الكاتب: فيصل برهان
تاريخ النشربالعربية: 2021
السياسة الخارجية للاسلام: سلام ام حرب؟
هذا المقال متاثر بتعاليم الدكتور والباحث الاسلامي عدنان ابراهيم. هل يشرّع الإسلام العداء لغير المسلمين ؟ ما هي السياسة الخارجية للإسلام، سلام أم حرب؟ الجواب هو السلام وليس الحرب.على الرغم من وجود جدل حول هذا الموضوع ، إلا أن الإجابة الساحقة التي تلقي بظلالها على هذا الجدل هي السلام. هناك ١٤١ آية قرآنية تتحدث عن السلام مقابل عدد صغير من الأحاديث النبوية التي تدعم الحرب.
فبعض الآيات القرآنية يُسيء البعض تفسيرها وفهمها ،وبعض من الأحاديث النبوية إما غير أصلية أو تم تشويه معناها.ومع ذلك فإن الآيات القرآنية هي المصدر الأول الحري بالاتباع دوماً.بالإضافة إلى ما سبق فالحروب في الإسلام مشروطة ولكن اللجوء إلى الحرب هو الملاذ الأخير. وتشمل الحرب شروط لبدئها و من شروط الحرب الدفاع عن النفس وتحقيق العدالة. الإسلام يكرّم حرية العقيدة ، ويقبل الناس جميعاً ، ويعزز العدل والتعاون في بناء الحياة. ومع ذلك إذا بدأت الحرب ، فعلى المسلمين أن يجنحوا الى السلم أي يعودوا إلى السلام عندما يكون ذلك ممكناً.
أولاً: الفلسفة الأساسية للإسلام تجاه الحروب
عدم صوغ الحرب كحل أولي لأي صراع
الحروب والقتال في الإسلام ليست فرضاً في حد ذاتها لكن الدفاع عن النفس وتأمين العدالة هما أساس التشريع للشروع في القتال. إلى جانب ذلك ، ينظُر الإسلام إلى الحروب على أنها شر لا بُدَّ منه وغير مرغوب فيه.
” كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ.” سورة البقرة الآية 216
السماح بالحرب مقيد في الإسلام
يؤكد الإسلام على أن المجتمعات الانسانية يجب أن تتبع الوسائل السلمية لإصلاح ذات البين. لا يُسمح بالعنف إلا في ظل ظروف معينة. و نظراً لوجهة نظر كل من الدكتور خالد أبو الفضل (في كتابه السرقة الكبرى ) و للدكتورعدنان ابراهيم (وهو مفكر إسلامي بارز) فإن الأول أكد على عدمية الإسلام للتطرف و أيضا الدكتورعدنان ابراهيم أكد دوماً أن الانتقام أو القتال في الإسلام مسموح به و لكن ضمن شروط وذلك بشكل طارئ كحالة الدفاع عن النفس ضد التهديدات الخارجية أو الغزو وهذا هو الشرط الأساسي للقتال.
في بداية الإسلام حصلت ثلاث معارك كبرى: بدر وأحد والخندق وقد حدثت تلك المعارك بسبب مواجهات من قبل غير المسلمين للمسلمين وذلك بهدف القضاء على المسلمين. في هذه الحالة يعد القتال واجباً.
تقارب المسلمين مع غير المسلمين
تنص التعاليم الإسلامية الأساسية تجاه غير المسلمين بمن فيهم المسيحيون واليهود على التعامل معهم ضمن حدود العدل والخير، طالما أنهم لا يعتدون على المسلمين ولا يظلمونهم بسبب إيمانهم بالله الواحد.
“لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.” سورة الممتحنة الآية 8
الإضطهاد الديني
يقدّس الإسلام حرية العقيدة. فالاضطهاد الديني أخطر بكثير من القتل دفاعاً عن النفس ، كما يصف ذلك القرآن في سورة البقرة الآية 217.
“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.”
لا يمكن أن تكون المعتقدات الصحيحة صحيحة إلا عن طريق الاقتناع وليس الإكراه. هذه الحقيقة هي واحدة من المواضيع الأساسية للإسلام. سيكون هناك قسم مخصص للتحدث عن”حرية المعتقد” لاحقاً في هذه المقالة.
II– المناقشة:
عند معرفتنا لسياسة الإسلام في حرية العقيدة ، فإن السؤال المطروح أمامنا هو لماذا يتحدث التاريخ عن المواجهات بين المسلمين والمسيحيين وحرب المتطرفين الغير المبررة ضد غير المسلمين؟ أشار د.عدنان ابراهيم إلى أن الاعتداءات على المسلمين كانت سبب لمعارك بين المسلمين والمسيحيين. تمت مناقشة أسباب المعارك أدناه في قسم “اعتداء المسيحيين على المسلمين”. أما حرب المتطرفين غير المبررة ضد غير المسلمين فهي جريمة وتخالف كل التعاليم الإسلامية.
هل السياسة الخارجية للإسلام هي الحرب أم السلام؟
وفقًا للدكتور إبراهيم ، فإن غالبية العلماء الأوائل أكدوا أن سياسة الإسلام تجاه غير المسلمين هي حرب: “اعتنق الإسلام وإلا سنقتلك”. ومع ذلك ، فإن أقلية من العلماء أكدوا أن “السلام هو السياسة الخارجية للإسلام وأن الحرب هي الاستثناء”. من المحتمل أن التعصب الديني والأوضاع الاجتماعية والسياسية في العصور القديمة والوسطى أدخلت مفهوم الحرب على السياسة الخارجية للإسلام . وأكد د. إبراهيم أن رأي العلماء المسلمين المعاصرين الآن عكس الوضع.
هذا التغيير في وجهة النظر يرجع في المقام الأول إلى دراسة وتحليل أوسع و أعمق للقرآن والعقيدة الإسلامية. علاوة على ذلك ، مهدت التكنولوجيا الطريق لعدد أكبر بكثير من الناس لاختبار مبادئ الإسلام أكثر من أي وقت مضى. يوجد في نهاية هذا المقال قائمة بأسماء العلماء المعاصرين الذين يستشهدون بالسلام كقاعدة للسياسة الخارجية في الإسلام.
مبدأ السلام والحرب
القرآن حافل بالآيات التي تعزز الأمن والسلام والطمأنينة والتعاون والتسامح والرحمة. إن “آيات السلام” التي يعتمد عليها غالبية العلماء المعاصرين في دراستهم هي أكثر من 141 آية جلية. ذكر الدكتور مصطفى زيد الأزهري في كتابه “آيات القرآن المنسوخة” أن هناك 141 “آية سلام” في القرآن. تم تضمين عينات من هذه الآيات في هذه الدراسة.
اعتمد مجموعة العلماء الذين أقحموا مبدأ الحرب بدلا من السلام تجاه كل الناس كسياسة خارجية للإسلام على آية وصفوها بأنها “آية السيف” ، و لم يتفقوا عليها. يعتقد البعض أنها الآية 5 من سورة التوبة:
“فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.”
و قال آخرون إنها الآية 29 من سورة التوبة :
“قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.”
ومع ذلك قال طرف ثالث إنها الآية 36 من سورة التوبة :
“إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.”
انظر الدراسة لهذه الآيات لاحقاً
عداوة المسيحيين للمسلمين
من الحري هنا أن أقدم لكم ملخص تاريخي للمعارك التي دارت بين المسلمين والمسيحيين لتتمكنوا من فهم مبدأ السياسة الخارجية للإسلام . ففي أوائل عام 628 م أرسل النبي محمد العديد من المبعوثين إلى قيادات القبائل داخل وخارج شبه الجزيرة العربية لدعوتهم إلى الإسلام. ومن هؤلاء الرسل حارث بن عمير الأزدي. حمل حارث رسالة إلى محافظ البصرة في سوريا فاعترضه شرحبيل الغساني والي البلقاء في سوريا، المعيّن من قبل الملك البيزنطي هرقل.حيث مزق شرحبيل رسالة محمد إلى محافظ البصرة وأهان الرسول وقام بتعذيبه وصلبه.
وبذلك يكون شرحبيل قد انتهك معايير حماية المبعوث بأفعاله الوحشية-عادةً تنتهي مثل هذه الوحشية في التعامل مع المبعوثين إلى العمل الحربي- بعد ذلك تم إرسال مجموعة مؤلفة من خمسة عشر شخصاً للبحث عن المبعوث “حارث” في القرى على الحدود السورية، فلقيت المجموعة مصيرها باستثناء واحد من أفرادها أحد الأشخاص الذي نجا من وابل السهام الرومانية.
مما دفع النبي إلى إرسال مجموعة مؤلفة من 3000 رجل إلى مؤتة في سوريا للرد على القتلة ، تغلب الرومان في هذه المعركة على المسلمين وهُزم المسلمون وهربوا عائدين إلى المدينة المنورة.
أثارت حرب مؤتة وانتشار المسلمين في شبه الجزيرة العربية قلق ملك البيزنطيين هرقل ،علاوة على ذلك ، شعر بالتهديد بعد سقوط مكة ،واعتناق بعض من قيادات قريش الإسلام. ربما كان التعصب الديني وهيمنة الكنيسة خلال العصور المظلمة الأوروبية مصدر للشعور بالخطر من الديانات الأخرى غير المسيحية.
خلال العامين التاليين ، تم ارتكاب المزيد من الجرائم ضد المسلمين من قبل المسيحيين. حيث صلب قيصر البيزنطيين حاكم منطقة معان في بلاد الشام فروة بن عمرو الجذامي. وذلك لأن فروة أسلم وأرسل بعض الهدايا إلى النبي محمد. ولما علم هرقل بذلك سجنه ثم صلبه قرب ماء عفراء. كما أصدر هرقل قانوناً يقضي بصلب أي شخص يعتنق الإسلام في بيزنطة.
كانت هناك حالة عداء أخرى لم تكن معروفة حتى علم النبي محمد بها عن طريق الوحي. حيث استخدم رجال هرقل كاهناً عربياً يدعى أبو عامر للتآمر ضد المسلمين باستخدام المنافقين في المدينة المنورة. وكان الكاهن أبو عامر في المدينة قبل هجرة المسلمين إليها. ولقد غادر المدينة وتوجه إلى روما بعد شعوره بالاشمئزاز عند هجرة النبي محمد إليها. دفعت كراهية هرقل وأبو عامر للمسلمين إلى التواصل مع المنافقين في المدينة المنورة و التآمر لإقامة مسجد هدفه الفتنة وإيذاء المسلمين. ففضح الله تعالى مخططهم هذا و بيّنه للنبي من خلال الوحي حيث وصف الله المسجد بأنه دارعبادة هدفه إحداث الأذى وتعزيز الردة والشقاق بين المؤمنين. عندها أمر النبي بهدم مسجد “الفتنة”. بيّن الله هذا في سورة التوبة الآية 107:
” وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.”
في عام 630 م ، قرر قيصر الإمبراطورية الرومانية التي كانت عاصمتها القسطنطينية شن هجوم مفاجئ على المسلمين في سوريا. حيث أرسل القيصر جيشاً قوامه 4000 جندي راكب مجهزين بأحدث الدروع والأسلحة. تمركزوا في حصن قوي يسمى تبوك جنوب دمشق. شوهد الجيش الروماني من قبل القوافل التجارية العائدة إلى شبه الجزيرة العربية من سوريا و أبلغوا النبي بالجموع الرومية في تبوك.
ثم تلقت تبوك 40 ألف جندي روماني إضافي. كان هذا التجمع الروماني بمثابة هجوم وشيك على المسلمين وكان الخوف واضحاً بين المسلمين من الهجوم البيزنطي مع المسيحيين الغساسنة في سوريا. وظهرت علامة هذا الخوف في بيت النبي محمد في حادث لا علاقة له بالحرب وهو خبر تطليق النبي لنسائه . حيث أوشك النبي أن يطلق نساءه كما روى عمر بن الخطاب. حيث ذكر عمر أنه خلال هذه الفترة من الهجوم المتوقع من البيزنطيين جاء شريكه في حراسة الرسول محمد يطرق بابه بشدة فجأة في وقت متأخر من الليل ، فاستيقظ عمر هلعاً واندفع إلى الباب وعند رؤيته لشريكه ، كانت كلماته الفورية: “هل هجم الغساسنيون؟” فرد شريكه “لا “، ولكن النبي كاد أن يطلق نساءه. – البخاري 435
معركة تبوك (630 م)
لم يكن رأي المسلمين في هذا الموقف هو انتظار هجوم الرومان وحلفائهم ، بل قابلوهم بأكثر من 30 ألف جندي في تبوك. وعندما وصل المسلمون ، تفرّق الرومان وحلفاؤهم واختفوا. أمضى المسلمون في منطقة تبوك عشرين يوماً. ثم عقد النبي اتفاقات مع الزعماء المحليين وعاد إلى المدينة المنورة.
هذا العرض البسيط لتاريخ المواجهات بين المسلمين والمسيحيين يحدد المعتقدات الإسلامية الجوهرية فيما يتعلق بالتعامل مع غير المسلمين. بعض من هذه المعتقدات – قم بإعلام وتنوير ونشر المعرفة ، والدفاع عن نفسك ، ولكن لا تفرض طريقك على أحد
النقاش حول السلام أو الحرب كالسياسة خارجية للإسلام:
كما ذكرنا سابقاً ، لم يكن هناك اتفاق لتحديد “آية السيف” في القرآن. يناقش القسم التالي ثلاثة تفسيرات سائدة للآية.
وجهة النظر الأولى في “آية السيف“
المناقشة التاريخية المذكورة أعلاه للنزاعات المسيحية الإسلامية يمكن أن تفيد في تأكيد معايير الإسلام فيما يتعلق بالنزاعات والحروب ، فمن الحكمة مناقشة ما يسمى بآية السيف ، لاختبار جذور الإسلام الأعمق في هذه القضية الحاسمة. الاحتمال الأول لآية السيف هو الآية 5 من سورة التوبة ، والتي تنص:
“فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. “
هذه الآية هي واحدة من عدة آيات تتناول موضوع عودة مكة إلى حرمها الأصلي للنبي إبراهيم “أبو التوحيد”. ويسبقها آية تعطي فترة أربعة أشهر لكي يغادر المشركون حدود مدينة مكة الأمنية. ولكن إذا لم يفعلوا ذلك فسيتم تطبيق التحذير من حرب شديدة والتي توضحها الآية 5 من سورة التوبة. تقول الآية أن مكة ستكون مركزاً يتوجه له جميع المسلمون ولن يكون مكاناً لعبادة الأوثان.
في الواقع بدأت عملية إعادة مكة إلى حرمتها الأصلية قبل عامين من وقت نزول الآية أعلاه وآياتها التسع الشقيقة من سورة التوبة، وهي منذ فتح مكة. تعتبر هاتان السنتان إتاحة فرصة للمشركين التعرف بالإسلام واعتناقه إن أرادوا. فالتعاليم القرآنية تحترم الحقيقة بأن تغيير العادات والتقاليد، وبالأخص المعتقدات الدينية، يستغرق وقتاً طويلا، وإلا فالعنف سوف يأخذ طريقه. لذلك لم يأمر الله النبي محمد أن يبدأ عملية إعادة مكة لقداستها الأولى إلا بعد عامين من دخول المسلمين إليها وبعد أن دخل معظم المكيين في الإسلام.
وقد أوعزت الآيات (من 1 إلى 10) من سورة التوبة-والتي تتناول عملية عودة مكة إلى حرمتها الأصلية-أنه على النبي أن يعيد مكة الى حرمتها في عدة خطوات. كان من بين تلك الإجراءات:
- إلغاء عبادة الأصنام في مكة المكرمة.
- إعطاء مهلة أربعة أشهر لمغادرة حدود المدينة المكرمة لأولئك الذين يصرون على عبادة الأصنام في مكة.-
- التحذير من حرب قاسية بعد هذه المهلة ضد المشركين الذين أصروا على البقاء داخل حدود مدينة مكة ورفضوا الدخول في الإسلام. والحقيقة وكنتيجة اولية لهذا التحذير القاسي والصارخ، لم يغادر المدينة أحد، ولم يندلع أي قتال.
هذا موجز صغير للإعداد السياقي لـ “آية السيف” ، الآية 5 من سورة التوبة.
أكد د. عدنان إبراهيم أن هذه الآية (5) لا تخاطب أهل الكتاب ولا الكافرين بأي شكل من الأشكال من غير مشركي مكة.حيث تتفق الآية (5) مع الآية التي تسبقها والآية التي تليها في السياق القرآني، وكلها تتعلق بوثنيي مكة. بعد هذا الإيضاح أضاف الدكتور إبراهيم كيف يمكن لعبارة “إما الإسلام أو السيف ” أن تكون الآية (5) من سورة التوبة ، إذا أمر الله النبي محمد في الآية (6) التي تليها:
” وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ.”
تقول هذه الآية,”على المسلم أن يبلغ المشرك مأمنه ، لا أن يقتله لعدم اعتناقه الإسلام”. وهذا ما أمر به الله المسلمين:عدم إيذاء المشركين المسالمين، حتى في وسط المعركة. فكيف يمكن تفسير الآية (5) على أنها سياسة الإسلام في غير المسلمين ، إما الإسلام أو السيف؟ أو الحرب لا السلام؟ إن هذه العبارات تنتهك جوهر وروح القرآن وتعاليم النبي محمد.
وجهة النظر الثانية في “آية السيف” – ضريبة دفع الجزية على غير المسلمين
في الشرع الإسلامي يعفى غير المسلمين من مهمة الدفاع عن الوطن، الا القادرين منهم فقط، و لكن يترتب عليهم دفع ضريبة، تعرف هذه الضريبة باسم الجزية. رأى البعض أن الآية أدناه وهي الآية 29 من سورة التوبة هي “آية السيف.” تنص هذه الآية على أنه إذا رفض غير المسلمين في دولة إسلامية دفع الجزية فإن الدولة ملزمة بالحصول عليها ولو بالقوة.:
” قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.”
يحدث الدكتور إبراهيم عن قاعدة في التفسير القرآني والتي تقول: “عندما يفرض القرآن قتالاً ، يشرح الله الغاية من ذلك القتال.” وفي مجال هذه الآية، قال الدكتور:
الغرض من القتال هنا هو عدم دفع الجزية وليس الإرغام في دخول الدين الإسلامي. والواقع أن الآية رحمة لأهل الكتاب كما هو الحال دائماً ، فقد عفى الله من لا يقدر على تحملها ومن لا يستطيع القتال”.
كما استعرض الدكتور إبراهيم القاعدة الكبرى في التفسير القرآني القائلة:”عندما يفرض القرآن قتالاً ، يشرح الله الغاية من ذلك القتال، قائلا: “هناك أهداف كثيرة للقتال. بالنسبة لأهل الكتاب، وكان الغرض من القتال في هذه الآية من أجل الجزية، وليس لأي سبب آخر كالدين أو العمل التبشيري.”
وأكد ذلك من خلال الآية 190 من سورة البقرة:
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. كذلك قال الله تعالى عن الوثنيين الذين لم يعتدوا على المسلمين في كتابه في الآية 7 من سورة التوبة .
” كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .”
الآية تشرح نفسها بنفسها: كيف يكون لغير المسلمين عهد عند الله ورسوله، إلا لمن عاهدت في المسجد الحرام؟ كما هم مستقيمين اتجاهك ، فاستقم نحوهم. إن الله يحب الصالحين الذين يخافونه.
ضريبة الزكاة للمسلمين
المسلمون ملزمون بدفع الزكاة (ضريبة) للدولة، وبنفس الطريقة فإن للدولة حق استخدام القوة على المسلمين في حال عدم دفع الزكاة.
ومن الأمثلة على ذلك محاربة المرتدين. وهم القبائل التي رفضت دفع الزكاة في عهد الخليفة الأول أبو بكر. فيعتقد بعض العلماء أن حرب المرتدين كانت ضد القبائل التي لم تدفع الزكاة. واستمرت تلك الحرب حتى دفعت الزكاة وخضع المرتدون للنظام العام للدولة.
تقرير القرآن في أن قتال أهل الكتاب هو بسبب عدوانهم لا بسبب دينهم
يثبت الدكتور إبراهيم أن أهل الكتاب لم يقاتلوا بسبب دينهم قائلا: في سورة التوبة الآيتان ٥ و 11 قال الله تعالى عن المشركين المكيين:
“فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.”
“فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ” . فلنتساءل لماذا لم يُعط أهل الكتاب الخيار، كما تقدم في الآية 29 من سورة التوبة في “إنقاذ حياتهم” إذا تابوا كما أُعطِيَ المشركون؟الجواب مباشر: “لأن القرآن لم يشرّع قتال أهل الكتاب بسبب دينهم ، بل لعدوانهم.
وجهة النظر الثالثة في ” آية السيف”ـ مسألة محاربة كل الكفار
الآية الثالثة التي يعتبرها البعض “آية السيف” هي الآية 36 من سورة التوبة:
“وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.”
هذه الآية يُساء تفسيرها على نطاق واسع على أنها تقول: “حاربوا جميع الكافرين سواء كانوا في سلام معكم أو حرب”. هذا التفسير خاطئ ، لأن الإسلام في الآية 7 من سورة التوبة يعلن أنه طالما أن غير المسلمين أو المشركين مستقيمون اتجاهك ، و يحترمون العهود ، ويتصرفون بشكل أخلاقي ، فعندئذ استقم اتجاههم. كأن الآية تقول: إذا خالفوا الوعد فلا تخلفوا كما فعلوا، إذا كانوا أصدقاء لكم فكونوا أصدقاء لهم أيضا، و إذا قاموا ببناء جسور اجتماعية معكم ، فتواصلوا معهم ، وإن تجاوزوا الحدود فقاتلوهم ولكن لا تفرطوا. إذا فعلتم فأنتم عندئذ مثلهم معتدون.
قال تعالى في سورة البقرة الآية 190:
“وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.”
تفسير خاطئ للآية 193 من سورة البقرة
آية أخرى يعتقد البعض أنها “دليل حرب على غير المسلمين ، وليس سلام” للسياسة الخارجية للإسلام، “ ولكن مرة أخرى ، هذا الافتراض يرجع إلى التفسير الخاطئ :
“وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ.”
يشرح د. إبراهيم أن كلمة فتنة هي “الاضطهاد ديني” أو “العمل العدواني”. لتأكيد هذا الفهم ، تقول الآية 191 من سورة البقرة
“وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ.”
في يومنا هذا ،منعت معظم دول العالم الاضطهاد الديني والتمييز على أساس المعتقدات الدينية. لكن هذا الفهم تم لدى المسلمين بقي لأكثر من أربعة عشر قرناً.
مناقشة بعض من الأحاديث النبوية الخاصة بالكافرين
النقطة الأخيرة التي يجب بحثها هي الحديث النبوي الذي يقول:
{ لقد أمُرت بمحاربة الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } بخاري ومسلم
أوضح الدكتور إبراهيم أن كلمة ناس في الحديث أعلاه لا تعني كل الناس. فقال إننا لسنا مأمورون بإجبار أهل الكتاب على اعتناق الإسلام” وعن نفس النقطة قال الإمام أنس بن مالك صاحب المذهب المالكي إلى أن مصطلح “الناس” هنا يعني مشركي قريش الذين في مكة”.
عينات من 141 آية التي تتحدث عن السلام
فيما يلي بعض الآيات من 141 آية تنص على أن السياسة الخارجية للإسلام هي السلام وليس الحرب:
- في هذه الآية أمر الله النبي محمد بعدم إجبار أحد على اعتناق الإسلام
“وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ.” سورة يونس الآية 99
- في هذه الآية لا يأمر الله على الإكراه في الدين
“لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.” سورة البقرة الآية 256
- في هذه الآية يأمرنا الله أن نتصرف بشكل جميل ولائق تجاه الكفار
“لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” سورة الممتحنة الآية 8
هذا النوع من الآيات يوضح أن سياسة الإسلام تجاه غير المؤمنين هي السلام. يتم دعوة المسلمين للتعامل مع الكفار بمستوى عالي من الرحمة ، حتى المشركين الذين لا يقاتلونهم من أجل إيمانهم ولا يطردونهم من ديارهم.
ثالثاً: المزيد من “السلام” كسياسة خارجية للإسلام مع الكافرين
الإسلام يخاطب كل الناس كأنهم واحد
من ميزات القرآن مخاطبة الناس على قدم المساواة ، ويخاطب كل الناس بنفس الطريقة في المسؤولية التي يخاطب بها المؤمنين – معتبراً جميع الناس شركاء في بناء الأرض وتجميل الحياة وممارسة الخير والصلاح. تأمل في الآيات القليلة التالية:
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.” سورة البقرة الآية 21
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ.” سورة البقرة الآية 168
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا.” سورة النساء الآية 1
جواز مصاهرة أهل الكتاب
أباح الله تعالى للمسلم أن يتزوج نصرانية أو يهودية ،ووصف الله العلاقة الزوجية بأنها حميمة وأساسها الحنية والرحمة.
” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.” سورة الروم الآية 21
أهل الكتاب لهم ضعف الأجر والثواب
” الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ.” سورة القصص 52 حتى 55
يدعو الإسلام أهل الكتاب بلطف إلى الإسلام
“قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.” سورة آل عمران 64
حتى لو رفض أهل الكتاب هذه الدعوة ، فقد خاطب الله المسلمين ليقول:
“فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.”
في الواقع لا توجد أية تدعو للجهاد نتيجة لرفض أهل الكتاب الدعوة للاسلام، بل يكرّم الإسلام عقائد الديانة اليهودية والمسيحية.تأمل الآية التالية :
” قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.” سورة آل عمران الآية 84
حرية المعتقد
يشكل مفهوم الحرية وحرية الدين موضوع كبير لدى الغرب. و الإسلام أيضا يروّج لمثل هذا المفهوم النبيل ويعزز العدالة ويضمن المزيد من السلام والجمال على الأرض.يعزز الدكتور مصطفى زيد الأزهري هذه الفكرة في مجلديه المكونين من 600 صفحة “آيات القرآن المنسوخة” .حيث قال أن هناك 141 آية في القرآن تدعم حرية العقيدة وتحرم السلطة عليها. و في هذا دلالة واضحة لمفهوم الفصل بين الدين والدولة. فيما يلي بعض من الآيات القرآنية التي تدعم هذه الفكرة :
” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُر” سورة الكهف الآية 29
وفي آية أخرى يعلن الله:
” لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” سورة البقرة الآية 256
في هذه الآية يقول لنا الله بوضوح أنه لا أحد مجبر على العيش بأي دين ، بما في ذلك الإسلام. قال الله تعالى:
“وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ” سورة يونس الآية 99
” قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ” سورة الأنعام الآية 104
سمح الله للناس بحرية اختيار معتقداتهم الدينية بشكل واضح في سورة الكافرون :
“قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”
دفاع القرآن عن حرية الدين
لولا أن الله صدّ بعض الناس عن البعض الآخر “لدمر الكثير من الأديرة والكنائس والمعابد والمساجد ، التي يذكر بها اسم الله “ومن المؤكد أيضاً أن الله سيختار من يكون عوناً لقضيته .
“الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” سورة الحج الآية 40
المعنى الضمني في هذه الآية هو أن الدفاع عن الحرية الدينية يعد السبب الأول الذي من أجله يمكن – بل يجب- حمل السلاح و إلا فإن الفساد سوف يكتسح الأرض بالتأكيد.
في هذه الآية يأمر الله النبي محمد أن يسامح للكفار:
“وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ” سورة الحجر الآية 85
التأدب في التواصل مع اليهود والمسيحيين
“وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” سورة العنكبوت الآية 46
يجب على أي مسلم ظلم أو أهان يهودياً أو مسيحياً أن يجيب على النبي محمد يوم القيامة.
قال الرسول أيضاً:
” مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا “البخاري 3166
أمر القرآن المسلمين أن يكونوا رحماء مع كل الناس حتى الأعداء منهم:
” وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” سورة الشورى الآية 40
” وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” سورة فصلت الآية 34
علّمنا أيضا النبي محمد:
“من لا يرحم لا يرحم”.-بخاري ومسلم 227
لم يجبر النبي محمد نصارى نجران على اعتناق الإسلام
أسلمت بعض القبائل المسيحية و الأفراد لمجرد التحدث مع النبي محمد ، و البعض الآخر لم يفعلوا ذلك واختاروا أن يظلّوا مسيحيين ومع ذلك لم يعلن النبي الحرب عليهم لأنهم لم يسلموا،بل على العكس فقد منح القبائل المسيحية في نجران حريتهم في العبادة وأمّن لهم سلامة منازلهم وكنائسهم وبلداتهم. يوجد أدناه هذه الرسالة التي كتبها الرسول لنصارى نجران:
واللافت أن الوفد المسيحي في نجران مكث في المسجد النبوي لمدة أسبوعين ، مارسوا خلالها عقيدتهم بحرية. ولم يمنعهم الرسول من ممارسة دينهم ، لأنه بذلك يخالف أحكام الله وتعاليمه.
الخلاصة:
عند التأمل في الآيات السابقة التي تتحدث عن قبول الناس من مختلف المعايير الدينية والاجتماعية والسياسية ، يتساءل المرء كيف يمكن أن يكون “إما الإسلام أو السيف كسياسة خارجية للإسلام؟”
يبدو أن الهيكل السياسي للعالم خلال العصور الوسطى للسيطرة والاضطهاد الديني كان عامل أساسي لجعل السياسة الخارجية للإسلام تأخذ درب الحرب على إجابات والشجار ، مقابل الفكر وحرية المعتقد والمصالحة والدبلوماسية.
ربما تعرّض العلماء المسلمون القدامى للإرهاب الديني للعصور الوسطى ، رأوا أن تكون السياسة الخارجية للإسلام لا تختلف عن النظام الذي عليه بقية العالم وهو: الحرب وليس السلام. من ارشادات مفتي سوريا الشيخ أحمد كفتارو في القرن العشرين أنه:
العصر الحديث يجب أن لا يكون عصر حرب ، بل يجب أن يكون عصر عقل وعلم. استخدام القلم يمكن أن يكون أكثر فعّالية من استخدام الصاروخ.
:ملاحظات
وضع الدكتور ابراهيم قائمة بأسماء العلماء المؤيدين و المعارضين لفكرة أن “السياسة الخارجية للإسلام سلام ” من بين العديد من علماء المسلمين المعاصرين الذين رأوا أن السياسة الخارجية للإسلام هي “السلام هو القاعدة والحرب هي الاستثناء” ، هم:القرضاوي ، مصطفى زيد الأزهري ، مصطفى السباعي ، مفتي الديار المصرية السابقين محمود شلتوت ، محمد عبده ، محمد رضا ، محمد الغزالي ، محمد الخضر حسين ، د.محمد سعيد البوطي ، د. وهبة الزحيلي. ومن بين العلماء الذين اعتبروا أن السياسة الخارجية للإسلام حرباً ضد الآخرين حتى يقبلوا الإسلام ، الزعيم البارز لحزب الإخوان المسلمين سيد قطب ومولانا المودودي من الباكستان.