم المسلمين، فقد بدت وكأن كل حصائل غطفان وثقيف ومن حالفهم من الماشية والذهب والنساء والأطفال غنيمة في أيدي المسلمين. وأمر رسول الله ان تجمع الغنائم في الجِعرانة وأمر عليها من يحرسها. دام رسول الله ثلاثة عشر يوما لم يقسم الغنائم منتظرا وفد هوازن ليحوز ما هو له. ولما لم تأت هوازن بدأ بتقسيم الغنائم فاعطى محمداً نبلاء الناس وقادتهم ليتالفهم ويتألف بهم قومهم ويحببهم في الإسلام، حتى قيل إن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. أعطى من الغنائم المئات والمئات من الأغنام والإبل والذهب لعشرات من نبلاء وزعماء مكة وغيرهم من الناس.
ولما جاءه وفد هوازن وهم اربعة عشر نفراً، خيرهم بين اموالهم او سباياهم فاختاروا أبناءهم ونساءهم. فأعادها إليهم رسول الله والمسلمين من خلفه، وكان عددهم ستة آلاف إنسان.
ان حب محمد البليغ في انقاذ الناس والإفراج عن كربهم حقا هائلاً وعظيم. فهو لم يعطي الناس نصيبه من الغنائم فحسب بل ونصيب بني طالب. تكريما لعمله الإنساني هذا، اتبعه المسلمون ممتثلين بإنسانيته، فأفرجوا عن سباياهم. Al-Zayed V2، P 250
يعقب الدكتور عدنان ابراهيم عن حال رسول الله قائلا:
” إن شوق رسول الله ﷺ ليحرر الناس ولرخاءهم جاوز رغباته لنفسه.”
اغنية من صفاء الروح الإنسانية
كيف لنفس مجبولة في الروح الإنسانية وفعل الخير والسخاء أن يفوتها فرصة لفعل ذلك حتى في الحروب؟ من موقعة حنين نتطلع على بعض ما يكمن في صدر محمد
نبله ورحمته لبني البشر ولو كانوا عدوا له، لم يكن ليدعو عليهم، بل دعا لهم بالصلاح
لما أمر رسول الله قومه بالكف عن حصار الطائف والعودة إلى مكة، ساء ذلك بعض المسلمين، فسألهم أن يغدوا إلى القتال، فغدوا، فأصابهم جراح، فقالوا: يا رسول الله، اخترقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم، قال: “اللهم اهد ثقيفاً وائت بهم.” فسعة قلبه وحبه للخلق لم يدعو عليهم لتسوء أحوالهم، بل دعا لهم بالهداية وأن يصلح أحوالهم، بالرغم من عداوتهم وحربهم له. حقا، استجاب الله دعائه، فعندما رجع الى المدينة وجاءت الوفود من كل أطراف الجزيرة العربية لتعطيه الولاء، قدمت ثقيف وقد أسلمت.
لم يدخل محمداً الحروب للغنيمة
حبس محمد غنائم حنين في الجِعرانة متأملا أن يعود أصحابها فيعيدها إليهم. وبعد حصار الطائف، نزل رسول الله فيها ومن معه من الناس، وأقام فيها ثلاث عشرة ليلة لا يقسم الغنائم، متأملا أن يقدم عليه وفد هوازن مسلمين، فيحرزوا ما أصيب منهم. ولما لم يجئه أحد أمر بإحصاء الغنائم لتوزيعها. وهو بالجعرانة، صلى محمد امام بعير من المغنم، أخذ وبرة من سنامه بين اصبعيه ثم رفعها وقال:
“أيها الناس! والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم…” سيرة ابن هشام.
أعطاء محمد صلى الله عليه وسلم من لا يخشى الفقر
أعطى النبي الأشراف وزعماء القبائل لتأليفهم وقومهم على الإسلام. أعطى، دون تحفظ، المئات والمئات من الغنم، والإبل، والذهب لعشرات من أشراف مكة وغيرهم من زعماء القبائل. فوهب الكثير من المغانم، حتى أنه وهب لصفوان بن أمية وادياً كاملاً فيه قطعان من الماشية. مثل أبي سفيان، وابنيه يزيد ومعاوية، وحكيم بن حزام، والحارث بن الحارث، وغيرهم من سادات قريش الأعلام، كما أعطى مئات من الإبل ومبالغ مختلفة من الذهب. وأعطى ما لم يعطه أحد غيره، حتى قيل: “أعطى محمدًا عطاء من لا يخشى الفقر”. الزايد ج2، ص 246
الإقرار بالمكانة الاجتماعية والسياسية للناس
الاستاذ الحذق لا يدير المدرسة بأكملها. النبي محمد كان مبلغا لتعاليم الله، وكان كل ما قال أو فعل في خدمة ذلك. مرة اخرى، النبي محمد أثبت لقادة قريش وغيرهم من الناس أنه لا يطلب السيادة والحكم، وأنه لن يسلب الناس مكانتهم الاجتماعية والسياسية. ولكنه منحهم واعطاهم الاكثر من المكاسب. بهذا كسب ثقتهم وثقة قبائلهم، وهم بدورهم أَجَلوا محمداً ﷺ والاسلام.
الأخلاق هي الأساس في كل شيء حتى في المعارك والحروب
على غير عادة الحراب الذين يحققون النصر بالتشنيع وقتل النساء والأطفال، بالنسبة لمحمد، حقيقة انتصار المسلم هي تغيير القلوب الغير ربانية الى قلوب وعقول شغفى باحتضان الربوبية والاستقامة والصلاح. هذه السمة لمحمد ﷺ تعكس ارتفاع مقامه، تقديره واشادته للأخلاق الاجتماعية والدينية، وتبنيه للسلم والأمن. دعنا نعتبر القصتين التاليتين.
أمر رسول الله بعدم قتل الأطفال
لما فرت هوازن وثقيف من معركة حنين، امر رسول الله ان يلاحق المحاربون. وهنا حدث أن بعض المسلمين قتلوا المحارب والأبناء. ولما علم رسول الله بهذا العمل القاسي والتعسفي، معترضا قال:
“ما حملكم على قتل الذرية؟” قالوا يا رسول الله، إنما كانوا أولاد المشركين. قال: “وهل خياركم إلا أولاد المشركين؟ والذي نفس محمد بيده، ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها.” البداية والنهاية
أمر رسول الله بعدم قتل النساء والعسيف
بالنسبة لرسول الله. معظم النساء في المعارك هي لمساعدة الجرحى وأن النساء في الحرب تؤخذ كسبايا. النجاح الحقيقي للمسلم ليس قتل النفوس، بل لحقن الدم من أجل اعتناق الكمال والآداب الإلهية.
لما كان رسول الله يتفقد معركة حنين، مر بامراة قد قُتِلت،
“قال ما هذا؟” فقالوا امرأة قتلها خالد بن الوليد. فقال رسول الله لبعض من معه، “أدرك خالداً فقل له: ان رسول الله ينهاك ان تقتل وليدا أو امرأة او عسيفا.” -البداية والنهاي
العسيف هو الشخص الغير محارب. كالطباخ أو الممرضة أو الطبيب أو الخدم أو غيرهم من غير الخائضين في القتال. شكرا للنبي محمد في امتثاله الأخلاق حتى في المعارك.
هذه الصفات الشريفة للنبي صلى الله عليه وسلم دفعت دبليو مونتغمري وات إلى القول:
ما قاله مونتغمري وات في النبي محمد صلى الله عليه وسلم
“استعداده لتحمل الاضطهاد بسبب معتقداته، والأخلاق الرفيعة التي يتحلى بها الرجال الذين آمنوا به وتطلعوا إليه كقائد، وعظمة إنجازه النهائي – كل ذلك يجادل الجميع في اصولية
نزاهته.” ويليام مونتغمري واط
في نهاية المطاف تتدخل قوة الله ولطفه
ومن حسن حظ المسلمين، والأفضل أن يقال المؤمنين، أن الله تعالى يتداركهم برحمته وحمايته في كل وقت وحين افرادا او جماعات. كما وعد سبحانه وتعالى أن ينصرهم بحوله وقوته في أوقات الشدة والضيق وحتى عند الهزيمة في حرب ما، ما دام المؤمنون قد أدوا ما عليهم من واجبات والأدوار المطلوبة منهم. وتأتي هذه المعونة باشكال وطرق متنوعة. ولغرضنا، سننظر في مثالين قتاليين:
المثال الأول هو غزوة حنين
وفيما يلي آيتان تصفان الوضع الحرج لغزوة حنين وأشكال العون الإلهي. الشكل الأول هو رفع الروح المعنوية لدى المؤمنين والثاني هو إمداد المؤمنين بقوات غير مرئية في ساحة المعركة.
إن مثل هذا التوفيق والمساعدة الحاسمة هي مكافأة لا تقدر بثمن فقط الانسان مؤمنًا صادقا. يقول الله تعالى:
“لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍۢ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًۭٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ 25
ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًۭا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ.” 26 محمد 26-25
والمثال الثاني هو في غزوة بدر
وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ 123 إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ 124 بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ 125 وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ .” ال عمران 123-126
.والمسلمون موقنون بعون الله إن استنفذوا نصيبهم من التقوى والإخلاص والأداء
الجزء السادس
في عام 630 م، أرسل قيصر روما جيشًا قوامه 4000 جندي من الخيالة مزودين بأحدث الدروع والأسلحة إلى سوريا الكبرى، التي كانت مستعمرة تابعة للإمبراطورية الرومانية وعاصمتها القسطنطينية. وتمركزوا جنوب دمشق في حصن قوي يسمى تبوك،. أبلغت القوافل التجارية العائدة إلى الجزيرة العربية من سوريا رسول الله بتجمع الرومان.
…قالَ وَكانَ منزلي بالعوالي في بني أميَّةَ وَكانَ لي جارٌ منَ الأنصارِ كُنَّا نتناوَبُ النُّزولَ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ (لحمايته) فينزِلُ يومًا فيأتيني بخبَرِ الوحيِ وغيرِهِ وأنزَلُ يومًا فآتيهِ بمثلِ ذلِكَ. قالَ كنَّا نحدِّثُ أنَّ غسَّانَ تنعَلُ الخيلَ لتَغزونا. قالَ فجاءني يومًا عشاءً فضربَ على البابِ فخرجتُ إليْهِ فقالَ حدثَ أمرٌ عظيمٌ. قلتُ أجاءت غسَّانُ قالَ أعظمُ من ذلِكَ طلَّقَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ نساءَه. البخاري 2468
https://dorar.net/hadith/sharh/24638
لم تكن رؤية المسلمين لتجمع الروم على الحدود السورية الانتظار حتى تدخل الروم المدينة وان تخل بامنها، بل هي مقابلتهم في تبوك. هذا التحرك الى تبوك ليس بالسهل وخاصة في الجفاف والحر. كما أن هذا العدد الكبير من الجموع يحتاج إلى العدة التي ليس لها وجود. لهذا دعى رسول الله أصحابه للتبرع والاسهام.
وفي خطوة استثنائية، جلب أصحاب رسول الله الكثير من ثرواتهم وأموالهم إلى النبي دعماً لهذه الخطوة الكبرى. أما أبو بكر فجاء بكل ماله، واما عمر فجاء بنصف ماله، وأما عثمان بن عفان فجند خمسين فارس وجاء ب 950 جمل والكثير من الذهب. وأما عبد الرحمن بن عوف فقدم 200 اوقية من الذهب.
لما وصل جيش المسلمين إلى تبوك كان عدده 30,000 محارب. غير أنه لما وصل الجيش تبوك لم يجدوا احدا من الرومان. ما وجدوه هو رحى خالية من أناس قد رحلوا منه حديثا.
على ما يبدو، أنه ما كان للرومان أن يتوقعوا أبدا أن يخرج من جزيرة العرب هذا الحجم من الجيوش بهذا الحر وهذا الجفاف. ولكن ومع ذلك، وصلوا إلى ساحة المعركة. وكما يقال: “إن كان باستطاعة القوم فعل هذا، فمن المؤكد أنهم يستطيعون فعل المستحيل.” فالهروب اولى.
وأمضى المسلمون عشرين يومًا في تبوك ومنطقة الكشافة. وعلى الرغم من أنها لم تشارك في أي مواجهة، إلا أن رسول الله والعديد من الوفود القبلية تفاوضوا على اتفاقات التضامن والسلام على الحدود السورية. وأكثر من مجرد التضامن، اعتنقت بعض قبائل البدو الشمالية الإسلام. علاوة على ذلك، تم الاستحواذ على دومة الجندل، وهو موقع استراتيجي بين المدينة المنورة وسوريا، كونفدرالية جديدة.
وقد أتاحت إقامة الجيش المطولة في تبوك فرصة للاستجمام من عناء وتعب الرحلة الطويلة. وبعد عشرين يومًا، أشار النبي إلى العودة إلى الوطن.
إعادة مكة إلى حرمتها الاولى وتطهيرها من عبدة الاوثان لكونها قبلة الموحدين
لنتذكر أنه بعد فتح مكة، عين النبي عتبة بن أسيد واليًا على مكة وغادر إلى المدينة المنورة. على الرغم من نبذ كل الأصنام التابعة للعامة وتدميرها، إلا أن بعض طقوس المشركين والأصنام المملوكة من قبلهم لا تزال تُعبد في الحرم المكي. ربما تختفي عادة العبادة هذه، بإعطائها الوقت الكافي. ولكن اوقفت عبادة الأوثان واقصاء المشركين عن مكة، على وجه التحديد، بعد عامين من فتحها، كما سنوضح فيما يلي.
بعد عامين من فتح مكة (631 م)، نزل على النبي محمد تشريع جديد ينظم معاهدات المشركين القائمة مع المسلمين واعادة مكة لحرمتها الااولى وإنهاء عبادة الأوثان في السورة التاسعة، براءة.
فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ
وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.
وَإِنْ أَحَدٌۭ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌۭ لَّا يَعْلَمُونَ ٦” القرآن، 9: 1-6
بشير عام الوفود إلى وصول المئات من الوفود القبلية إلى المدينة المنورة لتعطي البيعة للنبي محمد. ويرجع الفضل بذلك الى فتح مكة وإسلام قريش وهوازن وغطفان وثقيف قبائل عربية في قوية وعريقة.
“ولنجران، وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي على أنفسهم، وملتهم، وأرضيهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وبيعهم، وأن لا يغيروا مما كانوا عليه، ولا يغيروا حقًّا من حقوقهم، ولا ملتهم، ولا يغيروا أسقفًا عن أسقفيته، ولا راهبًا من رهبانيته، ولا واقهًا من وقيهاه، وكل ما تحت أيديهم من قليل، أو كثير، وليس عليهم دنية، ولا دم جاهلية، ولا يحشرون، ولا يعشرون، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل فيهم حقًّا فبينهم النصف غير ظالمين، ولا مظلومين بنجران.” سيرة، ج2، ص320
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/308620/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%87%D8%AF%D8%A9-%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85-%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1%D9%89-%D9%86%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D9%86
حجة الوداع
لقد مرت سنتان منذ آخر زيارة قام بها النبي محمد لمكة. الآن يستعد لأداء فريضة الحج. وصلت المئات من الوفود والأفراد القبلية إلى المدينة المنورة عندما علموا بالزيارة. وانضم إليه العديد من الناس في طريقه إلى مكة. الحضور كان أكثر من 114 ألف حاج. وبينما كان يؤدي النبي مناسكه، كان الحجيج يتعلم ويقلدونه في كل خطوة. وفي جبل عرفة، خطب النبي الجمهور في ما يدعى خطبة الوداع.
إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت، وإن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حق، استوصوا بالنساء خيرا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلِمُه….” متفقٌ عَلَيهِ.
واستمع الناس إلى النبي محمد، وهم يعلمون أن هذه الخطبة ستكون في الأرجح هي المرة الأخيرة التي يسمعون فيها كلامه. لكنهم لن ينسوا أبدًا وجهه اللطيف، وكلماته المليئة بالحنو وارحمة.
-
معاملة محمد الأطفال بالبهجة.
-
محمد يعجل الصلاة من أجل طفل يبكي.
-
رحمة محمد بالحيوان.
-
الصيد لا يكون من أجل الرياضة.
-
توصية محمد في رعاية الحيوان.
-
محمد يحذر من تعذيب الحيوانات.
-
عَلَم محمد أنه لا ينبغي استخدام الحيوانات كأهداف.
References:
1- https://books.google.com/books?id=3ZK98cShxwYC&pg=PA170&lpg=PA170&dq=Gerbert+Of+Aurillac+studied+at+Vich&source=bl&ots=IivBERjAOK&sig=a-4ganZh7jkR9Galup3ChXLuWGg&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwii_5mW_63QAhWqjlQKHaY9ChMQ6AEISzAJ#v=onepage&q=Gerbert%20Of%20Aurillac%20studied%20at%20Vich&f=false https://www.britannica.com/biography/Sylvester-II Richard Erdoes، 1000 AD (Berkley: Seastone، 1998)، 60-61.http://everything2.com/title/Historical+Evidence+Regarding+the+Libraries+of+Muslim+Spain Muslim Spain http://www.webpages.uidaho.edu/engl257/Don%20Quixote/moorish_influence_on_renaiss.htm 2- www.supremecourt.gov/about/figures of justice.pdhttps://en.wikipedia.org/wiki/United_States_Supreme_Court_Building https://blogs.wsj.com/law/2015/01/14/muhammad-sculpture-inside-supreme-court-a-gesture-of-goodwill/ 3- http://www.newworldencyclopedia.org/entry/Muhammad Byzantium Viewed by the Arabs، By Nadia Maria El-Cheikh، Harvard CMES. Copyright. https://books.google.com/books?id=QC03pKNpfaoC&pg=PA48&lpg=PA48&dq=abu+sufyan+meeting+with+heraclius&source=bl&ots=Bk2IYjbC8U&sig=-TSOe6jfbQ2I4bLrQNWrL25QeFc&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjH9PuV953SAhUOzmMKHSKxDoMQ6AEIPzAG#v=onepage&q=abu%20sufyan%20meeting%20with%20heraclius&f=false Byzantium Viewed by the Arabs Author: Nadia M El Cheikh-Saliba. Publisher: Cambridge، Mass. [u.a.]: Harvard Univ. Press، 2004. 4- https://en.wikipedia.org/wiki/Kaaba